عند متابعته أو تواطؤوا بصفة مباشرة أو غير مباشرة على عدم التعرّض إليه أو الحديث عن الفساد الّذي تخلّله .
الملاحظ أن الملف لم تطرح تفاصليه رغم كثرة الحديث عنه ووقع تجنب الخوض فيه من العارفين به حتى لا تكشف الاخلالات في معالجة القضية الّتي وُصفت بأنها قضية فساد بإمتياز ،منذ بدايتها إلى مشارف نهايتها ، مرورا بإجراءاتها وطرق النظر والبت فيها.
و تناول تفاصيل التفاصيل في خلفيات الملف تضع العديد من المسؤولين في مواقع مختلفة ، محل شك وريبة، وتؤثر على مكانة و مراكز السياسيين الّذين قصّروا في الدفاع عن مصالح البلاد التونسية، أو شاركوا في إلحاق الضرر بها خطأ لنقص في الكفاءة، أو عمدا لجني منافع خاصّة.
لذلك يكون من المفيد استعراض مراحل سير الملف وجوانبه الخفية، ليصبح واضحا لدى الرأي العام .
المنطلق
إن منطلق القضية حسب مصادر مختلفة توفّرت لدينا ، تعود في الحقيقة إلى سنة 1981 حين قرّر البنك الفرنسي التونسي الترفيع في رأسماله من مليون دينار إلى خمسة ملايين دينار، وذلك بإحداث 800.000 سهم جديد بقيمة 5 دنانير ،عندها دخلت في الصورة المسماة المجموعة العربية للدولية للأعمال ABCI وهي شركة تحمل الجنسية الانجليزية مقيمة بالخارج، (نسميها المستثمرة لاحقا) حين عبّرت عن رغبتها في الإستثمار بالمساهمة في رأسمال البنك المذكور بنسبة 50 %، وهو ما كان يقتضى الحصول على تراخيض مسبقة من البنك المركزي ومن وزارة التخطيط والمالية آنذاك تطبيقا للتشريع الجاري به العمل.
وفي أفريل 1982 تحصلت المستثمرة التي كان يديرها عبد المجيد بودن التونسي ـ الفرنسي، على الموافقة المبدئية من وزارة المالية في المساهمة في رأسمال البنك، مع إدراج بند عند إمضاء الإكتتاب، يستوجب موافقة البنك المركزي. وهذا يعد في منطق القانون شرطا تعاقديا.
وسارعت المستثمرة بتحويل مبلغ الاكتتاب من بنك سويسري أودع في حساب إنتظار مجمّد بدون فوائض في موفى جويلية 1982، على أن يقع تفعيل المساهمة في رأس المال، عند إستكمال الحصول على ترخيص البنك المركزي الّذي كان متوقفا على إتمام إجراءات تسوية الوضعية ومنها إثبات مصدر التمويل.
و لكن تعطّل اتمام الإجراءات من طرف المستثمرة و بدأ الإشكال يبرز لتتعطّل عملية الترفيع في رأسمال البنك الفرنسي التونسي، الأمر الّذي جعل الشركة التونسية للبنك تغطي كامل مبلغ الترفيع لتصبح مالكة لنصف رأسمال هذا البنك.
في سنة 1984 تمّت تسوية مساهمة المستثمرة بشرائها لخمسمائة ألف سهم بسعر 250د4 بدل 5 دنانير وذلك بغاية تغطية تعويض الضرر الناجم عن تجميد المساهمة الأصلية ، و هذا يعد عمليا تعويضا لا يمكن تجاهله في مجريات النزاع.
ولكن بقيت المستثمرة تطالب بالفوائض الجارية عن كامل المبلغ المحوّل في جويلية 1982 وهو ما خلق نزاعا بين الطرفين ، إستلزم الدعوة إلى جلسة عامّة استثنائية لمجلس إدارة البنك في مستهل 1987 احتدم فيها الخلاف وأدى إلى استقالة جل أعضاء مجلس الإدارة وإلى انسحاب الشركة التونسية للبنك، فواصلت الجلسة العامة أشغالها بثلاثة أعضاء فقط عيّنوا الوكيل التونسي السيد عبد المجيد بودن رئيسا لمجلس الإدارة .
هذا التعيين أدّى إلى التقاضي لاحقا وصدور حكم نهائي و بات في نهاية سنة 1988 يقضي بإبطال اللّوائح الّتي صدرت عن الجلسة العامة الإستثنائية ، وهو ما جعل كل الأعمال الّتي تلت تلك الجلسة العامة في نظر الدولة التونسية مختلّة لا عمل بها.
و لكن في الفترة الّتي تفصل بين الجلسة العامة الإستثنائية وبين صدور الحكم النهائي بإبطال مقرراتها، عيّن عبد المجيد بودن طاهر بورخيص مديرا عامّا للبنك الفرنسي التونسي، ثم تم إبرام إتفاق بين المستثمرة و البنك الفرنسي التونسي على فض النزاع عن طريق التحكيم الدولي في أفريل1987، و هو ما تم فعلا في ماي 1987 حيث تحصل المستثمر على قرارا تحكيمي يقضي بإلزام البنك الفرنسي التونسي بان يؤدي للمستثمر مبلغ 3.205 مليون دولار بعنوان فوائض المبلغ المحوّل و الفارق في صرف الدولار عن مدة حوالي 5 سنوات . و هذا القرار التحكيمي، لم تقبل به الدولة التونسية على خلفية التمسك ببطلان الجلسة العامة الإستئنافية وتضارب المصالح . لذلك و بداية من جانفي 1988 وقعت تتبعات جزائية بسعي من وزارة المالية ضد أعضاء مجلس إدارة البنك الفرنسي التونسي و وكيل المستثمرة لمخالفة تراتيب الصرف و إستعمال مكاسب الشركة لقضاء مصلحة شخصية وإثارة شركة على أخرى والتصرف دون وجه شرعي في أموال عمومية كانت مناطة بعهدتهم بموجب الوظيف، وصدرت أحكام بالسجن و عدّة خطايا مالية
في سنة 1989 سعى وكيل المستثمرة إلى الصلح مع الإدارة ومع الشركة التونسية للبنك وتمّ ذلك بموجب اتفاقيتين صلحيتين تشملان جميع القضايا والنزاعات التحكيمية المنشورة أو المزمع نشرها بتونس أو بالخارج، ومن البنود الّتي تم الاتفاق بشـنها حصول المستثمرة على مبلغ مليون دينار تعويضا عن الأضرار الّتي لحقتها، وتنازل وزارة المالية مقابل ذلك عن جميع التتبعات الناجمة عن جرائم الصرف وإلغاء العقوبات الصادرة ضد المستثمرة و وكيلها.
ولكن عند بداية تنفيذ الصلح بخصوص تحويل الدولة التونسية لمبلغ مليون دينار لفائدة المستثمرة بحساب يفتح لدى البنك الفرنسي التونسي، ومنحها فائضا على المبلغ ، لم يقم وكيل االمستثمرة بتسليم الوثائق اللاّزمة لفتح الحساب في بادئ الأمر، ثم سلّمها في مستهل سنة 1991 ولكنه أحجم إثر ذلك عن استعمال الحساب، ثم أعرب لاحقا عن تراجعه عن الصلح مبرّرا موقفه بأن الصلح تم إبرامه تحت الإكراه .
وفي ما بين 1991 و2003 رفعت المستثمرة عدة قضايا لدى القضاء الإنجليزي ضد البنك المركزي التونسي والشركة التونسية للبنك و البنك الفرنسي التونسي و لكنها فشلت في الحصول على حكم أو قرار لصالحها .
في سنة 2003 لجأت المستثمرة إلى القيام بقضية تحكيمية أمام المركز الدولي لفض نزاعات الإستثمار CRDI
التابع للبنك الدولي ، ضد الدولة التونسية للمطالبة بإسترجاع 500 ألف سهم بالبنك الفرنسي التونسي والتي تناهز 53،6 % من رأسمال هذا البنك وجبر الضرر عن حوالي سبع سنوات وبمثلها عن الضرر الناجم عن الاجراءات غير القانونية الّتي قامت بها الدولة التونسية ومنحها تعويضا، ثم حوّرت طلباتها في أكتوبر 2010 وطلبت رفع اليد عن المساهمات الّتي تُمكن من تسيير البنك وارجاع كامل الأسهم مع الرجوع في طلب التعويض كفرضية بديلة في صورة عدم الارجاع وحفظ الحق فيما زاد على ذلك.
في نوفمبر 2010 أصدر المركز الدولي لفض نزاعات الاستثمار CRDI قرارا يلزم السلط التونسية باعلام كل من يتقدّم لشراء البنك الفرنسي التونسي بفحوى النزاع القائم مع المستثمرة دون اقرار إيقاف عملية التفويت في الشركة التونسية للبنك موضوع طلب عروض دولي .
وخلال هذه الفترة، كان وكيل المستثمرة يشهّر بالسلطة التونسية رافعا راية انتهاك حقوقه وهضمها وذلك في كل المنابر واستمال بذلك المعارضين المقيمين بالخارج، خاصة الّذين عرفوا بمعارضتهم لنظام بن علي و إنخرطوا في الاستثمار في فرنسا وانقلترا وأصبح يتبنى صفة المعارض السياسي .
و في المقابل اعتبرت الدولة التونسية كل الاتفاقيات الصلحية لاغية بعد تراجع المستثمرة عن تنفيذ الصلح بما في ذلك التتبعات الجزائية، وبذلك أصبح النزاع إلى 2011 محكوما بقرارا ت غير محسومة قانونيا وأصبحت الحظوظ متساوية بين الطرفين لتمسك كل طرف بموقفه، رغم أن إرادة الدولة التونسية كانت متجهة إلى حل صلحي دون تحميلها مسؤولية الأخطاء الّتي حصلت.
بعد جانفي 2011 استغلت المستثمرة الظرف الجديد ، بتفعيل الاتفاق الصلحي مجدّدا و في تلك الفترة أعلن مركز التحكيم اختصاصه بالنظر في النزاع على أساس استنتاج وجود اتفاق بين الطرفين على اللجوء إلى تحكيم المركز نظرا إلى أن قانون رصد الاموال عدد 35 لسنة 1969 الّذي ينص في الفصل 20 على أن كل نزاع بين صاحب الرصود من الاجانب و بين الحكومة يكون نشأ عن فعل صاحب الرصود أو عن تدبير اتخذته الحكومة ضده ، يقع فصله وفقا لإجراءات التحكيم والصلح ...
وعلى ذلك الأساس اعتبرت المستثمرة أن ما صدر عن الدولة التونسية إيجابي واقترن ذلك بقبول المستثمرة من خلال اشارتها في العديد من تبادل المراسلات منذ 1982 ولذلك علّقت إجراءات النظر في القضية إلى غاية 30/ 9/ 2013 لتمكين الطرفين من ابرام صلح ينهي النزاع بينهما .
المنعرج الأول في النزاع
شهدت مجريات الصلح بين الطرفين بعد 2011 منعرجا جديدا إذ تكثفت جلسات التفاوض و شهدت فترة رئاسة السيد حمادي الجبالي للحكومة حرصا على فض النزاع ، و بدا التحمّس لدى وزير أملاك الّدّولة السابق سليم حميدان ملفتا حسب الجهات الإدارية الّتي كانت لها صلة بالملف لذلك تم عقد ما لا يقل عن 7 جلسات عمل وزارية في تلك الفترة.(فترة رئاسة محمّد المنصف المرزوقي ورئاسة حمادي الجبالي إلى حدود 13 مارس 2013 ثم حكومة العريض وكان نورالدين البحيري وزيرا للعدل إلى حدود مارس 2013 وثم أصبح وزيرا معتمدا لدى الوزير الاول علي العريض، وعيّن بدله نذير بن عمّو، وكان يشغل منصب وزير املاك الدولة سليم بن حميدان).
و هنا حرص وكيل المستثمرة على التمتع بالعفو التشريعي العام بالادعاء بأن الأحكام الصّادرة ضدّه كانت ذات خلفيات سياسية، ولكنه فشل في الحصول على ذلك في بادئ الأمر لعدم اعتبار ما حصل للمستثمر التونسي يندرج ضمن حالات العفو التشريعي العام، وهو أمر أجمع عليه تقريبا كل الّذين نظروا في الملف من اللّجان المختصّة. لذلك أصبح المستثمر يربط الصلح بتمتيعه بالعفو العام الّذي جاء به المرسوم عدد 1 لسنة 2011 وهو الموقف الّذي أصرّ عليه عند تحول لجنة التفاوض مع عبد المجيد بودن إلى باريس بتكليف من سليم بن حميدان الّذي كان متحمسا للصلح وحريصا على مساعدة وكيل المستثمرة الّذي تربطه به علاقات متميّزة . و لكن لم يتوصّل فريق التفاوض إلى حل صلحي بسبب إصرار وكيل المستثمرة على المقايضة ،بتمتيعه بالعفو، وهو ما رفضت لجنة التفاوض الهوض فيه لخروج ذلك عن مشمولاتها ، و هو ما لم يرق للوزير المذكور حسب مصادرنا.
المنعرج الثاني
على خلاف ما كان ينتظره الخبراء المتابعون للملف، صدر القرار التعقيبي عدد 113 بتاريخ 17 أكتوبر 2012 يقضي بتمتيع عبد المجيد بودن بالعفو التشريعي العام. وقد جاء بهذا القرار المستند على الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من المرسوم عدد 1 لسنة 2011، أن العفو يشمل كل الّذين حوكموا من أجل جرائم حق عام أو جرائم عسكرية إن كانت التتبعات قد تمت على أساس نشاط نقابي أو سياسي. وبعد إستعراض المحكمة لطبيعة الأحكام الجزائية الصّادرة ضد طالب العفو الّذي كان يمثل المستثمرة الأجنبية «المجموعة العربية للأعمال ABCI، علّلت قرار إستجابتها لطلب طال العفو بـ «أن المكاتبة الصادرة عن المكلف العام بنزاعات الدولة بتاريخ 20 سبتمبر 2012 بما يلي: «... أنه بقراءة متانية للمرسوم عدد 1 لسنة 2011 المتعلق بالعفو التشريعي العام نجد أنها تسمح بإدراج وضعية السيد بودن ضمن المتمتعين بالعفو، ذلك أن الوصف السياسي للجرائم الّتي نسبت إليه خلال التعليمات الحكومية الّتي كانت السبب المباشر للإدانة و الإصرار على التجريم رغم حفظ التهمة الصرفية وتهمة الإبتزاز...»
هذه المكاتبة صدرت إذن ،عن المكلف العام الساهر على حقوق الدولة التونسية، والّذي هو في مركز الطالب، والمشارك الرئيسي في مفاوضات الصلح، لذلك أُعتبر موقفه هذا غير مبرّر ومناقضا لمصلحة الدولة التونسية وهو ما جعل المتابعين يقولون بوجود شبهة فساد، باعتبار أن العفو مكن المستثمرة من الانقلاب على مفاوضيها وإعطائها ورقة مفصلية في التفاوض وحتى في مجريات الصلح لو وقع الجنوح إليه لحل النزاع .
لهذا السبب تم القيام بتتبع جزائي مازال جاريا لدى القضاء طبق الفصل 96 م.ج وتتضمن هذه القضية تفاصيل و جزئيات لا يمكن الخوض فيها في هذه المرحلة، ووجهت فيها عدّة تهم للمظنون فيهم الذين باشروا الملف خاصّة في الفترة الممتدّة بين فيفري 2011 و 17 أكتوبر 2012. و الجدير بالملاحظة أن التحريات والأبحاث لم تتوقف على مسألة الضلوع في تمتيع وكيل المستثمرة بالعفو التشريعي العام الّذي تم بقرار قضائي نهائي وبات، وإنّما في مجريات المساعي الصلحية مع المستثمرة الّتي إستغلت وثيقة «مشروع « محضر صلح تمّ تبليغها لها بفرنسا ، و تمت نسبة تحرير هذه الوثيقة و مكان صدور ارسالها لأحد المظنون فيهم.
في نفس الوقت واصلت المستثمرة متابعة مجريات التحكيم للحصول على ما تطلبه بعد أن كسبت بعض الأوراق لصالحها، وهي أوراق كسبتها رغم تكليف مكتب محاماة أجنبي بالدفاع عن حقوق الدولة التونسية، والّذي تم تحميله مسؤولية عدم كسب القضية، رغم نفيه ذلك، واعتباره بأن المفاوضين تجاوزوه، وهو ما حدا بطلب تعويضه أو دعمه بمحامين تونسيين، وهذا موضوع آخر أثار الجدل في أوساط المحامين في فترة من الفترات و قد سبق لنا تناوله في أكثر من مناسبة عند متابعتنا لهذا الملف ولمفات أخرى تم فيها الإعتماد على مكاتب محاماة أجنبية بتكاليف مرتفعة وتجاهل المحاماة التونسية الّتي لا تنقصها الكفاءات .
المستجدات الموجعة
تجدر الإشارة أوّلا إلى أن الحديث عن تنفيذ قرار الهيئة التحكمية ضد الدولة التونسية، كذبته الشركة التونسية للبنك في بلاغ صحفي، إذ اكدت أن المستثمرة لم تكسب القضية بعد، وأن الإجراءات التحكيمية لم تبت إلاّ في إختصاصها، وأن الشركة التونسية للبنك غير معنية، وأكدت أن كل ما في الأمر، هو قيام الشركة المستثمرة ،بإجراء تحفظي في 28 أوت 2019 والمتمثل في عقلة تحفظية على أصول البنك الفرنسي التونسي في فرنسا، تمت مباشرتها بواسطة عدل من باريس، وأهمّها على بنك تونس الخارجي
Tunisian Foreign Bank TFB
في نفس السياق صرح المكلف العام بنزاعات الدولة الشاذلي الرحماني أن العقلة التحفظية وقائية على أصول أحد البنوك التونسية العمومية، المساهم الأكبر في بنك تونس الخارجي، وهي حاليا، محل طعن من قبل محامي نفس البنك العمومي، مؤكدا على أن مبلغ التعويضات الّذي تناقلته وسائل الإعلام هو مجرد تقديرات من طالب التعويض، وأن الإجراءات القانونية حسب رزنامة محدّدة بالتّشاور بين المكلفين بقضية التحكيم في تونس والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ستستمر إلى موفى 2021
أمّا بنك تونس الخارجي (TFBank). فقد أكّد أن ما تم تداوله في وسائل الإعلام يهم القضية المتعلقة بالبنك التونسي الفرنسي ولا يهم بنك تونس الخارجي.
مشيرا أن الشركة التونسية للبنك انطلقت في إجراءات قانونية للطعن في قرار عقلة منقولاتها، باعتبار أنها المخولة بإنهاء هذا الملف في أقرب الآجال، إضافة إلى ذلك فإن البنك الفرنسي التونسي هو محل ملاحقة قضائية من قبل المكلف العام بنزاعات الدولة
هذا التضارب بين تصريحات الشركة التونسية للبنك و بنك تونس الخارجي، ولهجة «الطمأنة» زادت الملف غموضا، ولكن كل ذلك كشف أن للملف تبعات مالية وسياسية مكلفة و مؤثرة على سمعة تونس، وتحوم حولها شبهات فساد حقيقية ، لم يقع الإسراع بالفصل فيها رغم أنه يمكن أن تكون لها آثار جدية على مسار النزاع. كما شكل هذا الملف أيضا مسّا من إعتبار هيئة الدّفاع وربّما من سمعة المحامين الّذين كان لهم دور مباشر أو غير مباشر في التعاطي مع هذا النزاع، الّذي شكّل العفو التشريعي العام نقطة فارقة فيه ، فضلا عن طريقة معالجة مرتجلة ساهم التمطيط فيها في تفاقم الأضرار. ولا شك أن المستفيدين الساعين للحصول على حوالي ثلاث ملاين مليار بالعملة التونسية، لن يسلّموا وسيبقون متشبثين بموقفهم لخدمة مصلحتهم الضيقة، خاصة وأن هذه المصلحة لا تهم المستثمر التونسي المستفيد من الحكم فقط، بل تهم مصلحة كل من ساهم في مجريات هذه القضية بدءا من الهيئة التحكمية و مكتب أو مكاتب هيئة الدفاع والمستشارين وغيرهم من المساهمين في تحقيق النتيجة المرجوة .
وما يزيد الطين بلّة أن وضعية البنك الفرنسي التونسي في تدهور مستمر، خاصّة بعد أن فشل في استرداد ديونه الّتي أُسندت لحرفاء دون ضمانات ،و حملت الشركة التونسية للبنك و البنك الفلاحي والبنك المركزي مئات الملايين من الدنانير، في محولات لإنقاذ البنك دون اللّجوء إلى تفليسه . لذلك تراكمت الأخطاء في الرقابة المصرفية و المالية و القانونية و الإدارية وحتى القضائية لتتسع حلقة شبهات الفساد. هذه الحلقة الّتي وضعت المالية العمومية في تونس في مأزق، وتناوبت على الملف الحكومات المتلاحقة بعد جانفي 2011 ، وتعاقب رمي الكرة بخصوصه من السلف إلى الخلف، دون أن تقع معالجته بالجدية والسرعة اللاّزمتين، والّتي ولو تمّت كما ينبغي لانكشفت في الإبان حقائق كارثية عمّن باشروا هذا الملف من الّذين تمركزوا في الصفوف الأمامية للسلطة إبان جانفي 2011...