المدارس القرآنية «رسمية».. «نهضاوية» و«سلفية» : تعددت الأسماء والضحية واحدة

لاتزال قضية المدرسة القرآنية بالرقاب تكشف عن أسرارها والجهات المسؤولة عن «الكارثة» تباعا ،

ولكن الأهم من هذا أنها سلطت الضوء على خطر المدارس القرآنية المنفلتة من عقال الدولة والتي بان بالكاشف ان خطرها ليس «مؤجلا» وانما آني على الأطفال، الذين رمتهم اقدارهم الى هذه المدارس التي تتوزع بين مدارس «رسمية» انفلت القائمون عليها، وبين مدارس «داعشية» وثالثة يمكن وصفها بـ«نهضاوية».
يوم امس اعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد لدى زيارته لمركز «املي» مقر اقامة اطفال مدرسة الرقاب القرآنية الـ42 انه تم الانطلاق في تتبع كل من يخرق القانون تحت غطاء الجمعيات، واشار الى انه وقع رفع أكثر من 160 قضية على هذه الجمعيات بما في ذلك الجمعية التي اشرفت على مدرسة الرقاب. ليشدد على ان تونس «دولة مدنية لا تقبل دمغجة عقول الاطفال أو استعمالهم بأية طريقة كانت».

هذا التصريح لم يحمل جديدا عما قاله الناطق الرسمي باسم الحكومة من ان الدولة رفعت قضايا على عدد من الجمعيات وان القضاء اصدر قرارا بتجميد او إيقاف 154 جمعية منها جمعية الرقاب المشرفة على المدرسة القرآنية التي شهدت عددا كبيرا من الاخلالات والتجاوزات في حق الأطفال (انظر مقال نورة الهدار).
لكن ما لم يقله رئيس الحكومة او الناطق باسمها هو سبب عدم تطبيق القانون ومنع هذه الجمعيات من النشاط، او عدد الجمعيات المرخص لها، على غرار جمعية الرقاب والناشطة في تدريس القرآن او نشاطات مشابهة. والتي يقدر عددها بـ1130 جمعية تنشط بشكل قانوني وتختص بكونها «جمعيات قرآنية»، ليس عليها أي اشراف ولا تخضع إلى أية وزارة، سواء الشؤون الدينية او المرأة والاسرة والطفولة .

هذا الصنف من الجمعيات يقابله صنف اخر رسمي نسبيا، تشرف عليه وزارة الشؤون الدينية وتمول جزءا هاما من نشاطها وهي «الرابطة الوطنية للقرآن الكريم» التي لديها مئات من الفروع الجهوية والمحلية في كامل تونس ويترأسها حاليا محمد مشفر. وتشرف على المسابقة الوطنية لحفظ وتجويد القرآن.
لكن حتى هذه المدارس الشبه رسمية، التي يقوم نظام التدريس فيها على تحفيظ القرآن والتجويد وبعض علوم القرآن الاخرى، لم يتخلف بعض المشرفين على فروعها من ابراز مواقف داعمة لجمعية الرقاب وتبني نظرية «خطف الاطفال» واصدار بيان رسمي ممضى من قبل الفرع الجهوي للرابطة بأريانة مذيل بتوقيع رئيسه صلاح الدين المولهي.
هذا البيان الذي اعتبر ان نقل الاطفال من مقر الجمعية غير قانوني وفيه انتهاك لحقهم من قبل من اسماهم بـ«الغرباء عن البلد واهله» ليس هو الوحيد الذي يكشف ان جزءا هاما من التيار السلفي بمختلف تياراته تبنى الدفاع عن المدرسة رغم فداحة الانتهاكات التي مورست فيها.

فرضا الجودي، ومختار الجبالي، وهما إمامان مقربان من حركة النهضة، لم يترددا في تأليب الرآى العام وحشد الأنصار لقضية المدرسة القرآنية بالرقاب ومن خلفها مئات المدارس المنفلته عن رقابة الدولة والتي تعتمد مناهج عدة لاغراء الاولياء لتعليم ابنائهم ومنها جمعية اليقين التي فتحت باب التسجيل في دورة لتحفيظ القرآن لاطفال ما بين 6 و12 سنة ايام الجمعة والسبت والاحد، دون ايواء، ولكن بإغراء تقديم منح مالية ودروس دعم مجانية للاطفال.

هذا الصنف من الجمعيات التي تقدم دروسا في حفظ القرآن للاطفال خاصة تنتشر بشكل كبير ولها فروع عدة في الاحياء الشعبية، ومن بين الجمعيات التي فتحت فروعا لها في الكرم وحظي حفل افتتاح الفرع بحضور رئيس بلدية المكان. وهذا الصنف الذي تدثر بغطاء تدريس القرآن لا يخفي تعاطف رؤسائها- على الاقل- مع حركة النهضة او قربها منها.
الصنف الاول وهو رسمي بعضه انفلت عن الدولة والثاني جمعيات تقدم دورات في تحفيظ القرآن دون توفير الايواء يضاف إليهما صنف ثالث وهي جمعيات قرآنية تقدم خدمة التعليم الشرعي عوضا عن التعليم الرسمي، اي ان من يلتحق بها عليه ان يترك مقاعد الدراسة في أي مستوى، ابتدائي ثانوي، ويتفرغ لحفظ القرآن في مقر الجمعية الذي يكون بدوره مقر اقامة الطلبة.

خدمة الاقامة المجانية التي توفرها هذه المدارس التابعة لجمعيات قرآنية يبدو ان هدفها عزل الطلبة اكثر وجعلهم يتفرغون لحفظ القرآن على يد مشايخ غير مختصين ولا دارسين، ولا يتبعون نهج تدريس محدد. ومن بينها جمعية الرقاب وأخرى في فوشانة وثالثة في منزل نور ورابعة بسيدي حسين السيجومي بالعاصمة.
هذه المدارس تشترك في انها حواضن للتشدد وزرع افكار متطرفة في صفوف طلبتها الذين ينتمون لشرائح عمرية مختلفة من 6 سنوات الى اكثر من 30 سنة، كما تشترك في ان المشرفين عليها من اتباع التيار السلفي الجهادي ولهم مستوى عيش مرفه نسبيا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115