مسار العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والكرامة: لا حقيقة كشفت ولا كرامة استردت ... كأنّ شيئا لـم يكن

يوم الاثنين الفارط أعلنت هيئة الحقيقة والكرامة عن تسليمها لتقريرها النهائي لرئاسة الجمهورية، وهذا بمثابة الإعلان الرسمي عن نهاية أشغالها، لاحقا يوم

أمس الأربعاء رفعت الجلسة المخصصة لأحداث الحوض المنجمي اثر احتقان داخل قاعة المحاكمة لتغيب المنسوب اليهم الانتهاكات، حدثان مترابطان في خلاصتهما، وهي ان مسار العدالة الانتقالية فشل في تونس.
للمرة الثانية تغيب المنسوب إليهم الانتهاكات عن حضور الجلسة الثانية لدائرة العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقفصة المخصصة للنظر في أحداث الحوض المنجمي. تغيب ولد احتقانا في القاعة في صفوف الضحايا والشهود، الذين اعتبروا غياب من يرونهم مسؤولين عن الانتهاكات التي شهدتها قفصة سنة 2008 دليلا على انحراف مسار العدالة الانتقالية (انظر مقال فتحية سعادة).

عدالة يريد ضحايا احداث الحوض المنجمي ان تجد طريقها للمذنبين المسؤولين عن مقتل 4 تونسيين واعتقال العشرات والزج بهم في السجون والتعذيب وسوء المعاملة دون اغفال ما تعرضت له جهة بأكملها من انتهاكات اتهم بارتكابها ستة عشر شخصا، من بينهم رئيس الجمهورية السابق زين العابدين بن علي و رفيق بالحاج قاسم وزير داخلية سابق، وخمس قيادات أمنية وتسعة أمنيين.

هذا الحدث سبقه اعلان هيئة الحقيقة والكرامة في شخص رئيستها سهام بن سدرين عن انتهاء اشغال الهيئة رسميا بتسليمها للتقرير الختامي لرئيس الجمهورية. قبل ان تستعرض بن سدرين ما اعتبرته ارقاما هامة تبين عمل الهيئة وما حققته من اجل ارساء العدالة الانتقالية. ارقام من بينها 72 وهو عدد الملفات التي أحيلت للقضاء للبت فيها . 11 وهو رقم القرارات التحكيمية الصادرة عن الهيئة، ورقم الملفات التي نظرت فيها الهيئة والذي يتجاوز 60 ألفا (انظر مقال نورة الهدار).

من بين هذه الالاف الستين، لم يحدد بعد عدد الملفات التي قبلت وسيمنح اصحابها شهادة تمكنهم من صرف المبلغ المخصص لجبر الضرر الواقع عليهم، ولا حدد تاريخ الانتهاء من تقديم الوصولات لاصحابها، فقط تم التعهد بان يقع الانتهاء من عملية التسليم والتسلم بين الهيئة والدولة التونسية خلال الاشهر الاولى من السنة الجارية.
عند هذا الحد تعتبر الهيئة انها أنجزت ما أوكل إليها من مهام، وحققت بعضا من اهداف العدالة الانتقالية، لكن الحقيقة مختلفة عما تعتقده الهيئة فلا مسار استكمل ولا عدالة ابصرها الضحايا او الجناة، فقط تعويضات دون المرور ببقية المراحل الاساسية في مسار العدالة الانتقالية.

عدالة تعرف بان اهدافها وان اختلفت بين الدول والسياقات إلا ان لها سمات لا تتغير، واهمها الاعتراف بكرامة الأفراد، والإنصاف والاعتراف بالانتهاكات لمنع وقوعها مرة أخرى وتمكين الفئات الأكثر ضعفاً عقب تعرضهم لانتهاكات من الوصول للعدالة. وهذا لم يتحقق في السنوات التي باشرت فيها هيئة بن سدرين ملف العدالة الانتقالية.وهنا يتحمل كل الفاعلين في المشهد مسؤولية تعثره واختزاله في التعويضات المالية للضحايا، وان كانت الهيئة تتحمل الجزء الاكبر منها.

هيئة اهدرت فرصة كشف الحقيقة والآليات التي اعتمدت لارتكاب الانتهاكات، منذ ان اصبحت جزءا من الصراعات السياسية في البلاد، وهذا كان اول ما قامت به الهيئة ورئيستها لدى تسلمهم لمهامهم. فباتوا طرفا سياسيا فاقدا للثقة وهذا اثر على مسار العدالة الانتقالية.

مسار يقتضي ان ينخرط فيه الجميع، لتحقيق مراحله من كشف للحقيقة والمحاسبة والاعتذار والمصالحة، لكن كل هذه المراحل وقع حرقها وما جلسات الاستماع الا عينة عن كيفية الانحراف عن مسار العدالة الانتقالية، والتوجه لمنطق تصفية الحسابات مع خصوم سياسيين.

خصوم وجدوا في سلوك الهيئة تعلة لرفض الاعتراف بما انتهكوه من تجاوزات وكيف تمت هذه التجاوزات والاعتذار لاحقا عما اقترف، خصوم من سياسيين وامنيين وغيرهم، رفضوا قرارات الهيئة وودوا من يدافع عنهم والسبب ما اتته الهيئة من تجاوزات بلغت حد رفض قرارات المحكمة الادارية ورفض قرارات مجلس النواب.
تعنت الهيئة اهدر على البلاد وشعبها دون استثناء، فرصة تاريخية للمصالحة مع ماضيه والتطلع المشترك لمستقبل دون احقاد الماضي، لكن هذا للاسف لم يتم والجميع مسؤول عما حدث.

(طالعوا لأكثر تفاصيل «المغرب القضائي» ص 13).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115