جدل المثلية الجنسية و الإسلام في خطر : العالـم الأزرق فضاء جديد للهيمنة وتوجيه الرأي العام

العالم الأزرق أو كما يعرفه أكثر من 3 ملايين تونسي «الفايس» كان ولا يزال منذ 2011 احد ابرز وسائل صناعة الرأي العام في تونس وتوجيهه من قبل مجموعات ضغط او أحزاب برمتها أو أجزاء منها في إطار الصراع الداخلي. ومنذ ما قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي

إلى الأسبوع المنقضي تعددت الأمثلة عن ذلك. منها مسألة المثلية الجنسية وتحفيظ القرآن في المؤسسات التربوية في عطلة الصيف، والربط بين القضيتين والقول انّ «الإسلام في خطر».
منذ ليلة الأربعاء الفارط إلى غاية كتابة التقرير يوم أمس، هيمنت قضيتان على النقاشات في شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك، وهما استضافة قناة الحوار التونسي لضيفين في حصتين من برامجها المنوعاتية، من أصحاب الميول الجنسية المثلية. مع الإشارة إلى انّ الجزء المتعلق ببرنامج «عندي منقلك» تم التراجع عن بثه من قبل القناة دون توضيح للأسباب.

النقطة الثانية هي مسألة تدريس القرآن في المدارس خلال عطلة الصيف، والتي بدورها أثارت الكثير من الجدل خصوصا وانه تم الربط بين النقطتين وتطويعهما ليصبحا مبررا لإطلاق شعار «الإسلام في خطر» من جديد.
خلف هذا الكم الهائل من التعليقات التي تناقضت مضامينها، ومن نشر وإعادة نشر نصوص ومقالات وروابط وفيديوهات تناولت هذه المواضيع وقامت بالربط بينهما، تختفي تفاصيل هامة تكشف أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لتوجيه الرأي العام من قبل «مجهولين» وظفوا العالم الأزرق لصناعة رأي عام له قناعة بان الإسلام في خطر من جانب ومن جانب أخر صرف الأنظار عن قضايا سابقة.

صناعة الرأي العام
مسألة «الهيمنة» في العالم الأزرق، حسمت بدراسات وتقارير أكاديمية انتهت إلى انّ «الفايسبوك» له قدرة هائلة على صناعة الرأي العام وتوجيهه بالإضافة الى التأثير في الحالة النفسية للمستخدمين.
مع الإشارة فايسبوك قام بتجربة بحثية نشر نتائجها مطلع السنة الحالية 2016 اقر فيها انه تدخل في المنشورات المعروضة على عينة من المستخدمين من اجل معرفة كيفية تأثير المنشورات في حالتهم النفسية، وانتهت الدراسة الى ان للمنشورات تأثيرا هاما.
هذه الدراسة التي ولدت موجة من الانتقادات لإدارة الفايسبوك تعيد التأكيد مرة اخرى على ان العالم الأزرق، الذي يضم أكثر من 1.25 مليار مستخدم، بات اكثر من شبكة تواصل اجتماعي لتبادل الأخبار بين الأصدقاء وبات عالما منفصلا بذاته يتحكم في تفاصيل الحياة الطبيعية للمستخدمين.

هذه الحقائق يدركها القائمون على الاشهار والاتصال والتسويق. فهم لاحظوا كما لاحظت ادارة الفايسبوك في الأشهر الثلاثة الاخيرة خصوصا، ان المنشورات الخاصة بالمستخدمين تناقصت، ووفق موقع The Information فإن عدد المنشورات الشخصية أي التي يشارك بها المستخدمون أصدقاءهم شيئا عن حياتهم فقد انخفضت بنحو 21 % عما كانت عليه في 2014. وهو ما فسرته إدارة الفايسبوك بان المستخدمين يعدون نشر منشورات من صفحات في الشبكة أو حسابات أخرى لا تعود لهم. ذات الأمر ينطبق على مستخدمي شبكة الفايسبوك في تونس المقدر عددهم بـ3.6 مليون مستخدم.

هذه الإشارة إلى أن مستخدمي الفايسبوك باتوا يعدون نشر منشورات (نصوص صور فيديوهات وروابط) تصادفهم في صفحة الأحداث، أساسي لشرح كيف أن أكثر من 20 صفحة على شبكة الزرقاء، نجحت خلال الأيام الفارطة في خلق رأي عام وتوجيهه صوب الوجهة التي تريد.

توظيف الجدل
هذه الصفحات 20 تجمع بينها منشوراتها السابقة التي تبين ان القائمين عليها مناصرون لحزبين سياسيين، أما حراك شعب المواطنين او حركة النهضة، وهذا لا يعني ان الحزبين معنيان بالتوجيه. كما لا يعني ان الصفحات الـ20 هي فقط من تولت توجيه الرأي العام.
لكن هذه الصفحات كانت هي المبادرة بفتح ملف المثلية الجنسية، بانطلاقها من ضيف في حصة منوعات على قناة الحوار التونسي تحدث عن مثليته الجنسية. وجعل الأمر بمثابة محاولة من القناة لنشر الانحلال.
هذا الدفع نحو إيجاد «مؤامرة» من القناة بأنها تريد نشر الانحلال واستخدام مصطلحات «علماني» و»نخبة فرانكفونية» وغيرها من العبارات التي انتشرت عبر ذات الصفحات أو صفحات مشابهة لها في فترة الانتخابات سواء أكتوبر 2011 او نوفمبر 2014.
التهديد بالانحلال الاخلاقي ونشره في المجتمع وفق صفحات رفعت لاحقا شعار مساندة تدريس القرآن في المدارس خلال الصيف واعتبار من يعارض هذا «عدو للسلام» يريد نشر الفحشاء في المجتمع التونسي.
وفي اقل من 24 ساعة باتت كلمات مثل «شذوذ»، «جنسي»، «إسلام»، خطر»، «انحلال» «علماني» و»نخبة». هي الأكثر تداولا على صفحات الفايسبوك، كما أن المنشورات المتعلقة بهذه القضية تم إعادة نشرها بمعدل 500 مرة لكل نشرية، في حين تجاوز بعضها عتبة الألف.

هذه الأرقام والمعطيات لا قيمة لها ان لم يقع الإشارة إلى ان الجدل في العالم الأزرق انتقل إلى وسائل الإعلام، والجدل بشأن القضيتين اللاتي وقع ربطهما ببعضهما. ليصبح الجدل وطنيا، فانخرط منتسبون لسلك الأمن، شرطة وحرس وطني، وديوانة. عبروا في نشريات عن رفضهم للمثلية الجنسية.

منشورات بدورها استعملتها الصفحات التي قادت عملية خلق رأي عام موقن بان الإسلام في خطر وان الانحلال بات يهدد كل شي في البلاد. لتحافظ على وتيرة الحملة التي صعدتها لتصبح المطالبة بغلق القناة ومقاطعتها، وهي حملة تقوم على نشر منشور كل ساعة يقع إعادة نشره من قبل بقية الصفحات، سواء بذات المضمون أو مضمون مشابه.

تفاصيل التوظيف
في التفاصيل والأجزاء دائما تختفي الحقائق، والتفاصيل التي يجب أن تستعرض ليقع إدراك أن الجدل كان مفتعلا، هوية الصفحات التي بادرة بإثارت الجدل، صفحات تشتغل بمقابل مادي، ساهمت في وقت سابق في الحملة الانتخابية لأحزاب الترويكا، بعضها يكشف عن ميله لشق المحافظين في حركة النهضة التي تقبل على مؤتمرها العاشر بعد ايام، مناخ اجتماعي مختنق في ظل تصاعد وتيرة التوتر الاجتماعي، (مع الإشارة إلى أن اغلب الصفحات التي قادت الحملة غابت عنها نشريات تتعلق بأحداث الاحتجاجات الاجتماعية).
بعيدا عن نظرية «مؤامرة» التي انخرط فيها البعض، واعتبر ان الأحداث افتعلت من اجل الهاء الرأي العام عن الأزمات الاجتماعية والسياسية، او أنها افتعلت من اجل ترجيح كفة خيار شق في الحركة على حساب الأخر في المؤتمر باعتباره أكثر دفاعا عن الإسلام والمسلمين من الشق المقابل الذي ينظر إليه على انه هادن «المفسدين». هناك ثابت لا يرقى إليه الشك.

لقد بات الفايسبوك أداة خطرة في تحديد الرأي العام وتحديد الأولويات له من قبل صفحات، تشتغل بطريقة التأجير لقصف مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي بوتيرة ثابته تجعل من المستخدم يتأثر، وربما في صور لصاحب تاكسي او محل خدماتي ينخرط في الحملة كثير من الدلالات.

ألان هل تعتقد أن فيسبوك لا يزال شبكة اجتماعية ترتكز على التواصل ما بين المستخدمين وعلى نشر الأخبار بينهم؟ للأسف لا فقد بات الفايسبوك شبكة توظف للتحكم في كل تفاصيل حياتنا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115