فنانون ومثقفون يخوضون غمار الانتخابات البلدية ترشحا واقتراعا: الانتخاب مسؤولية... ومن الخطأ الانسحاب

«إذا كنت شعبا عظيما... فصوّت لنفسك في اللحظة الحاسمة»

كانت هذه وصيّة الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد إلينا حتى نكون أحرارا في الصدح بأصواتنا وتقرير مصائرنا. ومرّة أخرى يكون الشعب أمام محطة فارقة تكون فيها مكاتب الاقتراع هي الحكم والفيصل. وليس الفنانون والمثقفون والمبدعون... سوى جزء من هذا الوطن. فكان من الطبيعي أن يسجلوا حضورهم في هذا الموعد الانتخابي ويدلوا بأصواتهم لتكون صداهم... وقد اختار البعض منهم عدم الاكتفاء بالاقتراع بل خوض غمار الترشح ضمن قائمات مستقلة وأخرى حزبية...
بعد تأجيل تلو تأخير، شهدت تونس يوم أمس أول انتخابات بلدية ما بعد الثورة التونسية. وهو ما يجعلها تتخذ بعدا استثنائيا لأنها انتظمت في مناخ من حرية التعبير بعيدا عن شبهات تحويل الوجهات وجرائم التزوير.

فنانون في قائمات انتخابية
كثيرا ما كانت صور الفنانين والمثقفين على القائمات المترشحة للانتخابات تحظى باستغراب البعض باعتبار أن السياسة «لعبة قذرة» والفن أرقى من التوّرط في هذه الألاعيب... مقابل تأييد البعض الآخر لهذه المبادرات نظرا لأن الفنون هي في وجه من وجوهها التزام وموقف. ولعل أهل الفن والثقافة ممّن يختارون خوض بحر السياسة، يراهنون على شعبيتهم عند الناس ويدافعون من مواقعهم عن رغبتهم في التغيير وخدمة الوطن.

ويبدو أن بعض القائمات المترشحة للانتخابات البلدية 2018 قد سعت إلى استقطاب الأسماء الفنية المعروفة عساها تكون جسرها لكسب أكبر عدد من الأصوات إدراكا منها أن الوجوه السياسية قد احترقت أوراقها وبالتالي لابد من اللعب على أوراق ووجوه جديدة هي أقرب إلى الجماهير العريضة.
ومن بين الفنانين الذين انخرطوا في سياق الترشح للانتخابات البلدية، كان الموسيقي شادي القرفي ممثلا لحزب الجبهة الشعبية في قائمة بلدية أريانة المدينة. ويقدم هذا الفنان نفسه بأنه من مؤسسي مرصد الحريات و السياسات الثقافية
ومؤسسي النقابة التونسية للموسيقى. وقد وعد ضمن حملته الانتخابية بالحرص على تفعيل القطب الثقافي البلدي بأريانة من خلال إحداث الفرقة البلدية للتمثيل والموسيقى والرقص وفنون الفرجة.
وضمــــن قائمة مستقلة تحمل اسم «سكرة مدينتنا» ترشح الفنان شكري بوزيان إلى الانتخابات البلدية تحت شعار «إصلاحية، مصداقية،أفق».
وعلى غرار العاصمة فقد عرفت الجهات إقبال عدد من المثقفين والمبدعين على الترشح للانتخابات البلدية ضمن الالتحاق بقائمات حزبية أو الانخراط في قائمات مستقلة على غرار الباحث المختص في الآثار محمد التليلي الذي يرأس قائمة مستقلة في الكاف تحمل تسمية «المستقلون الأحرار».

فنانون ينتخبون ومن المقاطعة يحذّرون
« انتخبت....لأنني لم ولن أركع... وإن كنت من الخاسرين» هكذا أعلن الفنان فتحي العكاري الإدلاء بصوته في الانتخابات البلدية بمدينة المرسى. وفي تصريح لـ«المغرب» أضاف بالقول: «شاركت في الانتخابات لأقوم بواجبي وأتمتع بحقي في اختيار من يمثلني. وإن كنت لا أتوافق تماما مع من اخترت فقد كان الأقرب إليّ وأهون علي من صعود بعض الأطراف التي تثير قرفي وبالرغم من أني لا أتوقع له ربحا كبيرا فيكفيني شرف الخسارة. ولأننا «لا نرضع إصبعنا» كان علينا غمس هذا الإصبع في الحبر ليكون شاهدا على استحقاق نلناه وأبدا لن نفرط فيه طالما بقي فينا أمل وحلم إلى مسؤول منشود يكون عكس الموجود وديمقراطية مشتهاة تسكن في الأوهام».

ورقة بيضاء خير من المقاطعة
دفع نداء الواجب الفنان الأسعد الجموسي إلى التنقل من العاصمة إلى صفاقس خصيصا ليدلي بصوته في الانتخابات البلدية . وفي هذا السياق صرح لـ «المغرب» بما يلي: «بالرغم من انشغالي بالتصوير ضمن حلقات مسلسل «تاج الحاضرة» إلا أني لم أتخلف عن واجبي الانتخابي وهذا الاستحقاق ضحّت من أجله أجيال متعاقبة. وإن كانت هذه التجربة على درب المسار الديمقراطي تمر بصعوبات ونكسات و رياح عاصفة... فمن الضروري الالتزام الكامل بالشأن الوطني بما في ذلك المشاركة في الانتخابات. وأعتبر أن الاختيار في الانتخابات المحلية والجهوية أسهل بكثير من الانتخابات التشريعية أو الرئاسية نظرا لتعدد الخيارات في الحالة الأولى مقابل صعوبة القرار في الوضعية الثانية التي كثيرا ما تضعنا أمام خيارين أحلاهما مرّ. وحقيقة لا أفهم سبب دعوة البعض إلى مقاطعة الانتخابات التي لا يمكن أن نقبلها إلا في حالة تشابك السبل وعدم توفر مناخ من الشفافية والحرية... ومهما يكن فإن توّجه المواطن إلى مكتب الاقتراع والإدلاء بورقة بيضاء هو في حد ذاته موقف واع وملتزم.

الثقافي محدود في البرامج الانتخابية
من عاصمة الحنّاء قابس، عبّر الكاتب والباحث زهير مبارك عن تحفظه من مشاركة المثقفين والفنانين في الانتخابات البلدية مفيدا بالقول: «انتخبت إنجاحا للمسار الديمقراطي وهذا لا يعني الرضاء عن النخب السياسية وخاصة منها الأحزاب. وبالرجوع للمشاريع التي قدمتها القائمات الانتخابية فيمكن ملاحظة أن جل المشاريع تتسم بالتعميم ولا تستجيب للحاجيات الفعلية للبلدية وخصوصياتها العمرانية والبيئية. لكن يبقى الأخطر أن بعض القائمات تمارس الخديعة والانتهازية حيث تدّعي أنها مستقلة في حين أن العديد من أفرادها منتمون إلى أحزاب سياسية. أما عن المشاريع الثقافية لجل القائمات الانتخابية ففي مجملها قدمت في آخر الاهتمامات فضلا عن كونها تنم عن عدم إلمام بخصائص وواقع الثقافة اليوم وهذا يؤكد الحضور الضعيف جدا للمبدعين في مختلف المجالات في هذه الانتخابات وربما عزوفا أو مقاطعة سواء للمثقف أو غيره وقد تعود إلى فشل الأحزاب حاكمة أو معارضة في تقديم آفاق قابلة للتحقق وإحداث تغييرات جوهرية في حياة الناس».

حيرة المواطن خوفا من الصدمة
لم تتخلف الفنانة القديرة لطيفة القفصي عن أداء واجبها الانتخابي في قفصة معلقة على دخول المبدع والمثقف إلى عالم السياسة بأنه شأن ذاتي وحرية شخصية وإن كانت من جهتها ترفض الانخراط في القائمات الانتخابية وفاء لقناعاتها ومبادئها... وقد كشفت في هذا السياق أنها تلقت اقتراحا لرئاسة قائمة مستقلة في مسقط رأسها بقفصة لكنها رفضت. في المقابل تؤمن سيدة المسرح لطيفة القفصي بقدرة الفنان على التغيير وإفادة محيطه شرط الحرص على خدمة الثقافة من موقعه السياسي.
وعبّرت لطيفة القفصي عن موقفها الرافض لدعوات المقاطعة للانتخابات معتبرة أن من ترك الانتخاب يسقط عنه تباعا حق مطالبة البلدية بالبيئة النظيفة والإنارة والمحيط الذي يطيب فيه العيش.
وفي ختام حديثها أشارت الفنانة لطيفة القفصي إلى حيرة المواطنين أمام القائمات الانتخابية خوفا من صدمة سوء الاختيار والندم على منح الصوت لمن لا يستحقه في قادم الأيام.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115