الحمامات لمعالجة موضوع «مخاطر الإقصاء وتحديات الإدماج» على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بمشاركة ثلة من الأساتذة والجامعيين وممثلين عن الحكومة وأعضاء من مجلس نواب الشعب التونسي إضافة إلى أساتذة جامعيين من الأردن والمغرب ومصر.
تفرعت عن مسألة «الإدماج والإقصاء» معضلات متعددة متعلّقة بها كعلاقة الأفراد بالسلطات وعلاقة أصحاب القرار بالأطراف وتوزيع ثروات البلاد داخل المجتمع وهو ما يحيل بدوره إلى طرح مسألة العدالة الاجتماعية التي سلّط عليها الضّوء خلال الندوة.
وهدفت الندوة كذلك حسب رئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية «أحمد إدريس» إلى إبراز العلاقة الوطيدة بين الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتأكيد على استحالة النظر إلى إحداها على حده بل يشترط في التعاطي مع أحد الأصعدة المذكورة الجمع بينها لأن كل نوع من أنواع الإقصاء ماهو إلا طريقة لتعميق الأنواع الأخرى حسب قوله.
في الميدان الإجتماعي
عالج اليوم الأول من الندوة المحور الأول من البرنامج، وقد تعرّض إلى تحديات الإدماج ومخاطر الإقصاء في الميدان الاجتماعي إذ أفاد أستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية بتونس لسعد العبيدي أنّ الإقصاء يعكس تفكك الروابط الأسرية وغياب المشاركة الاجتماعية وفقدان الشعور بالمواطنة وبالانتماء.
وأضاف العبيدي أن الإقصاء بماهو عملية استبعاد تمسّ من كرامة الإنسان وتتعسّف على حقوقه، لا يأتي دفعة واحدة بل هو نتيجة تراكمات نظرًا إلى أنّ «ما يدفع للإقصاء أكثر ممّا يدفع إلى الإدماج» حسب رأيه.
ونقد العبيدي ما لقّبه ب»مقاربة المساعدة» التي يتبناها الشعب ومن ينوبه في اتخاذ القرار على حدّ سواء وشدّد على ضرورة استبدالها بـ«مقاربة الواجب» لكي يعي الشّعب حقوقه وتتقيّد الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها على حد قوله.
كما عالجت الندوة أيضا مسألة تعثر تجربة الانتقال الديمقراطي في الدول العربية وتنامي الحركات الاحتجاجية إضافة إلى الاحتقان والظلم الاجتماعي مما يؤدي إلى الهجرة غير الشرعية والجريمة والإرهاب.
وفي هذا الخصوص تطرّق رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني إلى فترة ما بعد 14 جانفي 2011 وضرب مثال التحركات الاحتجاجية بالحوض المنجمي في الإرادة الاجتماعية التي لم تأخذها الإدارة السياسية بعين الاعتبار حسب إفادته.
كما أضاف أن البلاد التونسية إزاء أوضاع اجتماعية واقتصادية متأزّمة ولن يكتب النجاح لمطالب الشعب إلا بعودة الأمل للشّباب.
في الميدان الاقتصادي
وعلى الصعيد الاقتصادي مثلت الندوة فرصة للنقاش حول المنوال التنموي والاقتصادي المعتمد في الدول العربية وتقييم نجاعته وعدالته.
وفي هذا الإطار انطلقت النائبة وعضو لجنة التنمية الجهوية بمجلس نواب الشعب عبير العبدلي من التجربة التونسيّة وطريقة إدارة برمجة التنمية لسنوات 2016 إلى غاية 2020 الذي يقوم بالأساس على التشاركيّة وتشريك المناطق الداخليّة في العملية التنموية.
ووصفت العبدلي مخطط التنمية بالمتعطّل بسبب عديد الإشكاليات المعيقة له مثل البيروقراطية ومحدودية الموارد المالية التي تخفض من نسق تنفيذ المشاريع خاصة في المناطق الداخلية وذلك ما يهزّ من ثقة المواطن في السلطة التنفيذية، لذلك أخذت السلطة التشريعية على عاتقها مراقبة هذا المخطط التنموي والمشاريع الموازية له وأداء الحكومة ومجلة الاستثمار والمصادقة على عديد القروض التي تهتم بالإدماج الاقتصادي للفئات الهشة حسب إضافتها.
في الميدان السياسي
كما طرحت الندوة في بعدها السياسي قضايا مختلفة تهم النخب السياسية وحقوق الأقليات الدينية والإثنية وشدّدت على ضرورة إرساء قيم الحوار والتسامح وتجنب سن تشريعات إقصائية.
وفي إطار دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تعزيز دور الفئات المهمشة، تحدّث الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس شفيق صرصار عن التطورات التي طالت المرأة والشباب والمواطنين بالخارج والمعوقين بعد الثورة التونسية واصفا المرأة في فترة ما قبل الثورة بالديكور منتقلًا إلى المكانة الفعّالة التي أصبحت تحتلها الآن بالمرور بما أسماها «بالقفزات المصيرية» التي أصبحت بموجبها حاضرة في كل الميادين وكل المهن على حد قوله.
وانتقل صرصار إلى فئة الشباب الذي أصبح بعد الثورة مدمجا بطريقة مباشرة في العمل الإنتخابي إذ صار يعوّل عليه في مكاتب الاقتراع إضافة إلى فاقدي البصر الذين أصبح بإمكانهم المشاركة في العملية الانتخابية وصولًا إلى ما أسماهم «بالفئات المتضررة من البعد الجغرافي» الذين أصبحوا بدورهم قادرين غلى التصويت والترشح للانتخابات رغم ما يمثله ذلك من تحدّ كبير في تجاوز الحدود السيادية خاصة بالنسبة إلى كندا وألمانيا وفق إفادته.
واختتمت الندوة بتقديم مقترحات تهدف إلى وضع سياسات تتعامل مع مختلف الأسباب والعوامل المؤدية إلى الإقصاء ووضع إستراتيجيات تنموية بديلة تحقق السلم الاجتماعي وتعزز ثقافة المواطنة.