بعد التطورات الاقتصادية والسياسية في البلاد صندوق النقد الدولي يصدر موقفه: «ارتياح حذر» للإصلاحات وتمسك بالدعم المالي والسياسي لتونس

لصندوق النقد الدولي أكثر من طريقة ليعلن بها عن مواقفه وسياساته، منها ما ينشره على موقعه من تقارير و«إجابات»

عن أسئلة راهنة، كما حدث يوم الاثنين الفارط حينما نشر الصندوق تقييمه للأوضاع في تونس في شكل إجابات تضمنت رؤية الصندوق للأوضاع العامة في تونس، وللإصلاحات التي قامت بها الحكومة ودعمه لها، مع إشارات صريحة بان الأوضاع صعبة.
في شكل إجابة عن 14 سؤالا تعلق بتونس وأوضاعها الاقتصادية وموقف الصندوق منها ومدى دعمه لجملة من الإجراءات التي اتخذتها حكومة الشاهد في قانون مالية 2018، الإجابات كانت واضحة تضمنت مواقف صريحة وأرقاما ومؤشرات هامة، استدل بها الصندوق ليثري إجاباته بها.

صعوبات
أولى الإجابات تعلقت بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة وموقف الصندوق منها، وهو الدعم الذي عبر عنه في ثنايا الكلمات، فالصندوق وفي إطار طبيعة عمله «مساعدة بلدانه الأعضاء على تحقيق نمو أعلى وأكثر شمولاً مع إبقاء التضخم وتراكم الدين تحت السيطرة» يدعم ما قامت به الحكومة الحالية. التي جاءت في ظل مرور ديمقراطية تونس الوليدة بفترة صعبة عقبت هجمات إرهابية وتحول سياسي وبيئة خارجية محفوفة بالتحديات.
صعوبة يشرحها الصندوق بضعف النشاط الاقتصادي، ووصول البطالة إلى مستويات مرتفعة مزمنة بلغت 30 % في صفوف الشباب والنساء، وتسارُع معدل التضخم، وتصاعُد الدين العام والخارجي، وتناقُص الاحتياطيات، التي كانت ساعة صدور الموقف تتجاوز 90 يوما من الاستيراد.

التحكم في الانفاق العمومي
رؤية الصندوق عبر عنها بتشديده على انه ولتتمكن تونس من «تحفيز» النمو على الحكومة تعبئة الإيرادات والتحكم في الإنفاق الجاري لتوفر تمويلات للاستثمارات الضرورية والنفقات الاجتماعية، واعتبر الصندوق ان الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتعبئة موارد إضافية « تسفر عن أضرار على المدى القصير، ولكنها ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو».

الصندوق دعم خطط الحكومة لتعبئة الموارد إذ ستساعد على تخفيض العجز والتضخم وتحسين ثقة الأعمال والمستثمرين، واعتبر الصندوق ان ميزانية الحكومة لعام 2018 تتضمن إجراءات طموحة لزيادة الإيرادات الضريبية واحتواء دعم الطاقة والحد من نمو كتلة الأجور في القطاع العام، ولتحقيق هذا يشير الصندوق ان الحكومة مطالبة ببذل جهود لتعزيز تحصيل الضرائب واسترداد المتأخرات الضريبية مع جهودها لتخفيض كتلة الأجور وذلك بالاعتماد على نظم المغادرة الطوعية والتقاعد المبكر للموظفين العموميين بدلا من التسريح الإجباري.

دعم لتونس
الصندوق شدد على انه وفي ظل مجهودات الحكومة سيظل «مشاركا بقوة في المساعدة المالية المقدمة لدعم تونس وشعبها» وسيستمر في تقديم «المشورة» بشأن السياسات والدعم الموجه لتنمية القدرات من أجل مساعدة تونس على تقوية مؤسساتها الاقتصادية ومكافحة الفساد.
من ذلك صرف أقساط القرض المتفق عليه مع تونس، حيث ان تقرير بعثة الصندوق لتونس في ديسمبر 2017، بشان المراجعة الثانية لأداء الاقتصاد التونسي سينظر فيه المجلس التنفيذي خلال الأسابيع القليلة القادمة ويتوقع ان يقع صرف القسط القادم لتبلغ قيمة الأقساط الممنوحة لتونس 1 مليار دولار من أصل 2.9 مليار دولار.
ارتياح الصندوق عبر عنه مع الإشادة بما حققته الحكومة «من تقدم كبير على مدار الشهور الأخيرة، بالتعاون الوثيق مع فريق الصندوق» فمن انجازات الحكومة «قانون مالية 2018» وإستراتيجية الإصلاح المعلن عنها في الوظيفة العمومية في انتظار الشروع في إصلاحات هيكلية أخرى «تركز على تحسين الحوكمة ومناخ الأعمال، وإعادة هيكلة البنوك العامة

وتحسين الرقابة على القطاع المالي، وسلامة أوضاع المعاشات التقاعدية والمؤسسات المملوكة للدولة».

تقييم الصندوق لم يغب عنه الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة، ليشير إلى انه لم يوص برفع الضرائب أو اتخاذ إجراءات تضر بالفئات الضعيفة، بل انه اتفق مع الحكومة على عدم الرفع في أسعار المواد الأساسية وعلى أن تنتهج سياسة تجنب الطبقات الضعيفة تحمل «الإجـــراءات الصعبة» فالصندوق يقر بان الأوضاع الاقتصادية حرجة في تونس بسبب النمو المنخفض واستمرار التوترات الاجتماعية/السياسية.
حيث يعتبر الصندوق ان الحماية الاجتماعية حجر زاوية في برنامج الإصلاح الحكومي الذي يتضمن وفق الصندوق «حماية بعض النفقات من التأثر بجهود الإصلاح»، مثل دعم الأسر محدودة الدخل والإنفاق على الصحة والتعليم.

«توصيات» للإصلاح
توصيات الصندوق أو النقاط التي يشير في إجاباته على انه اتفق فيها مع الحكومة التونسية، على جملة من الإجراءات في وجه ضعف أداء تونس في مجال استقلالية القضاء والفساد، كما يدعم الصندوق إنشاء الهيئة العليا للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.

ولا تتوقف التوصيات عند هذا الحد، بل المح الصندوق في إجابته الى انه يتفق مع الحكومة على ان «القطاع الخاص هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تخلق الوظائف» لذلك يشجع على الإجراءات الرامية إلى تشجيع مناخ أعمال تنافسي ومن أمثلة ذلك قانون الاستثمار الجديد، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون المنافسة، وقانون البنوك.
وقال الصندوق انه يعمل بالتعاون الوثيق مع السلطات التونسية لتعجيل تطبيق التشريع الجديد لتجاوز الوضع الصعب، وذلك عبر الاعتماد على القطاع الخاص كقاطرة أساسية للنمو مع التشديد على ان القطاع العام لا يمكنه خلق الوظائف بشكل مباشر، وخاصة بالنظر إلى ارتفاع مستويات العجز والمديونية.

بالتالي، يعتبر ان الحكومة التونسية عليها ان تركز جهودها على تحسين بيئة الأعمال للشركات الخاصة، وذلك باتخاذ إجراءات منها اعتماد قانون الاستثمار وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك إعادة هيكلة البنوك العامة لزيادة فرص الحصول على التمويل.
توصيات يبدو أنها ستؤدي بالحكومة الى التصادم مع اتحاد الشغل ان وقع تطبيقها، فالاتحاد أعلن مرارا انه يرفض تطبيق قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص في شكله الحالي كما لا يبدي تحمسا لمراجعة البنوك العمومية وفرضية التفويت فيها.

الاتحاد من إنقاذ حكومة الشاهد في أزماتها الأخيرة هو من سيرفع شعارات «الإطاحة» بها ان نفذت الحكومة ما اتفقت عليه مع الصندوق، من جانب اخر صندوق النقد الدولي وان لايزال يدعم الحكومة فانه على ضوء اتفاقات معها، وتعهدات منها بتنفيذها ولا يبدو انه قد يحافظ على الدعم ان تخلفت الحكومة عن تطبيق الاتفاقات او تأجيل تطبيقها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115