خاص: الباروميتر السياسي لشهر ديسمبر 2017 تقييم التونسيين لأوضاعهم الشخصية والعامة: الحكومة نجحت في مقاومة الإرهاب وإرساء الأمن وفشلت في البقية

66٫4 ٪ الوضع المالي الشخصي أسوأ هذه السنة مقارنة بالعام الفارط


55٫5 ٪ وضع أبنائنا سيكون أسوأ من وضعنا الحالي
77٫4 ٪ الوضع الأمني جيّد
77٫1 ٪ الوضع الاجتماعي سيىء
89٫3 ٪ الوضع الاقتصادي سيىء

قراءة وتحليل زياد كريشان

في هذا الجزء الثاني من الباروميتر السياسي لشهر ديسمبر 2017 الذي تنجزه مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع «المغرب» سنسعى للتعرف على تقييم التونسي لوضعه المالي الشخصي وللوضع العام كذلك وما هي أولويات العمل الحكومي بالنسبة إليه وكيف ينظر الى المستقبل ومدى ثقته في مؤسسات وهياكل بلاده.

رأينا يوم أمس في الجزء الأول من هذا الباروميتر السياسي لشهر ديسمبر 2017 أن منسوب التشاؤم مرتفع جدا وأنه يناهز حوالي أربعة أخماس المستجوبين... ونجد الترجمان الأفضل لهذا الاحساس عندما نسأل التونسي أن يقيم مقارنة بين وضعه المالي لهذه السنة و السنة الفارطة فنجد أن الثلثين (66٫4 ٪) يرونها أسوأ في حين لا يراها أفضل سوى (11٫3 ٪) فقط ويعتبر خمس المستجوبين (22٫2 ٪) أن الوضع بقي على ما هو عليه.

وعندما ندقق النظر نجد أن أكثر من الثلث (36 ٪) يعتبرون أن وضعهم المالي أسوأ بكثير هذه السنة بينما لا يشعر بتحسن كبير في وضعهم المالي إلا (2٫8 ٪) فقط، ويعبّر هذا الرقم لوحده عن حالة الضيق التي يشعر بها عموم التونسيين...

ولكن ما ينبغي الوقوف عنده كذلك هو بقاء شيء من التفاؤل بالنسبة للمستقبل القريب اذ يعتقد (39 ٪) من التونسيين أن وضع أسرتهم المالي سيتحسن في السنة القادمة مقابل نفس النسبة التي ترى أن وضعها المالي سيزداد سوءا، ولكن تتراجع نبرة التفاؤل هذه عندما يٌسأل التونسيون عن تصورهم لمستقبل أبنائهم، فهو سيئ بالنسبة لغالبية واضحة (55٫5 ٪) مقابل (41٫8 ٪) وهذا يعني أن التونسي يعتقد أن تحسن الوضع الشخصي والعائلي ممكن في المدى القصير (سنة واحدة) ولكنه سيصبح أعسر بكثير بالنسبة للأجيال القادمة...

• الوضع الأمني جيد .. أما الوضع الاقتصادي والاجتماعي فسيئ للغاية
اذا ما استثنينا الفترات الأولى التي عقبت الثورة التونسية والتي تميّزت بما كنّا نسميه بالانفلات الأمني، يعتقد جلّ التونسيين أن الوضع الأمني للبلاد جيّد وقد بلغت هذه النسبة في ديسمبر 2017 (77٫4 ٪) بتحسن بثلاث نقاط في شهر واحد.. ولكن يبقى التونسي حذرا فالوضع الأمني جيد جدا بالنسبة لـ (29٫6 ٪) فقط فهو لا ينسى أن البلاد تبقى دوما مهددة بعملية ارهابية وأن تحسن الوضع الأمني العام والذي لا سجال فيه تبقى فيه بعض الهشاشات كذلك.

في المقابل غالبية التونسيين ترى أن الوضع الاجتماعي سيئ (77٫1 ٪) أما الوضع الاقتصادي فهنالك شبه اجماع على رداءته (89٫3 ٪).

ولئن كان حكم التونسي حذرا الى حدّ ما في تقييمه لايجابية الوضع الأمني إلا أنه أكثر حدة في حكمه على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي..

(40٫1 ٪) من التونسيين يعتبرون الوضع الاجتماعي سيئا جدا مقابل (2٫3 ٪) فقط من الذين يقدرون بأنه جيد جدا وعندما يتعلق الأمر بالاقتصاد يكون الحكم السلبي للغاية قاسما مشتركا لثلثي التونسيين (61 ٪) مقابل (1٫4 ٪) يقولون بأن الوضع الاقتصادي جيد جدا...
وكما أسلفنا في البداية فهذا الحكم يكاد يكون قارا عند التونسيين على امتداد هذه السنوات الأخيرة

• ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل السياسية
هنالك ثوابت ومتغيّرات في ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل السياسية والادارية في البلاد.

تتعلق الثوابت أساسا بطرفي النقيض في هذا الترتيب، فالجيش والأمن يحتلان دوما الصدارة بمنسوب ثقة مرتفع للثاني (85 ٪) وبثقة كبيرة شبه اجماعية للأول (98 ٪ من الثقة منها 85٫7 ٪ من الثقة الكبيرة).

في المقابل تحتل الأحزاب السياسية، دوما مؤخرة الترتيب بمنسوب ثقة اجمالي بـ (21 ٪) منها (2٫1 ٪) فقط من الثقة الكبيرة... وكالعادة يتقدم النواب قليلا عن الأحزاب بثقة لا تتجاوز الثلث (32 ٪) منها (7٫7 ٪) فقط من الثقة الكبيرة...

تطرح هذه الثوابت أكثر من سؤال على ديمقراطية ناشئة اذ الأصل أن ترتبط المؤسستان الأمنية والعسكرية بالسلطة وبأدواتها «القمعية» بينما تكون الأحزاب وخاصة نواب الشعب ممثلي الارادة الجماعية، ورغم ذلك فالتونسي لا يثق في أحد أهم مكونات المنظومة الديمقراطية بينما تكون ثقته كبيرة وحتى إجتماعية في المؤسستين المناط بعهدتهما ضبط الأمن والنظام العام...

من الثوابت أيضا الثقة المتواضعة في الادارة والنقابات... أما المتغيرات التي نلاحظها منذ بضعة أشهر فهي الثقة الهامة في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (68 ٪) مع منسوب ثقة كبيرة لا يستهان به (30٫1 ٪) بما يجعل منها المؤسسة الثالثة في سلم الثقة عند التونسيين على عكس هيئة الحقيقة والكرامة الموجودة في مرتبة متأخرة بثقة اجمالية سلبية (47 ٪ من الثقة مقابل 51 ٪ من انعدامها) ولكن اللافت للنظر هو أن منسوب الثقة الكبيرة في هذه الهيئة مرتفع الى حدّ ما (19٫2 ٪) فهيئة الحقيقة والكرامة تحتل المرتبة 11 من أصل 13 هيئة ومؤسسة في منسوب الثقة الاجمالي (ثقة كبيرة + ثقة نسبية) أما لو احتسبنا فقط الثقة الكبيرة فسنجد هذه الهيئة في المرتبة السادسة بما يؤشر على معطى هام وهو انقسام الرأي العام حولها لاعتبارات ايديولوجية.

أما بقية الهيئات والمؤسسات ( المجتمع المدني والحكومة ورجال الدين والاعلام ورئاسة الجمهورية) فمنسوب الثقة فيها اجمالا ايجابي لكن الثقة الكبيرة في الأغلب الأعمّ لا تتجاوز الخمس (الأدنى لرجال الدين بـ 16 ٪ والأقصى لرئاسة الجمهورية بـ 20٫4 ٪).

• نجاحات الحكومة واخفاقاتها
يعتبر أغلب التونسيين أن الحكومة قد نجحت في مكافحة الإرهاب (84 ٪) وفي ارساء الأمن (83 ٪) ولكن بمنسوب ثقة كبير في حدود الثلث فقط (36٫1 ٪ لمكافحة الإرهاب و 30٫9 ٪ لارساء الأمن).

ولكن في المجالات التسعة التي نستجوب حولها العينة لا وجود لنجاح حكومي آخر بل الفشل هو السمة الطاغية في التقييم بدءا من تحسين قطاع الصحة (70 ٪) وصولا الى تحسين ظروف العيش والحدّ من غلاء المعيشة (93 ٪) مرورا بالتشغيل والحدّ من البطالة (84 ٪).

يريد التونسي أن يقول من خلال هذه الأرقام أن لا شيء قد تحسن في محيطه الشخصي وفي ما يتمثله من المحيط العام باستثناء الوضع الأمني في مفهومه العام وهذا ما يوفر الارتفاع الكبير لمنسوب التشاؤم عنده والذي أتينا عليه يوم أمس.

• هذه أولويات الحكومة حسب التونسيين
نقترح على العينة المستجوبة 10 أولويات للحكومة (مكافحة الفساد وتحسين ظروف العيش ومكافحة الإرهاب والحدّ من البطالة وإصلاح التعليم وتحسين الاقتصاد وارساء الأمن والتنمية الجهوية وتحسين البنية التحتية وتحسين القطاع الصحي) ونطلب منه أن يقدم لنا أولوية واحدة فقط لا غير ... وبالطبع عندما يقول التونسي بأن أولويته هي مكافحة الإرهاب فهذا لا يعني أنه لا يعتبر أن الحدّ من البطالة أولوية مهمة أيضا ولكن الأهم بالنسبة إليه عندما يٌطلب منه الاختيار هو مكافحة الإرهاب...

بهذه الطريقة نتعرف على جزء هام من مشاغل الناس وبالامكان أن نتحدث أيضا عن سوسولوجيا أولويات الحكومة بالنظر للانتماء الجندري والجيلي والجهوي والاجتماعي والمعرفي للمستجوبين.

للشهر الثالث على التوالي تأتي أولوية مكافحة الفساد المالي والاداري بنسبة (17٫8 ٪) بعد أن عرفت رقمها القياسي في جوان الماضي بـ (28٫6 ٪).. ولكن من المهم أن نعلم أن هذه الأولوية لم تمثل إلا (7٫9 ٪) في سبتمبر 2016 ... وهذا الارتفاع يعود بالأساس الى عنصرين اثنين: العمل التحسيسي الكبير الذي قامت به الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ثم الحملة التي شنتها الحكومة على بعض بارونات التهريب والفساد منذ ماي الماضي.

أما الأولوية الثانية فهي تحسين ظروف العيش والحدّ من غلاء المعيشة بـ (16٫1 ٪) فمكافحة الإرهاب بـ (14٫2 ٪).

• عناصر سوسيولوجية في أولويات التونسي
الأرقام التي سنقدمها تعبّر عن اتجاهات عامة وينبغي فهمها في هذا السياق.

على المستوى الجهوي مكافحة الفساد هي أولوية الأولويات في صفاقس (25٫9 ٪) والجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) بـ (24٫1 ٪) كما تحتل هذه الأولوية المرتبة الأولى في تونس الكبرى والشمال الغربي أيضا...

الطريف على المستوى الجهوي هو التعامل مع أولوية اصلاح التعليم التي تمثل الأولوية الخامسة على المستوى الوطني بـ (10٫9 ٪) أما في الجنوب الغربي فهي الثانية بـ (20٫3 ٪) وهي أيضا الثانية في الجنوب الشرقي بـ (16٫3 ٪) وكذلك في الوسط الشرقي بـ (16٫3 ٪).

ويبدو أن الرجال أكثر حساسية لمسألة مكافحة الفساد من النساء (19٫8 ٪ مقابل 15٫3 ٪) أما على المستوى الاجتماعي فهي الأولوية بامتياز بالنسبة للطبقة الوسطى العليا (23٫1 ٪) مقابل تراجعها الى (12٫3 ٪) في الطبقة الشعبية...

على عكس ما يعتقد لا تمثل أولوية مكافحة الفساد عند الشباب (25-18 سنة) إلا (13٫3 ٪) بينما تصل هذه النسبة عند صغار الكهول (40-36 سنة) الى (24٫8 ٪) في حين نجد أن الكهول (50-41 سنة) وإن وضعوا مقاومة الفساد في المرتبة الأولى إلا أنهم يضعون اصلاح التعليم مباشرة بعدها، وهم الأولياء المكتوون بنوعية التعليم العمومي اليوم في بلادنا...

ومرة أخرى تأتي مقاومة الفساد كأولوية الأولويات عند أصحاب التعليم العالي (22٫6 ٪) بينما تنزل هذه النسبة الى (11٫5 ٪) عند أصحاب المستوى الابتدائي مقابل صعود كبير لأولوية مكافحة الإرهاب بـ (23٫8 ٪)...

هذه صورة عن تونس اليوم كما يبينها الباروميتر السياسي لشهر ديسمبر الحالي، وهي صورة تعكس هشاشات الواقع وانتظارات المواطنين ومدى عدم رضاهم عن جلّ السياسات العمومية المتبعة، لا في جوهرها، بل في نتائجها على حياتهم اليومية ومحيطهم المباشر وما يتمثلونه كوضع عام في البلاد...

صورة حري بالسياسيين، حاكمين ومعارضين، أن يتدبروها جيّدا عساهم يجسروا الثقة بينهم وبين الناس ويدركوا (الكلام موجه لبعضهم) بأن مشاكل تونس لم تعد تحتمل صراع الكراسي والمواقع، بل صراع الأفكار والمشاريع من أجل تغيير ملموس لمحيط حياة التونسيين.

الجذاذة التقنية للدراسة

العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي
مكونة من 993 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية،الولاية الوسط الحضري أو الريفي .
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %3
تاريخ الدراسة : 1 ديسمبر 2017 الى 8 ديسمبر 2017

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115