ليبقى الأمر محدودا في تعليقات تغافلت عن جوهر الأمر، وهو أن هذا النقد سيحدد كيف سيحسم الجدل صلب
الحزبين ويتخذ قرار المغادرة أم أن التيارين الرافضين لترك الحكومة ستكون لهما الغلبة.
أفرج المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي عما كان يردد في كواليس حركته وحليفها الأساسي النهضة، بشأن رؤيتهم لحزب آفاق تونس الذي كال له نقدا لاذعا، منطلقا من انه حزب يعيش «حالة الازدواجية والتناقض وعدم الانسجام” بسبب انتقاد آفاق لحركته وحركة النهضة رغم وجوده في الائتلاف الحاكم منذ 2015 بتمثيلية تتجاوز “حقيقة حجمه”.
نقد اختار قائد السبسي الابن أن يوجه عبر الإعلام وذلك في حوار له مع “الشروق” نشر يوم أمس لم يقتصر فيه على مهاجمة حزب آفاق تونس، بل امتد ليوجه نقدا احد إلى حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي ويعتبره “ناد للمتقاعدين” ولا يمتلك الشجاعة لمغادرة حكومة الوحدة الوطنية.
نقد وجهه المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي هدفه الصريح إعادة فرض واقع جديد في المشهد أمام شركاء حزبه في الحكومة، أي إعلان “الغضب” والتصعيد واعتماد خطاب الاوزان الانتخابية والحزبية بهدف ابراز “قوة حزبه” وعلويته في الشراكة مع الحزبين. تصعيد سبق ان مارسه النداء مع الحزب الجمهوري، وانتهى الى الضغط على ممثل الجمهوري في الحكومة ليستقيل من حزبه وهو ما تم واخرج الجمهوري من الحكومة.
هذا الاستهداف قابله “حذر” في الرد من قبل الحزبين، فالتعليقات لم تتطرق الى المعنى السياسي لانتقادات المدير التنفيذي واهتمت بالأساس بالرد على “مصطلحات” دون غيرها، فأفاق تونس الذي برز موقفه مختلفا في تعليقين لقياديين به، كريم الهلالي عضو مجلس النواب، والمهدي الرباعي عضو المكتب السياسي.
“ليست لنا أية إشكاليات مع النداء.. نحن ننتقد التقارب الاستراتيجي بينه وبين النهضة” هكذا علق الهلالي الذي بحث عن تهدئة الامور الى حين اتضاح موقف حزبه الرسمي من الانتقادات العلنية له ومن “تقزيمه” سياسيا.
في المقابل تشتد حدّة خطاب عضو المكتب السياسي المهدي الرباعي الذي اعتبر ان ما يقوله المدير التنفيذي لا قيمة له ليقع الرد عليه سياسيا، بل الرد يكون بتذكيره “ان افاق تونس ليس حزبا نكرة او حزبا ورثه قادته عن آبائهم، فهم من أسسوا الحزب ومن حقهم اختيار سياستهم وما يقولون”.. ولا يقف الرد عند هذا الحد بل يعتبر الرباعي ان ما قاله حافظ هو “تكرار لخطاب النهضة ضدهم”.
يستمر الهجوم المضاد من قبل القيادي ليعتبر ان مسألة بقائهم في الحكومة او خروجهم منها هم من يحددوها وليس حافظ قائد السبسي ولا خطابه ضدهم، الذي اعتبره خطابا بعيدا عن “الرصانة والعقلانية”. عند هذا الحد ينتهى النقد ويشير القيادي الى ان حزبه لن يصدر موقفا سياسيا تعليقا على مضمون هجوم المدير التنفيذي للنداء عليهم.
القياديان بآفاق تونس في نقدهما اللاذع او الباحث عن التهدئة حرصا على عدم تقديم موقف سياسي بشأن بقائهم في الحكم او تقييم المراد من خطاب حافظ قائد السبسي الى حين دراسة الأمر في هياكل الحزب وتبني موقف رسمي محدد، لم يصدر إلى حين كتابة المقال، رغم قسوة الهجوم ومعانيه.
الأمر ذاته يتكرر مع حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي فالقيادي به جنيدي عبد الجواد الذي شمله “هجوم” المدير التنفيذي للنداء، يتجنب تقديم أي موقف سياسي يورط حزبه الى حين انتهاء اشغال لجنته المركزية اليوم وغدا.
هذه اللجنة التي ستنعقد في ظل قناعة القيادي بان الحزب يتعرض لهجوم بسبب وقوفه مساندا للشاهد في حربه على الفساد حينما عمدت حركتا نداء تونس والنهضة الى محاصرته اثر إعلانه الحرب على الفساد، موقف اعتبر الجنيدي ان النداء وخاصة مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي لم يستسغه لانه يحول دون خطة إسقاط الحكومة حينها بعد ان باتت تهدد الحزبين وقادتهم.
رغم اقتناع الجنيدي ان الاستفزاز الذي يستهدفهم هو محاولة “لدفعهم الى الخروج من الحكومة” فانه يشدد على ان هذا لن يحدده النداء ولا مديره التنفيذي انما الحزب عبر هياكله التي لن تتأثر قراراتها بمضمون الهجوم بل بتقييم مشاركة الحزب في الحكومة وفق المبادئ التي دفعتهم للدخول.
صمت الحزبين عن تفسير صريح لمضمون الهجوم عليهما من قبل المدير التنفيذي للنداء- الذي لا يعبر فقط عما يختمر في ذهنه وحده وإنما ما يتشارك فيه مع حليفه النهضة- له سبب وحيد يفسر الحذر في التعاطي مع الأمر بشكل يتجاوز الرد على النقد بالنقد، فالحزبان منقسمان الى تيارين، الأول يدافع عن خيار الخروج من الحكومة استباقا لعملية اخراجهم
وأيضا إحراج الحركتين، النهضة والنداء ودفعهما إلى التسريع في إعلان تحالفهما الرسمي في إطار”الترويكا الجديدة”، التي تضم الوطني الحر، بشكل صريح وتشكيل حكومة حزبية .
لكن هذا الفريق يقابله آخر، يتمتع بثقل اكبر، يرى ان البقاء في الحكومة امر ضروري لعدة اعتبارات، بعضها مبدئي يتعلق بان الخروج من الحكومة سيسرع في سقوطها وبذلك يتحمل الحزبان المسؤولية أمام الرأي العام.
لكن ليس هذا فقط السبب الدافع لرفض الخروج من الحكومة، إنما هو رفض التخلي عن المشاركة وان كانت نسبية في الحكم في هذا الوقت فالحزبان ان غادرا الحكم اليوم لن يحققا اي مكسب بل سيكونان قد فقدا الكثير في الساحة، وخاصة سيفقد ممثلوهم في الحكومة هذه المكاسب.
هذا الانقسام الداخلي صلب الحزبين هو ما راهن عليه القيادي في النداء حافظ قائد السبسي واعتبره ورقته الكاسبة، فهو يدرك ان الهجوم قد يجبر الحزبين على احد الخيارين المرين، اما التراجع عن استهداف حزبه والرضوخ له، او التوجه لمغادرة الحكم والمخاطرة بانقسامات داخلية او فقدان كوادر الحزبين في الحكومة، وخاصة بالنسبة للمسار الديمقراطي الاجتماعي.
مراهنة قائد السبسي يدركها الحزبان وهذا ما يؤخر ردهم الرسمي على هجومه وصياغة ذلك بمضمون سياسي صريح يحدد أين سيتجه الحزبان.