منذ أكثر من شهرين، كان ملف تجديد الثلث الثاني لأعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محل جدل وتجاذبات كبرى صلب الهيئة، التي تمسك أعضاؤها بمضمون استشارة المحكمة الإدارية القائل بانتخاب رئيس الهيئة والمرور إلى إجراء قرعة التجديد.
لكن انتخاب الرئيس الجديد للهيئة لم يكن كافيا في الأول لإجراء هذه القرعة بسبب خلافات داخلية برزت إلى السطح وأعلنت عن بداية الصدام بين الرئيس محمد التليلي المنصري وبقية أعضاء مكتب الهيئة الذين سارعوا بمن فيهم، من سحب اسمه في قرعة التجديد، الى التكتل ضده.
تكتل عبر عنه بقرارات عدة، قبل أن يجد الجميع أنفسهم يوم أمس أمام إلزامية إجراء القرعة التي شملت 6 أعضاء من أصل 9، الثلاثة المتبقون من التركيبة الأولى وهم أنور بن حسن ونبيل بفون ورياض بوحوش والثلاثي الوافد الجديد على الهيئة في إطار سد الشغور وهم نجلاء براهم وفاروق بوعسكر وأنيس الجربوعي.
قرعة تمت صباح أمس بمقر الهيئة بحضور وفد يمثل مجلس نواب الشعب ترأسه الحبيب خضر بصفته مساعد رئيس مجلس نواب الشعب المكلف بالعلاقات مع السلطة القضائية والهيئات الدستورية ، لتفضي القرعة إلى سحب أسماء كل من رياض بوحوش وأنور بن حسين، من التركيبة الأولى، ونجلاء براهم من الوافدين في إطار سد الشغور.
هذا الثلاثي ينص قانون الهيئة على أن يستمروا في مهامهم إلى حين انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب من يعوضهم - في إطار مسار انتخابي مركب قد يستغرق وقتا على غرار التجديد الفارط – سيكون لهم دور في تحديد وجهة الهيئة في الايام القادمة، كبقية أعضائها. فالثلاثي كان من بين مجموعة الأعضاء الذين تصادموا خلال الأيام الفارطة مع رئيس الهيئة في إطار صراع تحديد الصلاحيات بين مكتب مجلس الهيئة والرئيس الجديد.
مكتب تجاهل الدعوة الصادرة عن الرئيس وتعمد عدم المشاركة في عملية القرعة، التي تمسك الرئيس المنصري بأنها قانونية، مؤكدا أن الهيئة وفي اجتماعها اليوم ستتجاوز الخلافات، لكن هذا يقابله عقد أعضاء الهيئة أمس للقاء بينهم، لم يتضح بعد ما صدر عنه او الهدف منه. لكن يرجح انه جاء كرد على جلسة القرعة.
صراع الصلاحيات بين الأعضاء والرئيس هو الأزمة الجديدة في الهيئة التي قد تجد نفسها أمام وضعية غير مريحة لإدارة الاستحقاق الانتخابي، لكن مؤشرات التجاوز تتضح من خلال خطابات عدد من أعضاء مكتب المجلس وإشارتهم الى «فتح اليد» والاستعداد للحوار والنقاش. لكن هذه المؤشرات تظل غير كافية ما لم تقترن بتغيير في إدارة النقاشات صلب مكتب الهيئة لمنع تكرار سيناريو استقالة الرئيس، كما حدث مع شفيق صرصار، الرئيس السابق. او ان يتخذ الصراع بين الرئيس والأعضاء شكلا جديدا ويصبح مادة إعلامية.
هذا السيناريو إن تم فهو سينسف ما تبقى من مصداقية الهيئة ويهدد بقية مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وهو اشد خطرا من سيناريو تعثر عملية التعويض، التي قد تتجاوز السنة، نظرا لتشعبات عدة منها تشكيل لجنة وفتح باب الترشحات والفرز على مرحلتين وفترة الطعون والنظر فيها.