مغادرة الحكومة أو دفع للمغادرة.
مع تركيب كل قطعة جديدة في «البازل/puzzle» تقترب الصورة من الاكتمال لتكشف عما تخفيه، وفي المشهد السياسي الذي بات كما قطع «البازل» يجب ان تركب سويا لتقدم الصورة العامة، واليوم اقترب بشكل جلي اكتمال الصورة قبل سنتين من استحقاقات 2019 بالنسبة للأحزاب وخاصة تلك التي وضعت بيضها في سلة «اتفاق قرطاج».
6 أحزاب ذيل قادتها وثيقة قرطاج بامضاءاتهم منذ أكثر من سنة، باتت اليوم منقسمة على نفسها إلى فريقين، أولهما كان ثنائيا يضم حركتي النهضة والنداء قبل ان يقنع «شيخ» النهضة حليفهما السابق سليم الرياحي بالعودة إلى المحور والتحالف معهما رغم إقدام الأخير على تمزيق وثيقة قرطاج وإعلانه العصيان.عودة الرياحي وحزبه الوطني الحر سبقها خروج الحزب الجمهوري من الحكومة، او إخراجه منها بالأصح عبر دفع ممثله فيها إلى الاستقالة من الحزب اثر تصاعد حدة الخلافات بين النداء والجمهوري.
هذه العودة سرعت في ظهور الفريق الثاني، الذي يضم بشكل أساسي حزب آفاق تونس، والمسار الاجتماعي والمبادرة إضافة لكل من حركة مشروع تونس والجمهوري، وان كان الأخيران غير ممثلين اليوم في الحكومة بشكل مباشر. هذه الأحزاب ونتيجة للفرز الذي تمّ وجدت نفسها في مركب واحد، يناهض «الترويكا الجديدة»، رغم ان الثلاثي ترك المجال مفتوحا لالتحاق البقية به.
إجبار يقره محمد الصافي الجلالي بشكل غير صريح في لـ«المغرب» قال فيه ان حزب المبادرة ضد سياسة المحاور وان البيانين الصادرين عنه بالشراكة مع أحزاب أخرى من بينها أحزاب وثيقة قرطاج ليس إلا تنديدا بما يعتبره محاولة – إقصائهم من قبل الثلاثي .
القيادي بالمبادرة يشدد على ان حزبه لا يرغب في ان يصطف ضد أي طرف وانه يأمل في ان تحل الأمور بالحوار فحزبه لا يزال متمسكا بدعم الحكومة ومواصلا على منهج الحوار مع كل الأطراف دون استثناء في إطار الحفاظ على مصالح البلاد العليا.
تجنب الجلالي تقديم حزبه على انه مصطف في محور ضد محور، مع التشديد على انهم طرف في الحكومة وسيظلون كذلك، لا يخفي حقيقة الصورة الجديدة في المشهد والتي يدركها حزبه، وأبرزها ان الثلاثي، النهضة، النداء، الحر، قد شكلا بشكل غير رسمي ولا معلن «محورا» يراد به مواجهة محور أخر، يتكون أساسا من أفاق تونس والمشروع، الثنائي الذي تقاطعت مواقفه الناقدة لحركتي النهضة والنداء، في الفترة الأخيرة واللذين كانا العقل المدبر للجبهة البرلمانية الجديدة.
هذا الفريق الثاني الذي يشارك ثلاثة منه بشكل صريح في الحكومة، آفاق والمسار والمبادرة، تختلف تقييماتهم للمشهد وان تقاربت اليوم مواقعهم ومواقفهم، باعتبارهم مبعدين عن محور الحركتين، فآفاق تونس الذي اختار منذ فترة ليست بالبعيدة ان يتبنى خطابا مغايرا لشريكيه الكبيرين في الحكم بل وهدد في أكثر من مناسبة بإمكانية خروجه من الحكومة.
تهديد يعتبره الحزب قائما لم تزل أسبابه خاصة اليوم في ظل إعادة تشكل قاعدة الحكم، لكنه يفضل أن يتمهل أكثر في تحديد قراره، مع العمل على تجميع الغاضبين في جبهة او محور يراد له أن يكون مؤثرا.
ذات الرأي يتجه إليه المسار الذي اختار منذ البداية أن يكون اقرب للجمهوري وبقية الفريق الثاني منه إلى النداء والنهضة، وعبرت مواقفه عن ذلك من قانون المصالحة وصولا إلى البيان الصادر عن الأحزاب الإحدى عشر ضد عودة الحر إلى أرضية اتفاق قرطاج في ظل ملاحقة رئيسه من قبل القضاء في تهم فساد.
قطع البازل الحالية تقدم المشهد على انه منقسم الى فريقين أساسيين، الأول حسم أمره واعد ما يلزم للذهاب في خياراته، وهو «الترويكا الجديدة» فيما لايزال المحور الثاني، قيد التشكل، في ظل هواجس واعتبارات سياسية للبعض، كحزب المبادرة الذي يرى نفسه اقرب للمحور الأول ولكنه ابعد، فيما يقف المسار وآفاق تونس في منتصف الطريق بين خيارين، البقاء او المغادرة، وكل منهما يبحث في خياره الأمثل، مع هيمنة فكرة إخراجهم من الحكم، كما تم مع الجمهوري.
ماذا سيقرر قادة الأحزاب وهياكلها بشأن بقائهم في الحكومة، وما ردهم على اتساع نسق التقارب بين الثلاثي وظهور بوادر حلف؟ هذا هو السؤال الذي تكمل الإجابة عنه قطع البازل وتتضح معها الصورة بشكل جلي.