لعدد من الفاعلين في الشأن العام اما يعلن ايمانه بان تونس تعيش على وقع مؤامرات داخلية وخارجية، او يستبطن ذلك ويعتبر انه ضحية مؤامرة، وهنا يلتقي الجميع من اقصى اليمين الى اقصى اليسار.
ينتهى اليوم اسبوع المؤامرات والأجندات الخارجية الخفية، فطوال سبعة ايام كانت عبارات من قبيل «حملة» و«استهداف» و«مؤامرة» و«الهيمنة» تتناقل من فم سياسي الى اخر من مختلف المشارب الفكرية والحزبية.
فالتحقيق الاستقصائي «وثائق بنما» الذي استهل نشره بداية الاسبوع المنقضي، رافقه احياء جديد لنظرية المؤامرة الداخلية والخارجية. يسهل استعراضها تباعا، فهي قد انطلقت من اعتبار المخابرات الامريكية هي من يقف خلف التحقيق الاستقصائي، الذي شارك فيه 370 صحفيا من 80 بلدا يعملون في 106 وسائل اعلام.
الذهاب الى ان الوثائق سربتها الولايات المتحدة الامريكية لاتحاد الصحفيين الاستقصائيين الدولي من اجل استهداف الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، انتقل الى تونس خصوصا وان موقع «انكيفادا» الشريك التونسي في التحقيق الدولي، تعرّض لقرصنة بعد نشره لتقرير يقول فيه ان محسن مرزوق المنسق العام لحركة مشروع تونس راسل مكتب «موساك فونسيكا» لمعرفة كيف يقع انشاء شركة في احد الدول المعروفة بالجنات الضريبية.
هذه الحادثة احيت رهاب المؤامرة، سواء للمتابعين للموقع الذين اعتبروا ان قرصنة الموقع هي محاولة ممن تورط في وثائق بنما من اجل منع نشر التحقيق، لكن موقف السياسيين كان هو الاكثر تعبيرا عن «نظرية المؤامرة» فمحسن مرزوق اعتبر انه ضحية «حملة تشويه» وان التقرير هو «تصفية حسابات داخلية/داخلية» وان معدي التحقيق استهدفوه لصالح جهات لم يحدّدها ولكنه قال انها تستهدف مشروعه السياسي.
القول بان محسن مرزوق ضحية «مؤامرة» لم يكن حكرا عليه بمفرده، فقد ذهب اعضاء حركة مشروع تونس في ذات المنحى، وكرّروا ان ما يحدث هو «حملة» و»هجوم» ضمن «مؤامرة» تورط فيها الموقع.
ولم يكن هذا خاصا بحركة مشروع تونس، فقرصنة الموقع ونشر تقرير على انه تتمة لتحقيق «وثائق بنما» جاء فيه ان المنصف المرزوقي الرئيس السابق، اسس شركة في بنما وتلقى تمويلات هامة من الخارج- اعتبره القائمون على حراك تونس الارادة «مؤامرة» تستهدف المرزوقي.
هذه المؤامرة التي لم تكن الاولى في سجل حراك تونس الارادة والقائمين عليه، فهم يعتبرون ان «الثورة المضادة» والاعلام تواطؤوا ضدهم لتشويه المرزوقي باعتباره مواقفه ووزنه السياسي وللدعم الشعبي الذي يحظى به لمواقفه من «ملف البيترول» و»الملح» اللذين كانا من ابرز مؤامرات «الاخر واعداء الثورة» على تونس.
وزن سياسي اكتسبه المرزوقي الذي كشف «مؤامرة» الخليج والغرب على الثورة التونسية، وحال دون ان يقع الانقلاب في تونس من قبل الجيش الذي طمح لأخذ السلطة، وهو من اقال محافظ البنك المركزي باعتباره شريكا في مؤامرة ضدّ الثورة.
كل تلك المؤامرات لم تنته بل تستمر اليوم، فمن مؤامرات داخلية الى مؤامرات دولية وكونية ضدّ البلاد وسيادتها فالقانون الاساسي للبنك المركزي مثل منصة لإحياء الحديث عن «مؤامرات» من نوع اخر.
فالقانون الذي يضمن استقلالية هامة للبنك لادارة الملف النقدي وتحديد السياسات النقدية المناسبة، هو قانون مفروض من «الدوائر الاجنية» التي تبحث عن الهيمنة على خيرات البلاد، من بوابة خيارات اقتصادية تفرض عليها.
وفي مداولات مجلس نواب الشعب كشف النواب الكثير من تفاصيل المؤامرة، وكيف ان صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية تدخلت من اجل التنصيص على استقلالية البنك المركزي.
ذات المكان ولكن قبل اكثر من سنتين، شهد مداولات اخرى اطنبت في الكشف عن تفاصيل المؤامرة الكونية على المجلس التاسيسي، وكيف ان «الموساد» تغلغل في البلاد وفق قول النائب حينها عبد الرؤوف العيادي.
ذات النائب الذي اعلن مرارا وتكرارا ان البلاد تعيش على وقع مؤامرة «صهيونية ماسونية» وان الارهاب هو صنيعة هؤلاء الذين يتأمرون لتفشل الثورة التونسية لخشيتهم منها على مصالحهم الاقتصادية.
نظرية المؤامرة تجد رواجا لها لدى جزء هام من السياسيين والوزارء والمسؤولين في الدولة اليوم، ولا يستثنى منها احد، فالجبهة الشعهبية بدورها تعاني من مؤامرة ضدّها او كما تعبّر عنها حملة تستهدفها وتشوهها.وحركة النهضة عانت ولاتزال من مؤامرة ضدّها وضد الإسلام وحركة نداء تونس بدورها عانت من مؤامرة داخلية وخارجية لإضعاف الحزب هذه أمثلة تظهر السمات الأساسية للمشهد التونسي المطنب اهله في ايمانهم بالمؤامرة.
وأحيانا يقع الحديث عن شيء يتنافى وحقيقة ما يلزم لتكون هناك مؤامرة - السرية وتبادل المعلومات داخل شبكة مغلقة، وافراد يتصرفون بتوافق وتنسيق وخطة يشرف عليها جهاز محدد وبالأساس ضمان فوائد للمتآمرين وهي فوائد تتراكم لصالحهم.
في الختام وبعد ان لفت انتباهك العنوان واطلعت على المقال هل وجدت في ما نشر مؤامرة ضدّ احد ممن ذكر، والغالب ان البعض سيجد في ذلك مؤامرة ضدّ زيد او عمر، لذلك أود أن أعتذر إليك لأنني خيّبت ظنك لا أحد يتأمر هنا غيرك.