متاحة للجميع، سكاكين سيارات الخ، كما انها لا تحتاج الى مخطط دقيق وفرق دعم وإسناد، فقط منفذ العملية الذي قد يكون منتسبا لتنظيم ارهابي مهيكل أو غير منتظم.
أفاقت العاصمة التونسية يوم امس على خبر مهاجمة «ارهابي» لأعوان امن بسكين، بعد ان باغت احدهم اثناء قيامه بتسيير حركة المرور في التقاطع المقابل لمجلس نواب الشعب بباردو، الحادثة التي أسفرت عن إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف ثلاثة اعوان امن، إصابة أحدهم خطيرة استوجبت تدخلا جراحيا للرائد رياض بروطة الذي اصيب في مستوى رقبته.
منفذ العملية الارهابية شاب يبلغ من السن 25 عاما قالت وزارة الداخلية انه وقع القبض عليه مباشرة بعد عملية طعن الآمنيين، حيث قام زياد الغربي بطعن عوني امن مرور، الأول على مستوى الرقبة والثاني على مستوى الجبين، قبل ان يقع إلقاء القبض عليه من قبل عناصر وحدة أمنية.
تفاصيل أعلنتها وزارة الداخلية في بلاغ لها، صدر عشية امس، تضمن تفاصيل مقتضبة عن العملية ومنها ان الارهابي يحمل اسم زياد الغربي وهو من مواليد1992 وهو رهن الإيقاف حاليا لدى الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة بعد ان اذنت النيابة العمومية بذلك يوم امس وفق ما اكده سفيان السليطي الذي كشف بصفته الناطق الرسمي باسم قطب مكافحة الارهاب انه تم الاحتفاظ بشخص واحد نفذ عملية الاعتداء بسكين على اطاري أمن في منطقة باردو مرددا عبارات «الله اكبر» و»طواغيت» لدى تنفيذه لعملية الطعن، مشيرا الى ان المعتدي لا سوابق عدلية له وهو غير معروف لدى الوحدات الأمنية، رغم محاولته الالتحاق بمجموعات إرهابية في ليبيا.
تفاصيل العملية التي قدمتها الداخلية والقطب القضائي تتضمن اشارة صريحة الى ان زياد الغربي قرر ان ينفذ عملية إرهابية بمفرده، وهو ما اعترف به في التحقيق حيث شدد على انه غير منتسب إلى اي تنظيم إرهابي او مجموعات متشددة، كما انه قدم الى مسرح الجريمة بمفرده مستعملا النقل العمومي، من مقرّ سكناه بحي التضامن إلى باردو، اين قام بمهاجمة عوني أمن لدى انشغالهما بتسيير حركة المرور في حدود الساعة الثامنة و15 دقيقة يوم امس.
زياد الذي نشر وفق الصفحة الرسمية لشرطة النجدة، تدوينة على حسابه الشخصي على شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك، يوم 30 أكتوبر الفارط يقول فيها « ياقلبي ليش تخمم هذاك وعد ربي ويلزم يتم» بما يوحى انه قد فكر وقرر ان ينفذ العملية الإرهابية قبل مدة، خاصة وانه قد نشر صورة لسكين في تدوينات سابقة في حسابه الذي يحمل اسم «زياد ابو زياد». في انتظار ان تستكمل التحقيقات للقول بشكل جازم ان زياد قد قرر ان ينفذ عمليته بمفرده دون ان ينسق او يستشير اي مجموعة إرهابية.
لكن في انتظار ذلك يمكن الاشارة الى فرضيتين لا غير، في كل منهما نقف على خطوة المرحلة الجديدة للارهاب في تونس، فانطلاقا من اعتراف زياد بانه عنصر غير منتظم في اي جماعة ارهابية وانه صاحب فكرة تنفيذ العملية وتوقيتها، ندرك ان دعوة تنظيم داعش الارهابي بالاساس الى كل من يحملون فكره الى تنفيذ عمليات ارهابية بما توفر لهم من امكانيات، قد وجدت من يستمع اليها في تونس وينفذها حيث ان زياد الذي قال انه حمل الفكر الجهادي منذ ثلاث سنوات وانه فشل في الالتحاق باي تنظيم ارهابي خارج تونس، يبدو انه وتحت تاثير عدة عوامل قرر ان يلبي دعوة تنظيم داعش التي اطلقها منذ 2016، وتقوم على تنفيذ عمليات طعن او دهس كنوع من الجهاد، جهاد قال زياد انه نفذه، فوفق تصوره هو قام بالعمل على نصرة دين الله بمحاولته قتل عناصر امن، يعتبرهم اعوان «الطواغيت» ويجب مقاتلتهم.
ان ثبت ان زياد لم ينتسب يوما الى اية جماعة إرهابية منظمة فان ما نفذه يوم أمس يضع استراتيجية «الذئاب المنفردة» موضع تنفيذ في تونس، وهنا الخطر، حيث ان هذه الإستراتيجية تقوم على تشجيع متبني الفكر التكفيري/الجهادي على تنفيذ عمليات منفردة ضد أي أهداف محتملة ، اي ان هناك خطرا بان ينفذ آخرون عمليات مشابهة وفق هذه الاستراتيجية التي ادت لتنفيذ عديد العمليات في أوروبا خلال السنتين الفارطتين.
الفرضية الثانية لا تقل خطورة عن الاولى وهي ان زياد منتسب الى مجموعة ارهابية مرتبطة بتنظيم داعش الارهابي، وان التعليمات التي بلغت اليهم هي الانتقال الى طور العمليات المنفردة بامكانيات محدودة، اي ان تنظيم داعش بعد ان تكبد عدة خسائر لم يعد بمقدوره ان يخطط او يستعد لتنفيذ عمليات ارهابية بما يدفعه الى اطلاق يد اتباعه لتنفيذ عمليات دون العودة للتنظيم وهياكله.
هذان الخطران يلتقيان في اننا لم نعد امام ارهاب تقليدي يعتمد على تقنيات «الانغماس» واستهداف امنيين او اجانب، كما في سوسة وباردو، باستعمال اسلحة وبتخطيط شارك فيه اكثر من عنصر ومجموعة، فرق التنفيذ وفريق الدعم والفريق اللوجستي، بل في مرحلة يمكن لاي عدد قليل من الاشخاص من حاملي الفكر التكفيري ان ينفذوا فيه عملية ارهابية بالاعتماد على ادوات تتوفر في كل البيوت التونسية، اسلحة بيضاء وغيرها، اضافة الى امكانية الانتقال الى تنفيذ عمليات الدهس.
مرحلة جديد كشفت مؤشراتها منذ اكثر من سنة، ولكن يبدو انها دخلت حيز التطبيق يوم امس، مما يستوجب اليوم اعادة تقييم الخطط الامنية وادخال هذا العنصر في اية استراتيجية لمقاومة الارهاب.