السعودية تنشئ هيئة تدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية: الاستنجاد بـ«السلف» لمواجهة التطرف والإرهاب... والالتفاف على الإصلاح والتجديد

بداية هذا الأسبوع صدر مرسوم ملكي عن الملك السعودي سلمان يعلن عن إحداث هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية، هذا المرسوم جاء بعد مرسوم قيادة المرأة للسيارة، التوجه لحل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «المطاوعة»، لم يعد شأنا سعوديا داخليا فقط، فالمملكة التي تعيش اليوم على وقع منافسة مباشرة مع الجماعات الجهادية/الإرهابية حول

أحقية الحديث باسم المنظومة السلفية الحنبلية ومن يعبر عن جوهر الدين واصله، بادرت بقطع خطوات إلى الأمام برفقة رجال الدين فيها تهدف إلى نقد هشاشة المنهج الذي تتبناه الجماعة المتطرفة بسبب خطأ معالجة مدونة الحديث، مع الابقاء على اسس الفكر الوهابي الحنبلي القائم على ان الحديث هو جوهر فهم الدين وانه لا يحتاج إلى إصلاح أو تجديد. هذه الخطوة على احتشامها ومحدوديتها تشرع بوضع المقدس الثاني في الإسلام «الحديث النبوي» محل تدقيق، مما يعنى اليوم ان العالم الإسلامي بمقدوره وبشكل رسمي أن يذهب خطوات ابعد مما ستذهب إليه المملكة عبر تجديد فهم النص الديني فالمملكة لم يعد بمقدورها حتى إن رغبت أن تمنع هذا التجديد الذي تريد له ان تم أن يكون جزئيا بما يخدم مصالحها.

أعلن النائب العام سعود بن عبد الله المعجب، يوم الخميس الفارط، أن الملك سلمان اصدر أمرا ملكيا لإنشاء مجمع خادم الحرمين الشريفين للحديث النبوي في المدينة المنورة، وقد نشر المرسوم يوم الثلاثاء الفارط، مع التشديد على ان «من أهداف إنشاء المجمع كشف المفاهيم المكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال دراسة وتمحيص وتصحيح هذه المفاهيم على يدي جمع من العلماء البارزين، ونبذ ما يفترى عليه... من أكاذيب وتلفيق لأحاديث باطلة ومنكرة وضعيفة».

هذا المجمع الذي اتخذ من المدينة المنورة مقرا له، وتعيين محمد بن حسن آل الشيخ عضو هيئة كبار العلماء رئيسا للمجلس العلمي للمجمع اعتبره مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ «أمرٌ مهم وعملٌ صالحٌ خيّـر، ينتظره المسلمون منذ زمن...» وان الدولة اعتنت اليوم «بالوحي الثاني وهو السنة النبوية المطهرة بجمعها وتنقيتها وإزالة الشبه التي يثيرها المغرضون على السنة وبيان فساد قولهم».

كما ثمن الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبد الرحمن بن عبد الله السند، الأمر الملكي واعتبر انه خدمة للمسلمين، ولم تقتصر القائمة على هؤلاء فقط بل شملت العشرات ممن يتقلدون مناصب دينية هامة في المملكة التي تشهد منذ بزوغ نجم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حركة إصلاحية جزئية ضمن «رؤية 2030» التي يهدف من خلالها ولي العهد تقديم نفسه كقائد محدث وإصلاحي لتوطيد علاقته مع الغرب.

لكن هذه الإجراء لا يعني ان المملكة ورجال الدين وضعوا مدونة الحديث محل تدقيق وغربلة، تستوجب اليوم وضع معايير جديدة لتصنيف الأحاديث، وهي بالتأكيد لا تتجه إلى إلغاء العمل بالأحاديث الضعيفة أو الحسنة، فالمذهب الحنبلي الذي يستند اليه الفكر الوهابي ينطلق من تقديس للحديث النبوي ويعتبره جوهر الدين ، فمدونة الحديث هي مفتاح تأويل النص القرآني. لذلك اعتمد المذهب الركيزة في الفكر الوهابي على مقولة أن الحديث الضعيف والحسن، الداعي لمكارم الأخلاق، اسلم من الرأي، وانه ينفي الحاجة للاجتهاد وإعمال الرأي.
فهم محورية الحديث في الفكر الوهابي، الذي يستند إلى مدونة «السلف» سواء في التفسير والفهم أو التبويب والتصنيف، يبين ان الخطوة التي أقدمت عليها المملكة تهدف إلى سحب البساط من الجماعات الجهادية/التكفيرية التي تتهمها المملكة ورجال دينها بأنهم يستندون الى أحاديث ضعيفة سبق وبين «السلف الصالح» ضعفها وبين تهافت تأويلها من قبل من تصفهم

بـ«الخوارج الغلاة».

والخوارج لدى رجال الدين في المملكة هم من انتسبوا لتنظيمات جهادية، القاعدة - داعش او الذين انتسبوا للصحوة، رغم الاختلاف بين المجموعتين اللتين تريد المملكة سحب أحقيتهما باستعمال الحديث والمدونة الإسلامية لمواجهتها او معارضتها، أي بعبارة اخرى فان المملكة لم تقطع خطوات إصلاحية تضع الحديث محل تدقيق وإعادة تصنيف، إنما عادت للمدونة القديمة تريد ان تستخدمها بما تتضمنه من أدوات تحليل وتدقيق لنسف قراءة من هم على يمينها.

هذه التوجه يرغب عدد من الليبراليين في المملكة الذين يعتبرون ان المرسوم الملكي الأخير هو امتداد للنفس الإصلاحي الذي يغمر المملكة هذه الأسابيع، وهذا ان تم سيكون له انعكاسات هامة على العالم الإسلامي برمته، شريطة فهم اللحظة واقتناصها، فالمملكة كانت جد متحفظة في ما يتعلق بالقراءة النقدية لمدونة الحديث النبوي وتعتبر أن التشكيك في صحة بعض الأحاديث «مس من المقدسات» باعتبار ان الحديث هو بمثابة وحي إلاهي.

وهو ما يبرر غلق باب البحث والتدقيق الذي قامت به المملكة طوال عقود طويلة، منذ هيمنة القراءة الوهابية للمدونة الدينية بنصيها، القرآني والنبوي، وقيامها على جملة من القواعد المانعة لأي اجتهاد او قراءة عقلانية لبعض فصول المدونة الدينية، واحتكار قراءة النص وشرحه وتأويله تحت خيمة «عقد السيف والقلم» الذي قامت عليه المملكة منذ القرن 19. اليوم بفتح «ثغرة» صغيرة في دفاعات المملكة الرافضة لقيام أي جهة من خارجها بالاجتهاد والبحث، هذه الثغرة التي باركها رجال الدين قد يقع اقتناصها لقيام مبادرة إصلاحية للإسلام.

هنا تكمن أهمية الأمر الملكي الذي الجم كل الهيئات الفقهية السنية، من المملكة السعودية الى مصر وأزهرها،الذي لم يصدر عنه أي موقف رافض لهذه المراجعة، ولا ينتظر ان يعارضها، طالما ان الأزهر والمؤسسات الوهابية تلتقيان في مسألة احتكار المراجعات وعدم السماح لجهة غيرهما بعملية المراجعة/الإصلاح لتجنب خروجه عن طوعهما وقراءتهما.
رفض المراجعة من خارج هاتين المؤسستين الفقهيتين، بل وحتى الدعوات لإصلاح مرده خشيتهما، وخاصة المؤسسة الوهابية، من نسف مقولة ان الفكر الوهابي السلفي الحنبلي هو عملية إصلاح ديني قام بها محمد بن عبد الوهاب في القرن 18، ونجحت في الصمود والهيمنة على عكس حركات أخرى إصلاحية، كـ «السنوسية» و»الختمية» و»المهدية» التي توالى ظهورها وقدمت نفسها على انها حركات إصلاحية للدين ضد الانحراف والشوائب التي هيمنت عليه، للحشد والتعبئة لصالحها. فهي وان اتخذت عناوين دينية فان اساسها وهدفها سياسي، سواءا في ليبيا، السنوسية، او السودان المهدية، او السعودية الوهابية، فكلها جاءت لتعيد تشكيل العلاقة بين السلطة والمجتمع، ضمن تحالف سياسي ديني.

حرص المؤسستين الفقهيتين السنيتين، المهيمنتين اليوم على تمثيل الإسلام، ليس فقط لمنع انهيار بنيانها بل للحيلولة دون بروز حركات إصلاحية أخرى تنطلق من أن الإصلاح، مهما كان مجاله، يجسّد مطالب ومصالح فئات اجتماعية بلغت مرحلة الوعي بذاتها وبأزماتِها كما حدث في الكنيسة. أي السعي إلى عقلنة الإصلاح وتحديث الدين، وهذا يحدده كيفية الإصلاح واتّجاه أي الانتقال من العناوين الكبرى للإصلاح إلى تفاصيل مدققة أي ما هو موضع «الإصلاح».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115