مجلس وزاري مضيق للمصادقة على مشروع قانون المالية 2018: اتحاد الشغل يعلن موقفه اليوم، الأعراف غاضبون، النهضة تنتظر والنداء يدعم

ينتظر أن يصادق اليوم مجلس وزراء مضيق على مشروع قانون المالية لسنة 2018، بعد ان ختم أخر جلسات التحكيم يوم أمس، دون ان يحسم الأمر في احد ركائز القانون المتعلقة بالعدالة الجبائية وتحديدا في تعويض النظام التقديري بنظام أخر تبحث الحكومة عبره عن استخلاص الجباية بشكل عادل ، لكن ليست هذه فقط النقطة الخلافية في القانون الذي

سيصدر اليوم موقف اتحاد الشغل منه بعد ان سبق وبين الأعراف اعتراضهم على جملة من التوجهات فيه.
انتهى في ساعة متأخرة من مساء أمس لقاء في رئاسة الحكومة خصص للتحكيم بشان مشروع قانون المالية 2018، حضره رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير المالية رضا شلغوم خصص للتدقيق الأخير في المشروع المنتظر ان يحال اليوم على مجلس وزاري مضيق للمصادقة عليه، قبل إحالته إلى مجلس نواب الشعب خلال الأيام القادمة قبل انتهاء الآجال الدستورية.

مشروع القانون الذي تتكتم وزارة المالية ورئاسة الحكومة عن تقديم اي تفاصيل بشأنه، كحجم الميزانية وتوزيعها، وابرز مصادر تمويلها، التي كشف رضا السعيدي تفاصيل عنها في إذاعة شمس أف ام، بالإشارة إلى توجه الحكومة الى التفويت في منابتها من المؤسسات المصادرة إضافة إلى اعتماد الشراكة بين القطاع العام والخاص لتمويل مشاريع البنية التحتية.
فلسفة القانون والخطوط العريضة التي سربت إلى الأحزاب الشريكة في الحكم، لم تكن كافية لبعضها ليبلور موقفه او قراءات أولية من قانون مالية 2018 المتوقع ان يتجاوز حجمها 34 مليار دينار تونسي، في انتظار حسم الأمر اليوم واستقرارها على حجم محدد لن يتجاوز 35 مليار دينار .

النهضة واتحاد الشغل، موقف مؤجل
منتظرو صدور مشروع قانون المالية هم بالأساس حركة النهضة واتحاد الشغل، فكلاهما يعتذر عن تقديم اي موقف من الخطوط العريضة التي صرح بها وزراء في حكومة الشاهد او سربت للإعلام والأحزاب، وإن كان اتحاد الشغل يؤجل اعلان موقفه في انتظار انتهاء أشغال مكتبه التنفيذي اليوم، الذي يتزامن مع المجلس الوزاري، ليعلن عن مطالبه المحددة والنقاط التي يعترض عليها صراحة. وهذا دفع بقادة الاتحاد الى رفض تقديم ايّ تصريح رسمي الى حين انتهاء اشغال المكتب التنفيذي. في انتظار انتهاء اشغال المكتب التنفيذي للاتحاد الذي تشير مصادر مطلعة على كواليسه ان له جملة من المؤاخذات تتعلق أساسا بتفعيل قانون الشراكة بين العام والخاص والتفويت في حصص من المؤسسات العمومية.
ملامح موقف الاتحاد التي قد تمزج بين التفهم والتحذير، يقابلها تشديد حركة النهضة وعلى لسان الناطق الرسمي باسمها عماد الخميري على انها لم تبلور اي موقف اولى وفق التسريبات، وانها تتنظر المجلس الوزاري المخصص للمصادقة على قانون المالية لتتحصل على نسخة منه وتدرسها قبل إصدار موقفها. فالحركة كما شدد الخميري لن تصدر موقفا قبل الحصول على وثيقة مشروع القانون، حينها ستحدد كيف ستتفاعل معه في مجلس النواب.

تحفظ يستمر لدى الحركة التي تعلق على إمكانية نشوب خلافات حادة بين الحكومة والأطراف الاجتماعية بسبب مضمون القانون بان الحوار هو الأداة المثلى لتجاوز الخلافات كما تم السنة الفارطة، وفق الخميري الذي شدد على ان الحوار سيمكن الأطراف المتداخلة من الوصول الى قدر من التحكم في قانون المالية يخدم شرائح واسعة من الشعب التونسي، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد والتي تجعل الحكومة أمام حتمية إيجاد خيارات غير مسبوقة والابتعاد عن الخيارات السهلة. هذا التعليق الذي تريد به النهضة مسك العصا من منتصفها بان لا تعادي الحكومة ولا تقف في صفها في ظل تسريبات عن اعتماد سياسة جبائية تصفها الجبهة الشعبية والمعارضة بـ«الجشعة».

النداء، أكثر ليبرالية
حرص النهضة على عدم التورط في موقف نهائي من قانون المصالحة يقابله اعلان حركة نداء تونس على لسان المكلف بالملف الاقتصادي صلبها محسن حسن عن دعم للتوجهات الكبرى في قانون المالية 2018، حيث يبن القيادي الندائي ان حركته التي تدرك الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد ودلالة المؤشرات المسجلة في 2017 على مستوى التنمية وارتفاع العجز في الميزانية او في الميزان التجاري، إضافة الى ارتفاع خدمة الدين وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن والمقدرة التنافسية للمؤسسة.

حساسية الظرف في 2017 يعتبره محسن حسن اقل حدة مما سيكون عليه الوضع في 2018، التي وصفها بالسنة الصعبة في ظل توقع بارتفاع كتلة الأجور بسبب دفع المستحقات المؤجلة من زيادة الأجور لسنة 2017 إضافة الى ارتفاع قيمة تسديد خدمة الدين بسبب تراجع قيمة الدينار بالنسبة للديون الخارجية وارتفاع نسبة الفائدة بالنسبة للديون الداخلية. وليس هذا فقط ما قد تعاني منه المالية العمومية من صعوبات، فالقيادي بحركة نداء تونس يشير الى توقع ارتفاع قيمة الدعم بسبب تراجع قيمة الدينار، وهذا الارتفاع لا يمكن الحد من تداعياته الا بالترفيع في اسعار المواد الاساسية.

هذه الوضعية الصعبة يقول محسن حسن انها تستوجب اتخاذ إجراءات جبائية لتوفير موارد مالية إضافية للدولة وتحقيق الانتعاش الاقتصادي بالإضافة للإجراءات غير الجبائية التي يجب ان تكون مدروسة بعمق، لخدمة اهداف محددة واهمها التحكم في العجز العمومي والخارجي والنزول بالعجز في ميزانية الدولة الى ما دون%5 وذلك عبر التحكم في النفقات الجارية والمحافظة على نفقات الاستثمار المتوقع ان تبلغ قيمتها أكثر من 6 مليار دينار.

كما يدعم القيادي بحركة نداء تونس خطة الحكومة في الترفيع في قيمة الأداء على القيمة المضافة ويعتبرها ضرورية وعلى التونسيين دون استثناء ان يتقاسموا التضحية للخروج بالبلاد من مأزقها وتجنب الذهاب الى التداين الخارجي، مشيرا الى انهم يدعون الحكومة الى تعميم تطبيق الأداء على القيمة المضافة وتوسيع القاعدة الضريبية، لكن في المقابل يشدد على

ان الترفيع في الأداء على المرابيح الموزعة بالنسبة للمؤسسات الذي سيصــــل الى10 % ضعف ما كان عليه في 2017، يجب ان يقترن بالتالي في الاداءات على الشركات الى ما بين 22 % و23 % عوضا عن 25 % التي تقترحها الحكومة في مشروعها الحالي.
ولا يقف دعم النداء لتوجه الحكومة عند هذه النقاط فهو يقف في صفها في مراجعة النظام التقديري للجباية، ويشجعها على الاستغناء عنه وتعويضه بنظام مبسط للشركات الصغرى والمتوسطة، إضافة إلى الترفيع في الاداءات والمعاليم الديوانية على المواد الاستهلاكية الكمالية، كإجراء ظرفي. ويدعم النداء مقترح الحكومة بسن 1 % كأداء على القيمة بعنوان الأداء التضامني لتمويل عجز صناديق الضمان الاجتماعي، ولكنه يطالبها بعدم الرفع في النسبة لثلاث سنوات على الأقل.

الأعراف يحذّرون
النقاط الساخنة المنتظر ان تثير إشكاليات في مشروع قانون المالية تجد فيها الحكومة دعما من النداء الذي ينادي بدوره الى التدقيق في ملف الأملاك المصادرة والمداخل غير الجبائية للدولة، ويقدر أن تبلغ قيمتها أكثر من 3 مليار دينار جزء منها متأتي من التفويت في حصص من المؤسسات العمومية البنكية على غرار بنك الإسكان، إضافة إلى تفويت الدولة في مناباتها من المؤسسات المصادرة، وهنا يقف النداء في صف الحكومة رغم اعتراض اتحاد الشغل على التفويت مثلما يقف في صفها في ملف تفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص ويعتبرها ضرورية لدفع الاستثمار.
حركة نداء تونس التي تدعم خيارات حكومة الشاهد تقف على الضفة المقابلة لاتحاد الأعراف الذي عبر صراحة عن غضبه من توجهات الحكومة، واصدر بيانا من 11 نقطة فصل فيه موقفه بعد أن سبق ونشر وثيقة تضمنت مقترحاته العشرين، التي تمسك بها في موقفه الأخير الصادر عن المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، مشددا على ضرورة أن تغير الحكومة من مقاربتها في إعداد قوانين المالية وضرورة التركيز في القانون على إنعاش الاقتصاد ودفع الاستثمار وعدم الاكتفاء بهاجس معالجة اختلال التوازنات المالية العامة.
انتقاد الاعراف لانشغال الحكومة بتحقيق التوزان في المالية العامة على حساب إنعاش الاقتصاد عبر عن نفسه اكثر بالتنبيه عليها من خطر اثقال كاهل المؤسسة الاقتصادية المنظمة بأداءات إضافية، أو الترفيع في نسبة المساهمات الاجتماعية للمؤسسات، لأن ذلك سيؤثر سلبيا على قدرتها التنافسية، واشار الى ان عدم الاستقرار الجبائي اثر سلبا على الاستثمار الداخلي والأجنبي.

انتقاد سياسة الحكومة الجبائية لم يتوقف إذ يطالب الاعراف بان يقع التشاور معهم بشان مراجعة النظام التقديري، وأن توسع القاعدة الجبائية والتخفيض في النفقات العمومية وترشيد التصرف والحوكمة في المؤسسات التابعة للدولة والدعوة الى الاسراع في معاجلة أزمتها دون وضع خطوط حمراء في اشارة الى خيار التفويت فيها.
اول المواقف المحذرة من تداعيات قانون مالية 2018 وما سيخلفه من جدل بين المتداخلين تشير الى ان الحكومة ستدخل معركة لن تخرج فيها بمكسب حتى وان انتصرت في الحرب ومررت خياراتها، مما يجعلها تبحث عن مخرج ليس بالسهل، قد يتضح اكثر اليوم بخروج مشروع القانون للعلن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115