قانون المالية لسنة 2018: اتحاد الشغل ، منظمة الأعراف والحكومة ... المعادلة الصعبة

تنصرف الأنظار كلها إلى التحوير الوزاري المرتقب، غافلة عن أزمة جديدة قد تنطلق مباشرة اثر التحوير وتتعلق بقانون المالية لسنة 2018 الذي تكشف المؤشرات الأولية انه سيكون محور الخلاف بين الحكومة والفاعلين الاجتماعيين أساسا الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف، إذ لكل منهما مطالب ملحة تتناقض فيما بينها.

لا تفرج الحكومة عن الخطوط العريضة لقانون المالية لسنة 2018 المنتظر أن يحال إلى مجلس الشعب في 15 من أكتوبر القادم، كل ما تسمح بتداوله إعلاميا هي معطيات عامة تشير إلى حجم العجز المرتقب والى صعوبة تحقيق التوازنات المالية إضافة إلى الحجم المرتقب للميزانية التي لن تتجاوز 36 مليار دينار.
التكتم عن تقديم المعطيات المتعلقة بقانون المالية والخيارات الكبرى التي سينص عليها لا يستثنى منه قادة المنظمات الاجتماعية الكبرى بدورها، رغم تعهد الحكومة بان لا يقع تقديم المشروع إلى المجلس قبل استكمال المشاورات مع اتحادي الشغل والأعراف للوصول الى صيغة مثلى تجنب الحكومة أزمات كبرى هي في غنى عنها.
النقص في المعطيات جعل المنظمات الاجتماعية وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة يتجنبون تقديم قراءة مفصلة مقتصرين على الكشف عن مطالبهم او الكف عن آمالهم في أن يحمل المشروع «جرأة» هذه المرة، كما يشتركون في اعتبار ان تصريحات أعضاء الحكومة «لا تبشر بخير».

لكن لا يتعاطى الطرفان الاجتماعيان مع ملف المالية من منطلق ما الذي يرغبون فيه بل من منطلق ما هو مرفوض أولا، فالاتحاد العام التونسي للشغل وعلى لسان أكثر من قيادي مركزي اعتبروا صراحة ان توجه الحكومة إلى رفع الادعاءات وتلويحها بالترفيع في الأسعار ، أمر يزعج الاتحاد ولا يقبله. والاتحاد لا يريد ان تتجه الحكومة الى الخيار السهل وهو اثقال كاهل الطبقة الوسطي، حتى وان كان قادته يقرون بان قانون المالية لسنة 2018 هو قانون محكوم بالاكراهات.

اكراهات يرى الاتحاد انه على الحكومة مواجهتها بحلول مختلفة هذه المرة، منها ان تكون اكثر جرأة في ملف الجباية وان توسع قاعدتها وتفعل قرارات سابقة، وهنا يشير الاتحاد صراحة الى عدم رضاه عن عدم تطبيق إجراءات وقع التنصيص عليها في قانون المالية لسنة 2017 تتعلق بالحد من التهرب الجبائي أساسا.
في انتظار ان تصدر الحكومة مذكرة تأطير تقدم فيها العناصر الكبرى لقانون ماليتها القادم، يتجنب الاتحاد ان يتورط بموقف مبكر من القانون حتى وان أعلن أكثر من قيادي ان لهم مقترحات منها استخلاص المعاليم الجبائية غير المسددة التي يقر الاتحاد ان الحكومة بمقدورها توفير مبلغ مالي هام، إضافة الى إجراء إصلاحات جبائية، لا تغفل هذه المرة عن المهن الحرة. وثالثا سن ضريبة استثنائية على البنوك.

مقترحات الاتحاد الداعي لتوسيع القاعدة الجبائية يلتقي فيه مع منظمة الأعراف التي بدورها تطالب بهذا، لكن اللقاء يقتصر على ماهو عام، فالاعراف يطالبون ان يقع التخفيف من الضغط الجبائي المسلط على المؤسسات وعدم المساس بسيولة المؤسسات المالية واستنزافها بمزيد الاداءات الضريبية، وهو استباق لمحاولة فرض اي ضريبة استثنائية هذه السنة أيضا.
توفيق العريبي رئيس لجنة الجبائة في منظمة الاعراف عبر صراحة عن مخاوف منظمته مما قد تذهب اليه الحكومة في قانون المالية من إثقال كاهل المؤسسات الاقتصادية، فالحكومات ومنذ الثورة تستهل مناقشاتها معهم بالحديث عن صعوبة الوضع المالي والمخاطر المحدقة بالتوازنات تمهيدا لتطالبهم بالتضحية من اجل السلم والأمن الاجتماعي واستقرار البلاد.
خطاب يقول العريبي ان ملامحه بدأت تنكشف في خطاب الحكومة تجاههم، بالتلميح إلى الوضع الصعب وضرورة توفير موارد إضافية كلما وقع التوجه إليهم بالخطاب، مخاوف من ان تقع مطالبة منظمة الأعراف بان تقدم مساهمة ظرفية جديدة يقر بها القيادي في اتحاد الصناعة والتجارة ويشير إلى أنهم ابلغوا رئيس الحكومة مباشرة وكل الأطراف ان «المؤسسات الاقتصادية لا يمكنها تحمل اي ضغط جبائي اضافي»، وذلك لغلق الباب أمام أية مطالب بتقديم مساهمة استثنائية جديدة.

مساهمات يقول العريبي ان قطاعات أخرى لم تقدمها بل وثارت حينما وقعت الإشارة إليها في قانون المالية لسنة 2017، قطاعات كـ«المحامين الذين رفضوا إجراءات جبائية جديدة» وكـ«الاتحاد الذي رفض تأجيل الزيادة في الأجور»، لذلك وجب التوجه اليها من وجهة نظره وتجنب إغراق المؤسسات الاقتصادية أكثر.

مؤسسات يقول أنها باتت تعاني من انعدام القدرة على التخطيط نتيجة التخبط الموجود على مستوى النص القانوني المنظم للجباية، إضافة إلى حالة من الفوضى التي تعبر عن نفسها بتطبيق إجراءات ونص قانوني في جهة وعدم تطبيقه في جهة أخرى هذا بالإضافة إلى عدم التزام الحكومة بتطبيق القرارات التي اتخذتها في قانون المالية لسنة 2017.
لا يتوقف نقد الأعراف عند حد المنظومة الجبائية التي يصفونها بانها متصدعة ويجب ان تشهد اصلاحات جريئة كما يجب ان يقع توسيع قاعدتها، بل يشمل دعوة صريحة للحكومة بان تعالج جملة من الملفات بطريقة جذرية، وذلك بالضغط على نفقاتها، ويشير هنا توفيق العريبي الى ان ابرز اهدار للموارد يتم من خلال صندوق الدعم الذي طالب بان يعالج في اطار رؤية جديدة تضمن وصول الدعم لمستحقيه، خاصة بعد ان باتت المواد المدعمة تجد طريقها الي خارج تونس وتباع في الاسواق الافريقية.صندوق دعم اكد القيادي في الأعراف انهم مع ترشيد التصرف في نفقاته من اجل ضمان تحقيق اهدافه.

اهداف يقول انه على الحكومة ان تتحلى بالجرأة لتحققها كما يجب عليها ان تتحلى بذات الجرأة في معالجة ملف المؤسسات العمومية، مؤسسات يقول القيادي انها تحتكر قطاعات هامة ولا تواجه اية منافسة لكنها تسجل خسائر كبرى كما تشهد تدهورا في خدماتها.

مؤسسات يرى القيادي انها باتت تمثل عبئا على الدولة وعلى الاقتصاد التونسي وانه من الضروري اما التفويت فيها للقطاع الخاص بصفة كلية او عن طريق الشراكة، حل يقول انه ضروري لانهاء الخسائر التي تتسبب فيها هذه المؤسسات التي تدار بشكل غير ناجع وغير محوكم.
هنا نقطة الخلاف الأولى بين الأعراف والشغالين، وهي إحدى نقاط كثيرة محل خلاف، على غرار الرفع في ضريبة القيمة المضافة، وصندوق الدعم، لكن الخلاف لا يعني ان الحكومة قادرة على استغلاله لحسم الأمر لصالحها بل ستجد نفسها في معركة اكبر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115