كثيرة هي التفاصيل التي يعلن بها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن تصوره لمستقبله السياسي، فالرجل الذي أعيد انتخابه رئيسا للحركة في 2016 وفق القانون الداخلي للحركة حصر حق الترشح للانتخابات الرئاسية لنفسه او لمن يراه صالحا، قانون مر يومها دون ان يثير الانتباه، لكنه اليوم ومع تعدد تحركات الشيخ بات مفتاح فهم ما يجول في خلد زعيم الحركة.
راشد الغنوشي الذي اطل في قناة نسمة في حوار خاص أعلن بشكل صريح عن تغيير في تفكيره السياسي ونظرته للأشياء، التغيير الذي انطلق بارتداء ربطة عنق وانتهى الى القول عبر التلميح الى انته معني بالانتخابات الرئاسية. فالرجل الأول في حركة النهضة لم ينف في سؤال وجه اليه عن نيته في الترشح للانتخابات الرئاسية بل اقتصر على القول ان الوقت لايزال مبكرا للخوض فيها هذا بالنسبة إليه كما بالنسبة للبقية.
لكن ليس هذا مفتاح فهم ما يدور بخلد «الشيخ»، فرئيس الحركة وان أعلن عن دعم حركته « التام لحكومة الوحدة الوطنية ولتوجهاتها الإصلاحية التي تعكس ما جاء من أهداف وطنية في وثيقة قرطاج» فانه أعلنها بشكل صريح أن هذا تطوير هذا الدعم مشروط بإعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن عدم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية.
اختيار راشد الغنوشي أن يعلن موقفه من يوسف الشاهد وحكومته عبر قناة نسمة، في حوار سجل يوم الأحد الفارط وبث يوم الثلاثاء، لم يحل دون ان يلتقي «الشيخ» يوم الاثنين الفارط بالشاهد للحديث معه ، وبعيدا عما أعلن عن مضمون اللقاء، فان التطورات السابقة ومنطق العمل السياسي يساعدان قليلا على فهم ما لم يعلن عنه.
فما اعلن وعلى لسان مصدر حكومي من ان اللقاء كان بطلب من رئيس الحركة الذي قال وفق تصريحه الإعلامي عقب اللقاء انه أعرب للشاهد عن» وقوف حركة النهضة، جنبا إلى جنب، مع الحكومة في حربها على الفساد»، مسجلا بارتياح ما اتخذته من « إجراءات عملية لمقاومته».
ولم يقتصر الغنوشي عند هذا بل قال انه عبر لرئيس الحكومة عن «الثقة في قدرة حكومة الوحدة الوطنية على تجاوز الوضع الاقتصادي، رغم صعوبته وتحقيق تحسن في نسب النمو، على غرار ما تحقق في الثلاثي الأول من السنة الحالية ».
لكن ما لم يقله اي من الرجلين، ومن المرجح جدا انه كان هدف اللقاء، هو محاولة رئيس الحركة تجنب صدام مع رئيس الحكومة والظهور كمن يعلن عليه الحرب ان لم يستبق بث الحوار ويشرح له أسباب ما قاله وهدف ذلك وأيضا تقديم مبادرته إليه، القائمة على مطالبة يوسف الشاهد الإعلان عدم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية في 2019 لتوفير ظروف نجاح الحكومة.
هذا الإعلان عن موقف الحركة تجاه الحكومة وتحديدا رئيسها، من ان الدعم متوفر لكن تطويره مشروط، وان هذه الشروط هدفها حماية الحكومة والابتعاد بها عن الشبهات، لا يظهر كل الحقائق، فقادة حركة النهضة يتقاسمون فيما بينهم «هاجسهم» من يوسف الشاهد، اذ تؤكد مصادر مطلعة على كواليس الحركة ان النهضة تتعامل مع الشاهد بريبة.
ريبة تقول الحركة ان سببها غموض الشاهد وعدم وضوحه مع الأحزاب، والمقصد هو عدم إفصاح الرجل عما يفكر فيه وعن تصوره لمستقبله السياسي، وهو ما تتقاسمه النهضة مع نداء تونس اللذين ينظران للشاهد على انه خصم سياسي قادم.
هاجس ومخاوف لا تعرب عنها النهضة صراحة لكن تكشفها تلميحاتها ومواقفها، ومنها ما أعلنه راشد الغنوشي في حواره بقناة نسمة، لكن ما يعلنه بشكل جلي هو التنسيق بين الحركتين، النهضة والنداء من اجل دفع الشاهد الى الخروج علنا والإعلان انه لا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية. مطلب ستقدمه الحركتان الى رئيس الحكومة وستجعل ثمن الموافقة عليه دعما لا مشروطا، وثقة في الرجل بعد ان تنتفي المخاوف من ان يكون قد أطلق حملته على الفساد لكسب شعبية تؤهله لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة».
خشية الحزبين من الشاهد تكشف طموح قادتها، خاصة حركة النهضة التي يبدو أن «الشيخ» وبقية قادة الصف الأول في الحركة يعتبرون ان الشاهد قد يكون العقبة التي تحول دون نجاح رئيس الحركة في الانتخابات الرئاسية ان حسم خياره وترشح.