بعد ان سبق واعلنت نقابات أمنية اعتراضها على بعض الفصول.
أسباب الرفض قدمتها المنظمات وشرحتها في أكثر من مناسبة، منذ 2015 تاريخ إيداع مشروع القانون لدى مجلس النواب، وهي تلتقي في جملة من النقاط، اختراق الدستور، التضييق على الحريات منها حرية التعبير والصحافة وانتهاك حق النفاذ الى المعلومة والتمييز بين المواطنين.
هذا جوهر الانتقادات التي ذهبت إلى الأقصى بإعلان الرافضين للقانون ان هناك نية لجعل تونس «دولة البوليس»، وهو موقف المنظمات الوطنية التي لها كل الحق في اعتماد نهج الاحتجاج الذي تراه صالحا، لكن هذا لا يعني أن هناك من له القدرة على جعل تونس «دولة بوليس» فواقع البلاد تغير منذ2011.
قد يكون الإشكال الحقيقي القائم هو في اختلال مسار مشروع القانون منذ بدايته، ففلسفة سن القوانين تعتمد على بعض القواعد الأساسية من بينها، ما المراد من القانون وهل يمكن تحقيق المراد دون الحاجة لقانون خاص، وهنا تكمن التفاصيل والشيطان معا.
فحق الآمنيين والعسكريين في حماية أنفسهم وأسرهم هو حق لا يجادل فيه، اذ انه حق طبيعي لاي مواطن تونسي وباعتبار مهمتهم وحساسيتها، وهذا الحق لا ينفيه احد ولا يعارضه، لكن كيفية ضمان هذا الحق هي محل جدل وهو ما يجب ان يناقش بروية وعقلانية.
اذ ان مشروع القانون به عدة اخلالات، وقع فيها من سنه عن حسن نية او سوئها ليس هذا الجوهر، وإنما ما تؤسسه هذه الاخلالات من انتهاك لنص الدستور وروحه وتأسيس لانحراف خطير يمكن الإدارة وهي جهاز تنفيذي من لعب دور القضاء في تحديد ان كان هناك «جرم» ومخالفة ام لا.
حيث ان مشروع القانون في الفصل 18 منه يلغى اية مسؤولية جزائية عن عون القوات المسلحة ان تسبب في موت أو إصابة مواطن/معتدى لدى محاولته الاعتداء على العون او المقرات الأمنية على معنى الفصول13 و14و16 من مشروع القانون، وهنا الخلل لا يشمل منازعة السلطة القضائية دورها وصلاحيتها فهي الجهة الوحيدة المخولة لتحديد ان انتهك عون القوات المسلحة القانون من عدمه.
بعبارات أوضح مشروع القانون انحرف عن مقصده المعلن وهو حماية عون الأمن او العسكري وغيرهما من العاملين في قطاعات حاملة للسلاح من الاعتداء ليخصهما بحصانة تنتهك جملة من المبادئ الدستورية، وهذا احد ابرز الاخلالات في المشروع.
الاخلالات عدة لكن سيقع الاقتصار على أبرزها، ومنها التضييق على حرية التعبير والتظاهر، وهو ما يرد في جملة من الفصول التي احتوت على عبارات فضفاضة مبهمة وحمالة أوجه، كـ»أسرار الأمن الوطني» التي لم يقع تحديد مفهومها او نطاقها لتشمل كل فعل يصدر عن عون القوات المسلحة، منها العمل الروتيني في تسهيل حركة المرور او في إيقاف مشتبه بهم والأمثلة عدة.
هذا المنع والتضييق على نشر معطيات او معلومات جمعت كلها في سلة «أسرار الأمن الوطني» لا يفهم سببه، وان كان هناك إقرار وإجماع على ان ضرورة حماية أسرار الأمن الوطني لكن بعد تحديدها وليس تركها في المطلق لتتمدد لاحقا وتشمل كل معلومة، والخطر هنا ان يصبح نشر خبر اعتداء عون امن على موقوف او تعرض مشتبه به للتعذيب سرا من الأسرار يعاقب من يقوم بنشره.
تقديم الامثلة عن الاخلالات وتبيان موقع الانحراف فيها قد يشمل تقريبا كل فصول المشروع العشرين، وهي اخلالات تهدد بانحراف القانون عن مقصده، وهو حماية العاملين في القوات المسلحة، حماية هي من حقهم خاصة في ظل الحرب على الإرهاب والفساد في تونس وتسجيل حالات من الاعتداء بلغت اكثر من 5000 اعتداء على الآمنيين منذ 2011.
حق اريد ان يحفظ بمشروع القانون والحال انه كان من الأفضل ان يدرك المبادرون ان الحماية لا تتم بسن القوانين، فالأمنيون يتمتعون بحماية القانون حاليا وفق فصول المجلة الجزائية او النصوص الترتيبية والقوانين المنظمة لعمل الأسلاك، أنما ما يضمن الحماية هو تطبيق القانون فعليا دون استثناء وليس مواءمة المزاج العام.
هذا يحملنا على القول بأنه كان من الأجدر وربحا للوقت ان تنصرف الجهة المبادرة الى تنقيح فصول سابقة، منها الواردة في قانون عدد 46 لسنة 2005 و المؤرخ في 6 جوان 2005 المتعلّق بالمصادقة على إعادة تنظيم بعض أحكام المجلّة الجنائية و تنظيمها و صياغتها و هي الفصول 125 و 126 و 127 و 128 التي تجرّم فعل «هضم جانب موظّف». بما يشدد العقوبة على المذنب ان كان المعتدى عليه عونا حاملا للسلاح.