ترتفع اصوات قادة الاحزاب المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية لتعبر عن تصورات اصحابها لماهية التحوير الوزاري القادم وشكله وفق منطلقات حزبية صرفة باتت تتضح اكثر منذ تاكد الجميع ان التحوير الوزاري سيقع خلال الاسابيع الاربعة القادمة، بعد ان سرب المحيطون بالشاهد خبر قرب اجراء التحوير الوزاري الاسبوع الفارط.
قرب موعد التحوير اربك الاحزاب التي توقعته واستعدت له منذ ماي الفارط، لكنها فوجئت بحملة رئيس الحكومة على الفساد التي اعادت ترتيب الاوراق في المشهد السياسي وطوقت الشاهد بدرع متين ضد اية محاولة للاستغناء عنه، بعد ان باتت كواليس الاحزاب المشاركة في الحكم تتناقل اخبار طبخة سياسية تطيح بالشاهد قبل نهاية الصيف.
تغير المعادلة بما يجعل من الشاهد هو اللاعب الاقوى على الطاولة ادركته احزاب الحكم وبالاساس حركتي النهضة ونداء تونس واعتبرت في الكواليس التي تتخذ فيها قراراتها ان التحوير وتوقيته يشكل ضغطا كبيرا عليها في ظل تسارع وتيرة حملة الحكومة على الفساد وشبهة تورط نواب من الحزبين في ملفات اثارها القضاء والدعم الشعبي نسبيا لرئيس الحكومة الذي يوفر له اوراق لعب تمكنه من اجبار الاحزاب على الاستجابة لتصوره.
جلوس الشاهد الى طاولة الحوار بعد تسجيله لنقاط سياسية لا تترك خيارا للاحزاب غير مجاراته هو ما تبحث حركتا النهضة والنداء على استباقه من خلال خطوات بسيطة تتمثل في الاسراع بتقديم مبادرات سياسية تعكس تصوره الاحزاب للتحوير وما يجب ان يكون عليه الامر قبل ان يطرح الشاهد رسميا مبادرته عليهم اثر عودته من رحلته الى واشنطن.
سحب البساط والظهور بمظهر المبادر هو ما سارع به المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي، الذي نشر اول امس على صفحته الرسمية تدوينة يطالب بضرورة القيام بتحوير وزاريّ بعد مرور أكثر من 10 أشهر على التوقيع على وثيقة قرطاج. مع تقديمه لبسطة عن تصور حزبه لشكل هذا التحوير وهدفه.
اذ ان قائد السبسي الابن وإن بحث عن عبارات منمقة لا تعجل بصدامه مع رئيس الحكومة الا انه كشف انه والمجموعة المحيطة به تنظر الى الشاهد كـ « عدو » وتتخوف من ان يقلص عدد ممثليها في الحكومة، مما سينعكس سلبا على المجموعة صلب الحزب ويسرع بحسم الصراع الحزبي الداخلي لغير صالحها. لذلك اختارت ان تحذر على لسان المدير التنفيذي من « الحيف » و « الحرمان السياسي » الذي يعيشه الحزب حاليا وهو الحزب الفائز في الانتخابات.
ورقة نداء تونس لتحسين موقعه في الحكم ان لم يستطع تعزيزه، تقوم على مقولة « احقية الحزب الفائز بالانتخابات في الحكم »، وتعتبر ان كل محاولة لتقليص وجوده او نزع هذا الحق عنه هي التفاف على نتائج الانتخابات، وتعطيل أداء الحزب الأغلبي في إدارة الشأن العام، وهي استراتيجي يلمح المدير التنفيذي الى انها تنفذ عبر «الإيهام بتغول حركة نداء تونس ومحاولة سيطرتها على الحكومة » والحال ان تمثيلها ضعيف كما انها تحرص على إعطاء الحرية لرئيس الحكومة لاختيار فريق عمله وتوفير الظروف الملائمة لنجاح مهمته.
ولاضفاء سحنة من الفعل السياسي لتجنب ان يظهر الامر على انه بحث عن مواقع جديدة تمنح للحزب الذي يواجه اياما عصيبة بسبب الشبهات التي تلاحقه اختار قائد السبسي الابن ان يقدم الامر على انه « رؤية » سياسية يمتلكها نداء تونس تقوم على حتمية التحوير الوزاري، لكن التحوير « العميق » الذي يجب ان ينطلق من فهم شروط النجاعة والفاعلية في العمل الحكومي اضافة لشرط اساسي وهو احترام « اختيارات الشعب التونسي التي عبر عنها في انتخابات أكتوبر 2014 وأعطى ثقته لحركة نداء تونس كحزب أول فائز في الانتخابات بما يقتضي احترام هذه الإرادة الشعبية واحترام العملية الديمقراطية وعدم القفز عليها تحت أي مسمى من المسميات ».
هذه الجملة التي تكشف بشكل صريح عن الخوف ممّا سيحمله التحوير الوزاري من انباء غير سارة للحركة ان لم تتدخل هي بسرعة وتسعى لوضع سقف له وخطوط حمر امام الشاهد الذي تدرك انه بات في صدام خفي معها، وعبرت عن ذلك في اكثر من مناسبة ومنها في الاجتماع الذي جمعها بحركة النهضة في جوان الفارط.
ذلك الاجتماع الذي مثل بداية تحالف صريح بين الحركتين اللتين اعتبرتا ان الظرف الوطني والاقليمي يمنح الافضلية للشاهد ويجعله المتحكم الفعلي في مصيرهما، مما يجعلهما امام حتمية التعاون لتجنب ذلك، والتعاون شمل تصور التحوير الوزاري، ليعبر رئيس مجلس شورى النهضةعن موقف مشابه لموقف المدير التنفيذي من حتمية اجراء تحوير وزاري عميق يستجيب لنتائج الانتخابات ويراعي المصلحة الوطنية ولكن بالاساس يتم بالتشاور الكلي. وهي توليفة تعبر عن فطنة النهضة السياسية في اختيار كيفية التعبير عن دعمها للنداء لكن بعبارات مخففة لا تقدمها في شكل المتخندق في صف نجل الرئيس ضد رئيس الحكومة.
لكن التحوير لا يعني الحزبين الكبيرين فقط بل بقية الاحزاب التي خير جلها ان ينتظر انطلاق المشاورات الرسمية ليقدم تصوره باستثناء آفاق تونس الذي ينظر اليه من في الحكم على انه يبحث عن تحسين اوراق تفاوضه قبل الجلوس مع الشاهد ومن ذلك التلويح بامكانية الخروج من الحكومة ان لم تكن تتناغم مع تصوره.