لا احد يعلم شكلها ما عدى أن من سيشكلها هم الجيل الرابع من التنظيمات الإرهابية، المرجح أن تكون أكثر دموية وعنفا.
يتواصل تقدم القوات العراقية في محور الموصل شمال البلاد منذ أسابيع، لتتمكن من تحرير جل الأراضي التي أخضعها تنظيم «داعش» منذ 2014 لسيطرته وأطلقت عليها اسم دولة الخلافة جاعلا من الموصل عاصمتها. لكن الحدث كان يوم امس حينما نشرت صور وحدات مكافحة الإرهاب العراقية تفتش جامع النوري الكبير، المكان الذي اعلن منه تأسيس الخلافة واطل البغدادي علينا لمرة وحيدة.
تحرير الموصل، باستثناء بعض مناطق الموصل القديمة، من مقاتلي تنظيم «داعش» الإرهابي، خبر تناقلته جل وسائل الإعلام وخصصت له الحيز الهام في نشراتها وجعلته القصة الرئيسية، مبرزة قصص من عاشوا تحت سيطرة التنظيم وتبحث عن الإجابة عن مستقبل المنطقة بعد داعش ومصير الحرب ضد ذات التنظيم في سوريا.
تحرير الموصل وأهمية الانجاز وتداعياته على المنطقة والعالم لم يحجب حيرة سؤال ماذا بعد «داعش»، خاصة في ظلّ معطيات عديدة تدفع الفاعلين الإقليميين والدوليين وتونس أيضا، الى محاولة استشراف المرحلة القادمة، لا فقط عمليات انتقامية من انهيار التنظيم، قد تشمل عمليات إرهابية تستهدف المدنيين في عدد من العواصم، وإنما ماهية التنظيم الإرهابي القادم الذي سيتصدر المشهد.
عمليات إرهابية انتقامية
الهاجس الأول الذي يفسد فرحة النصر ضد تنظيم داعش، هو الهاجس الامني وخشية وقوع عمليات كبرى او استنزاف القوات العراقية في الموصل في حرب عصابات طويلة الامد، خاصة وان تنظيم داعش لجأ الى هذا التكتيك، المتمرس فيه، اثر خسارته لمساحة شاسعة من الأراضي وفقدانه السيطرة على أخرى.
اذ وفق معطيات وتقارير صحفية نسبة إلى مسؤولين أمريكيين فان العديد من أتباع تنظيم «داعش» الإرهابي، خاصة من العراقيين قد عادوا للاختلاط بالسكان في المناطق التي خسروا فيها كالفلوجة والرمادي، مع التحذير من ان المندمجين يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية مستقبلا. لكن خشية العواصم الكبرى لا تتعلق بما قد تعيشه العراق، بل من ان ينفذ موالون للتنظيم الإرهابي عمليات انتقامية في الأيام القادمة، تكون اعنف من سابقاتها ومتعددة.
وتخشى العواصم الدولية ان تصبح الرقة قاعدة تخطيط ودعم للعمليات الإرهابية مستقبلا، خاصة وان الرقة وهي الجزء السوري ممّا سمي «دولة الخلافة» لا تزال تحت سيطرة قادة التنظيم رغم الضربات التي تلقوها من قبل الجيش السوري والجيش الروسي ، والتي أدت إحداها إلى مقتل أكثر من 30 قياديا في التنظيم ومن بينهم أبو بكر البغدادي كما ترجح وزارة الدفاع الروسية.
الجيل الرابع للإرهابيين
في انتظار وضوح الرؤية خلال اليومين القادمين لمعرفة المنحى الذي سيتجه فيه القائمون على تسيير التنظيم الإرهابي، يبدو واضحا ان تحرير الموصل وما له من دلالات وأبعاد تفيد بانهيار «الدولة» - وان النهاية الفعلية باتت مسألة وقت- ستدفع بالغاضبين ممن يطلق عليهم بـ«المهاجرين» للتفريق بين المنتسبين الأجانب من مختلف الجنسيات وبين السكان الأصليين من العراقيين والسوريين، إلى التعجيل بحسم جملة من المسائل الفقهية والعقائدية العالقة، تمهيدا للإعلان عن «نهج» جديد في تكتيك الجماعات الإرهابية.
لكن قبل الخوض في أسباب تولي «المهاجرين» لمسألة التأصيل الفكري والعقائدي للتوجه الاستراتيجي الجديد، وجب العودة لمحطات عاشتها التنظيمات الإرهابية ما قبل داعش، التي تمثل الجيل الثالث من التنظيمات الارهابية، اذ كانت «القاعدة» هي الجيل الثاني بعد التنظيمات التكفيرية الجهادية التي تشكلت في ثمانينات القرن العشرين في مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية وسوريا، التي كانت هي الجيل الأول.
منسوب العنف والدموية وتضييق دائرة المسلمين/المؤمنين هي ما يمكن ان يعتمد للتمييز بين كل جيل من الاجيال الثلاثة، وباعتماده يمكن إدراك ان تنظيم «داعش» مثل طفرة في فكرة الجماعات الارهابية واحدث نقلة تتمثل في إقامته «للخلافة» والسيطرة على الأرض، منهيا الجدل حول هل الأفضل محاربة العدو القريب أم البعيد.
«داعش» الذي جسد الجيل الثالث من التنظيمات الإرهابية عمل وفق إستراتيجية «إدارة التوحش: أخطر المراحل التي ستمر بها الأمة»، وجد نفسه في خضم المعارك ضده يبحث عن كبح تمرد «عقائديي/استراتيجي» داخله قاده «المهاجرون» الذين طالبوا بوقف العمل بمبدأ العذر بالجهل. تمرد شكل نواة لفكر تكفيري جديد قد يشكل لنفسه تنظيما على انقاض تنظيم داعش في المرحلة القادمة.
اذ تاريخيا و بعد فشل او انتهاء مرحلة يشهد التنظيم الإرهابي المهيمن حينها انقسامات وبروز أصوات على اليمين تحمل مقولات أكثر راديكالية تمهيدا لتشكيل نواة تنظيمات جديدة تحمل الفكر ذاته بتكتيكات مغايرة، وفي الحال الراهن فان التنظيمات التي قد تطفو على السطح ستنطلق من تبني فكر ومنهج يقوم على ان «داعش» أخفق في الحفاظ على كيان «الدولة» بسبب انحرافات تتعلق بالأساس بمبدإ العذر بالجهل. هذه المؤشرات تفيد بأنه من المرجح جدا أين يكون ورثة «داعش» أكثر تطورا ودموية وان قائمة أعدائهم ستشمل الجميع دون استثناء او تصنيف طائفي، لذا وجب الانتباه مما قد تحمله التطورات القادمة