هذه الاستشارة تهدف أساسا إلى تقديم مشروع القانون الأساسي، الذي تولّت إعداده لجنة فنية بوزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، إلى جانب إطلاق التحاور بخصوص أهم الأسس والركائز التي انبنى عليها المشروع ومختلف الخيارات والتوجهات المعتمدة بما يضمن فعالية ونجاعة تدخل وعمل الهيئة في المشهد المؤسساتي لحقوق الإنسان، إلى جانب التشاور وتجميع التوصيات والملاحظات التي صدرت عن مختلف الفاعلين في هذا المجال، من وزارات وهيئات ومكوّنات المجتمع المدني، بهدف إثراء مشروع النص القانوني المقترح.
قانون أساسي يضمن لها الاستقلالية التامة
مشروع قانون سيمكن هيئة حقوق الإنسان، التي مازالت لم ترتق بعد إلى منزلة الهيئة الدستورية، باعتبار أن إحداثها كان استنادا إلى مراسيم، من الاستقلالية التامة، بالتالي استيفاء شروط إرساء الهيئة الدستورية والعمل في كامل الشفافية، سيما وأن الفصل 125، الذي وضع نقاطا مشتركة بين جميع الهيئات الدستورية، بما فيها تمتعها بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية والإدارية، لم يكن كافيا لتكريس استقلالية هذه الهيئة ماليا وإداريا، علما وأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي الهيئة الوحيدة من بين الهيئات الدستورية الخمس، التي تستجيب لشروط الهيئة الدستورية ولها قانون أساسي ينظمها.
وفي سياق هذه المرحلة التي تقتضي استكمال المشهد المؤسساتي الجديد للدولة، أكّد وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان كمال الجندوبي، أهمية الأولويات الاستراتيجية المطروحة، من ذلك وضع قانون إطاري يضبط القواعد المشتركة للهيئات الدستورية والعمل على التسريع بإرسائها، وأهمية الدفع بالإصلاحات والتدابير لإرساء منظومة وطنية متكاملة لحقوق الإنسان ببعديها التشريعي والمؤسساتي، مضيفا أن الوزارة عملت على إرساء آلية وطنية لإعداد وتقديم التقارير ومتابعة التوصيات الصادرة عن المؤسسات واللجان والآليات الأممية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان، كما أنها بصدد استكمال عدد من مشاريع القوانين، من ضمنها القانون الأساسي لهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وهيئة حقوق الإنسان وهيئة الاتصال السمعي البصري.
غياب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن التركيبة
رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريّات الأساسية توفيق بودربالة، أكّد لـ»المغرب» أن الهيئة الحالية التي تمّ استكمال تركيبتها مؤخرا بقرار رئاسي، ستستمرّ في عملها إلى أن يتمّ المصادقة على القانون الأساسي من قبل مجلس نوّاب الشعب وذلك خلال سنة على أقصى تقدير.
وتتكون هذه الهيئة حسب الفصل 128 من الدستور، «من أعضاء مستقلّين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدّتها ستّ سنوات، وتتولى مراقبة احترام الحريّات وحقوق الإنسان، وتعمل على تعزيزها، وتقترح ما تراه لتطوير منظومة حقوق الإنسان، كما تُستشار وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها، وتحقّق في حالات انتهاك حقوق الإنسان لتسويتها أو إحالتها على الجهات المعنية».
كمال الجندوبي قال في كلمته الافتتاحية إثر أشغال الاستشارة الأولى حول المشروع، إنه تم الأخذ بعين الاعتبار ما نصّ عليه الدستور، وخصوصيات السياق الوطني، وما تقتضيه المعايير الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان خاصة «مبادئ باريس» من استقلالية وتمثيلية وطرق تسيير وضمانات، وتتسم هذه «المبادئ» بالاتساع والعمومية، وتنطبق على جميع المؤسسات الوطنية بغض النظر عن هيكلها أو نوعها، كما تعلِن هذه المبادئ أن المؤسسات الوطنية ينبغي أن تكون تعدُّدية وأن تتعاون مع طيف من المجموعات والمؤسسات الاجتماعية والسياسية، بما فيها المنظمات غير الحكومية والمؤسسات القضائية والهيئات المهنية والدوائر الحكومية، إلا أننا نلاحظ تغيب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن التركيبة المكوّنة لهذه الهيئة، وفي هذا السياق قال عضو الهيئة المديرة للرابطة، علي زديني
لـ»المغرب» إن سبب عدم وجودهم في هذه التركيبة هو رفض الرابطة المشاركة فيها لاعتبارها غير مستقلّة وغير منسجمة مع المعايير الدولية، سيما «مبادئ باريس»، مؤكّدا أن الرابطة عبّرت في أكثر من مناسبة عن رأيها في هذه الهيئة.
وتمثّل هذه الاستشارة، بداية المسار التشاوري حول مشروع هذا القانون، حيث سيتم تنظيم مجموعة من الاستشارات بالجهات طيلة شهر مارس، تليها استشارة أخيرة في 23 منه بتونس العاصمة حتى يتمّ التوافق بين كل المتدخلين والفاعلين في مجال حقوق الإنسان حول هذا المشروع، كما سيتمّ في آخر هذه المشاورات تجميع مختلف التوصيات والملاحظات حول هذا المشروع في تقرير نهائي، قصد اعتمادها لإثراء مشروع القانون وتحسينه كي يستجيب لمتطلبات المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان.