يتفقوا، من الصعب ان تذهب الحكومة بعيدا في ملف التشغيل الذي قد يطيح بها قبل انتهاء السنة.
أقل من 24 ساعة عن افتتاح أشغال المؤتمر الوطني للتشغيل، التقى رئيس الحكومة الحبيب الصيد بوفد من الاتحاد العام التونسي للشغل يترأسه الأمين العام حسين العباسي ووفدا عن اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية تترأسه الأمينة العامة وداد بوشماوي، لوضع آخر اللمسات والتحضيرات لانطلاق المؤتمر تحت عنوان بلورة استراتيجية حكومية واضحة الملامح لتجاوز أزمة البطالة تمر عبر تقديم تصور واضح لتحقيق التنمية الجهوية والتمييز الايجابي بين الجهات.
والصورة التي نشرتها خلية الإعلام والاتصال برئاسة الحكومة لهذا اللقاء الذي شارك فيه وزير التشغيل والتكوين المهني زياد العذاري، بينت ان الصيد يضع المنظمتين قبالته على الطاولة وهي الحقيقة على الأرض والتي يدركها الصيد جيدا.
فحكومة الصيد تعلم أن أي مقترح سقدم في الحوار لن يقع تنفيذه على ارض الواقع الا ان دعمه الجميع، وبالاساس ان دعمه الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الاعراف، وهنا مربط الفرس، فالمنظمتان لن تجدا نفس الحلول والتقارب بينهما صعب.
فالاتحاد العام التونسي للشغل يطالب بان يقع الاخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي في الملف وان لا تكون الحلول على حساب الشغيلة على غرار تجميد الزيادة في الأجور او اتخاذ اجراءات مشابهة، وهو ما يقابله تشديد منظمة الأعراف على ان الوضع اليوم يستوجب حالة طوارئ اقتصادية تمنع فيها الإضرابات وتجمّد فيها مفاوضات الزيادة في الأجور.
وقوف المنظمتين على طرفي نقيض، في ملف الحوار الوطني للتشغيل لا يقتصر على هذا الحد بل يشمل ملفات اخرى كالتشغيل الهش للشباب وفق آليات حكومية، وملف التغطية الاجتماعية وتصور المنوال التنموي وغيرها من الملفات.
ومعضلة الصيد ليست مع المنظمتين الوطنيتين، فهو يدرك جيدا أن نجاح الحوار الوطني للتشغيل منوط بعدد من الشروط، منها حلول لأزمة البطالة تكون جدّية ومبتكرة وتحظى بدعم كل الأطراف الفاعلة في البلاد، ثانيها ان تتجنب الحكومة إطلاق وعود غير قادرة على تحقيقها، وان تنتقل الحكومة من حالة التردد إلى الجرأة في اتخاذ القرارات والخيارات السياسية لتقلل من اي رفض للحلول ان استجابت للشرط الاول.
وقد برزت أول العقبات أمام الحوار الوطني للتشغيل الذي اقترحت تنسيقيّة الإئتلاف الحكومي، عقده على خلفية موجة الاحتجاجات التي شهدتها 14 ولاية، 13 منها من الولايات ذات الأولوية، في شهر جانفي الماضي، وبات نجاحه هاجسا للحكومة، بإعلان الجبهة الشعبية واتحاد المعطلين عن العمل عن مقاطعته.
هذه المقاطعة جاءت ساعات قبل انطلاق مؤتمر راهنت الحكومة على انه سيقدم حلولا لأزمة التشغيل في تونس، في ظلّ ارتفاع نسبة البطالة لتبلغ 15.4 في أواخر 2015، بعد ان كانت في حدود 15 في بدايته، في انتظار الإعلان عن نسبة الثلاثي الأول من 2016.
وقد أوضح الجيلاني الهمامي، عضو مجلس النواب عن الجبهة الشعبية، أن مقاطعة الجبهة للمؤتمر مردّها أنها لا تنتظر شيئا منه، باعتباره غير مجدي كما أنه يعكس سياسة التهرب من المسؤولية التي تتبعها الحكومة في ملف التنميّة والتشغيل. فالحوار الوطني للتشغيل من وجهة نظر الهمامي لن يقدم الكثير من الحلول في أزمة التنمية والتشغيل في ظل غياب إرادة سياسية فعليّة لتفعيل الحلول التي ستقدم على ارض الواقع .
هذا الموقف المقاطع الذي عبرت عنه الجبهة الشعبية قد يتبعه إعلان لرفضها للحلول المقترحة وهو الأمر المرجح الذي لن يكون حكرا على الجبهة، فأحزاب المعارضة تحمل تصورا مخالفا لأحزاب الحكم في ملف التشغيل والتنمية، كما أنها تحملها مسؤولية تردى الأوضاع.
وهو ما لا تقر به أحزاب الحكم، ومن بينها حركة نداء تونس التي قال المتحدث باسمها عبد العزيز القطي ان وضع ملف التشغيل على طاولة الحوار الوطني هو «أمر إيجابي» خصوصا وأن الحوار سيشارك فيه مختلف المتداخلين في الشأن العام وسيفرز حلولا وقعت صياغتها بالتوافق بينهم عبر «المقاربة التشاركية».
والأهم في الحوار الوطني هو إعطاء الأمل للشباب، وفق القطي، الذي شدّد على ان الحكومة والأحزاب والمنظمات يسعون لتقديم حلول ممكنة تساعد على توفير مواطن شغل للشباب، دون أن يغفل عن القول أن التشغيل هو أحد أوجه مكافحة الإرهاب.
ما بين تصورات تتناقض في جوهرها وظاهرها سينطلق الحوار الوطني للتشغيل، الذي سيواكب افتتاحه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حوار يراهن الكل على أنه العصى السحرية لأزمة البطالة التي قد تطيح إن طالت بالحكومة الحالية التي ستكون قد فشلت بعد اكثر من سنة ونصف منذ تقلدها لمهامها في التخفيض من نسب البطالة بل ارتفعت في عهدها بنصف نقطة وهي مرشحة للزيادة.