حركتا النهضة ونداء تونس: تحالف انتخابي شبه محسوم في انتظار التسويق له

في السياسة كما الشطرنج، الخطوات الأولى تحدد إستراتيجية اللعب، وان طبق الأمر في قراءة ما أعلنه رئيس حركة النهضة وكيف تفاعل معه قادة نداء تونس شق حافظ قائد السبسي، يمكنك الجزم بان الاثنين يتجهان للتحالف، وهو ما تؤكده كواليس الحركتين والنقاشات بين مهندسيها

التي تذهب إلى تحديد سيناريوهات التحالف بتفاصيلها، في ظل استمرار البحث عن إخراجها في ثوب يقنع أبناء البيت وناخبيه.

لا يطلق رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أية مبادرة يدرك أن حليفه الأساسي يعترض عليها، فـ»الشيخ» بعد ان تباحث مع رئيس الدولة بخصوص الانتخابات البلدية، أعلن عن توجه أولي لحركته بعقد تحالفات انتخابية، ترك قوسيها مفتوحين ليظن الجميع أنهم معنيون.
لكن في الحقيقة فكرة الغنوشي، التي أعلنها بشكل غير رسمي، لا تتوجه بالأساس إلا لحركة نداء تونس، وما بقية الأحزاب ان التحقت بمبادرته إلاّ لجعل الأمر قابلا للتسويق في صفوف قواعد الحزبين، تماما مثل ما حدث في حكومة الصيد، اذ ان تسويق الامر يمثل إشكالا للحزبين. اما عن التحالف الانتخابي، فجل السيناريوهات اتضحت ابرز ملامحها لدى الطرفين، من حيث شكله وأهدافه وما المكسب الذي سيحقق لكل طرف منهما وما سيخسره.

فحركة النهضة التي أعربت منذ اشهر عن رغبتها في الذهاب الى الانتخابات البلدية في اطار توافق سياسي وانتخابي يخفض من حدة التنافس بين الأحزاب كي لا يؤثر ذلك على الانتقال الديمقراطي، وهي الحجة التي تسوقها الحركة غير الراغبة في ان تتورط حاليا بتصدر المشهد وتولي الحكم والتسيير.

النهضة التي لا تزال تنظر الى محيطها على انه غير متقبل حاليا لاستحواذها على الحكم بمفردها، وينظر بشك الى كل خطواتها، تعتبر ان الذهاب بمفردها في الانتخابات البلدية دون تحالف مع نداء تونس، الذي يمثل وفق تصنيفها العائلة الوسطية الحداثية، سينتهي بان تتصدر الحركة الانتخابات البلدية وان تفوز بالمرتبة الأولى، وهي مرتبة تخشى منها رغم رغبتها فيها.

خشية الحركة أن تتكرر تجربة 2011، وتكون قوة سياسية بمفردها دون مقابل لها يحدث التوازن الذي يطمئن المتابع الداخلي والخارجي، يجعلها تنظر إلى تحالفها مع نداء تونس، على انه أمر حتمي لاستمرار الوضعية المريحة التي تعيشها اليوم التي تمكنها من هامش للمناورة وتحسين صورتها، وتثبت أقدامها في أجهزة الدولة.

حتمية بقاء حركة نداء تونس في الصورة، وفي موقعها كقوة سياسية أولى في تونس تدفع بحركة النهضة إلى جعل مسألة تحالفها مع النداء باي شكل ممكن، امرا مفروغا منه وشبه محسوم.

ولأن المصلحة هي التي تحدد العلاقات السياسية، فان نداء تونس بدوره ينظر الى مسألة التحالف مع حركة النهضة على أنه أمر في صالح الحركة التي يدرك القائمون عليها أن آلتها الانتخابية أصابها الإهتراء وأنها فقدت نصف خزانها الانتخابي بشكل صريح، رغم حفاظها على المرتبة الأولى في نوايا التصويت.

وليس هذا فقط ما يؤرق قادة حركة نداء تونس شق حافظ قائد السبسي، بل عدم جاهزيتها الان لخوض الانتخابات البلدية في ظل صراعات داخلية وتفكك الحركة التي بات مصيرها مرتبطا بما ستحققه في الانتخابات البلدية، التي تراهن على ان لا يكون المنشقون عنها في مراتب متقدمة عنها، كما تراهن على ان تكون في المرتبة الثانية في أسوإ الحالات.

رهانات تدفعها بل وتجبرها على اعتبار التحالف مع حركة النهضة باي شكل، أمرا له ايجابياته التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار في تقرير الأمر وتسويقه للقواعد والناخبين، والاخيران هما ما يثيران خشية حركة نداء تونس، التي تعتبر ان قصر قرطاج يدعم فكرة التحالف وسيقوم بتقديم إخراج مقنع لها.

حتمية التحالف يبدو أنها امر مفروغ منه لدى الطرفين، لكن كيف يقع ذلك هو ما ينشغل العقل السياسي لكليهما في البحث عن ايجابيات له، في ظل طرح سيناريوهات متعددة، تنطلق من تحالف وطني يجمع الحركتين مع أحزاب أخرى، تمنح كليهما غطاء.

هذا السيناريو الذي يوضع على رأس قائمة الخيارات، لا يخلو من عقبات أبرزها هوية الأحزاب وكيفية تفاعل الراي العام مع الأمر، وهو ما يجعلها تضع سيناريو تحالف مختلف، يقوم على تقسيم خارطة البلديات، اي ان كلى الحركتين قد تتنافسان في احدى البلديات فيما تتحالفان في اخرى.

توجه يقوم على ان البلديات الكبرى او التي تقع في المدن ستكون محل تنافس ومن الأفضل بين الحركتين ولكن في ظل خطاب انتخابي لا يصعد ضد الأخر، في ظل اتفاقات وطنية بالتسيير المشترك لاحقا للبلديات. أما البلديات في المناطق الداخلية البعيدة عن الضوء فسينظر الى خيار التحالف كخيار أولي. فالبلديات الصغرى التي تنخفض فيها الكثافة السكانية وعدد الناخبين، يمكن تسويق التحالف فيها على انه ضرورة وليس خيارا،

سيناريوهات التحالف المتعددة تظل مرتبطة بتفاعل الراي العام مع خطوات الحركتين اللتين قد يدفعهما رد فعل قواعدهما الى التراجع عن فكرة التحالف الانتخابي والبحث عن بدائل تضمن حفاظهما على مصالحهما والتوازنات العامة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115