حصاد سنة 2016: تعثر إعادة تشكيل المشهد السياسي وبطء في الإصلاحات الكبرى

• تخبط العائلة اليسارية، غياب الحزب الوسطي الكبير، وخروج صراعات النهضة للعلن

تركن الطبقة السياسية خلال اليومين القادمين الى راحة شبه إجبارية، نتيجة عطلة نهاية السنة الإدارية، ولعل اهل السياسة في تونس وصناع القرار قد يمضون يومهم الأخير في سنة 2016 في تقييم الحصاد، وما حقق وانجز في سنة وضعت عليها رهانات كبرى، أولها الإصلاح وإعادة تشكيل الخارطة السياسية، لكن الرهانات ظلت أمنيات ستنقل الى السنة الجديدة، التي يأمل صناع القرار والطبقة السياسية ان تنتهي بتحقيق معجزات.

في مثل هذا اليوم من السنة الفارطة كانت أمنيات الطبقة السياسية التونسية ان تكون سنة 2016 سنة استثنائية يتحقق فيها ما تعثر في السنوات الخمس الفارطة منذ الثورة، استعادة الاستقرار السياسي، تعافي الاقتصاد والانطلاق في الإصلاحات الكبرى.
لكن هذه الأمنيات ظلّت على حالها، فالاستقرار السياسي ظل بعيد المنال، حيث استهلت السنة بتحوير وزاري وبالأحرى تشكيل حكومي جديد، اتجه إليه الحبيب الصيد بعد سنة من تعثر حكومته الأولى وعجزها عن تحقيق ابرز مهامها، إعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومكافحة الفساد والقيام بإصلاحات.

مهمة ظن الصيد ومن سانده انها ستتحقق بتغيير ثلثي الوزراء وجعل الحكومة اكثر تحزبا من ذي قبل، لكن 6 أشهر مرة كانت كافية لتكشف عجز الحكومة الثانية عن تحقيق اي تطور، وليس الذنب ذنبها وحدها وإنما هو مسؤولية الطبقة السياسية برمتها.
فسنة 2016 كانت سنة الأزمات بامتياز للأحزاب، خاصة حركة نداء تونس التي عقدت مؤتمرها الاول في جانفي 2016 وأملت ان ينهي تصدعها ولكن حدث العكس ولا يزال يتواصل. مما غذى تنافسا حادا بين أحزاب الوسط الطامحة لملء الفراغ الناجم عن تفكك نداء تونس وتشرذمه.

تشرذم مثل عقبة وأزمة ليس على الندائيين بل على كيان الدولة مما دفع برئيس الجمهورية الى إطلاق مبادرة سياسية في ماي 2016 تهدف الى تشكيل حكومة جديدة و إعادة رسم المشهد السياسي بتشكيل قطب سياسي جديد يحل مكان نداء تونس.
هذه المبادرة التي انتهت بتشكيل حكومة يوسف الشاهد التي حملت في أولها اسم حكومة وحدة وطنية لكنها سرعان ما فقدت هذه الصفة، فحكومة الشاهد التي جاءت بعد نقاشات لأكثر من شهر شاركت فيها 9 أحزاب والمنظمات الوطنية الاجتماعية، وقد انسحبت منها أسابيع قبل نهاية السنة حركة مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر.

حكومة ما كانت لترى النور لولا دعم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان هو الطرف المستهدف بالأساس بالمبادرة، واستهداف الاتحاد مرده بحث عن الاستقرار الاجتماعي ودعم للحكومة في مشاريعها الإصلاحية، التي انطلقت بها عند التكليف وخفتت حدتها تباعا مع الأيام.

مبادرة رئيس الجمهورية التي تقف على ركيزتين، حكومة وحدة، وقد حقق الأمر، وكيان سياسي جديد يدعم الحكومة ويسندها، وهنا تعثرت المبادرة التي بحثت رئاسة الجمهورية بقنوات غير رسمية عن تحقيقها ودفع الأحزاب الوسطية والمنشقين من النداء على التجمع مرة أخرى ولكن ليس في حزب سياسي بل في جبهة .

جبهة لا يبدو أنها سترى النور بالشكل الذي رغبت فيه رئاسة الحكومة، فالعنصر الأساسي الذي كانت تشتغل عليه الرئاسة هو تجميع الأحزاب في فلك نداء تونس، والحال ان النداء تشرذم أكثر قبل نهاية السنة ومن المنتظر ان يشهد تصدعا إضافيا في السنة القادمة.

مقابل المبادرة الرئاسية أطلقت مجموعة من خصوم شق نجل الرئيس مبادرتهم السياسية الباحثة عن تشكيل ائتلاف انتخابي، هذه المجموعة التي تضم حركة مشروع تونس، والاتحاد الوطني الحر ومجموعة الإنقاذ في حركة نداء تونس، مع الإبقاء على الاتصال قائما مع عدد من الأطراف الأخرى. تطمح الى ان تتمكن قبل حلول الانتخابات البلدية من تحقيق ذلك.

فالمقاربة السياسية التي ينطلق بها الفاعلون في هذه المجموعة هي ان المشهد السياسي في حاجة الى حزب او كيان سياسي وسطي يكون قبلة للناخبين بعد تفكك نداء تونس، وهي ذات المقاربة التي يشتغل بها كل من مهدي جمعة الذي يعد لانطلاقته السياسية والحزبية والمنذر الزنايدي بل وأحزاب الوسط الديمقراطي كما ترغب في ان تحمل من اسم وهو الحزب الجمهوري والتحالف الديمقراطي والتكتل التي عجزت طوال 2016 من تشكيل جبهة سياسية مشتركة.

عجز عن تجاوز الصراعات والخلافات الداخلية ليس حكرا على مجموعة الأحزاب تلك بل انتقل الى الجبهة الشعبية التي مرت عليها سنة 2016 مرورا غير محمود، فالجبهة عانت طوال السنة من صراعات وخلافات داخلية حرصت على ان لا تجد طريقها للنور، إلا في حالات نادرة كما في حالة تجميد عضوية القطب الديمقراطي.

الحفاظ علي سرية الصراع الداخلي ومنع نشر الغسيل الداخلي للجبهة، التي عرفت انسحابات لإطارات من الأحزاب المكونة لها وتعدد الخلافات بين الكتلة البرلمانية وبين مجلس الأمناء، يقابله نشر للغسيل الداخلي لحركة النهضة قبل عقد مؤتمرها العاشر وبعده.
صراعات النهضة التي وجدت طريقها للعلن سببها خلافات بشأن تعديل وجه الحركة هل تبقى حركة إسلامية او تصبح حزبا مدنيا. لينتهي الأمر بمغادرة عدد من القيادات التاريخية لمراكزها التنفيذية واختيار التموقع في مجلس الشورى في وجه مد رئيس الحركة.
سنة 2016 لها من الحصاد السياسي الكثير لكن ابرز تقاطعاته هي تلك التي تعكس تغيير المشهد وتواصل تفككه قبل مرحلة اعادة التشكل التي سيراهن الجميع على انها ستكون في السنة القادمة والخوف من ان تكون 2017 كمن سبقها من سنوات عجاف على الصعيد السياسي والاصلاحي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115