على رأسها نقل الصلاحيات من المركز الى السلط المحلية: 9 سنوات لاستكمال مسار تكريس اللامركزية في تونس

إنطلاقا من الإنتخابات البلدية المقبلة سيُعهد للمجالس البلدية كأحد أصناف الجماعات المحلية دور تنموي واقتصادي ولكن هذا الدور النابع اساسا من إستقلاليتها الإدارية والمالية يمرّ حتما عبر مشروع مجلة الجماعات المحلية التي تُعتبر الحلقة الأهم في مسار تكريس اللامركزية

بإعتبار ان المشروع هو المحدّد للصلاحيات الجديدة للجماعات المحلية بكل اصنافها وتلك التي ستٌنقل اليها من السلطة المركزية بالإضافة الى التمويلات سواء الذاتية أوتلك التي مصدرها المال العمومي.
مشروع مجلة الجماعات المحلية وموقعها المحوري في تفعيل الباب السابع من الدستور وتكريس اللامركزية خاصة فيما يتعلق بما تتضمنه من صلاحيات الجماعات المحلية وتحديدا تلك التي ستُنقل اليها والموارد المالية اللازمة لإيفائها بصلاحيتها او بالاحرى بدورها الجديد كفاعل تنموي واقتصادي نقطتان مثلتا محور نقاش بين وزير الشؤون المحلية يوسف الشاهد وممثلين عن كل الكتل البرلمانية بمجلس نواب الشعب وخبراء من المجتمع المدني في إطار مائدة مستديرة نظمتها جمعية «كلنا تونس» بعنوان «صلاحيات السلطات المحلية والديمقراطية التشاركية: الفرصة الاخيرة». لئن تضمن مشروع مجلة الجماعات المحلية تفاصيل عديدة لتناول صلاحيات الجماعات المحلية بكل اصنافها لكنها من وجهة نظر عدد من المشاركين في المائدة المستديرة تبقى غير محددة بدقة وتكسوها ضبابية مما سيفتح في المستقبل باب النزاعات في الصلاحيات بين الجماعات المحلية والسلطة المركزية او ممثليها وخاصة الولاة وسيعرقل عمل الجماعات المحلية.

فالسلطة المحلية في المستقبل ستحظى بالاستقلالية المالية والادارية وهو ما يقتضي إعادة توزيع الصلاحيات بين المركز والجماعات المحلية وما نص عليه الدستور من مبدإ التدبير الحر من شانها تغيير الوجهة التنموية في الجهات خاصة ان البلاد في حاجة الى التخلي عن مركزية القرارات ذات الصبغة التنموية وحتى وزير الشؤون المحلية يوسف الشاهد كان من المتبنين لهذه الفكرة بل وذهب الى ابعد من ذلك حيث اكّد ان المركزية المفرطة ساهمت في تعطيل العديد من المشاريع رغم رصد تمويلاتها ولكن في النسخة الأخيرة لمجلة الجماعات المحلية وقع توضيح الصلاحيات اكثر بالإضافة الى انه سيتفرّع عنها 12 قانونا مما سيزيح كل ضبابية عن تداخل الصلاحيات بين السلطة المركزية او ممثليها والسلط المحلية.

تدرّج في نقل الصلاحيات
لكن ورغم الإقتناع بضرورة تفويض ونقل الصلاحيات الكفيلة بقيام الجماعات المحلية بدورها الجديد كفاعل تنموي واقتصادي فانه سيقع اعتماد مقاربة التسريع والتدرّج في توزيع الصلاحيات وربطها بالموارد المالية والبشرية فمسار تكريس اللامركزية معقّد وصعب ويتطلب بين 10 و15 سنة لتركيزه وفق تعبير وزير الشؤون المحلية يوسف الشاهد خاصة فيما يتعلّق بنقل الصلاحيات وتوفير الموارد المالية للجماعات المحلية بكل اصنافها حتى تصل الى درجة الإستقلالية المالية والادارية.
هذا التعقيد دفع بوزارة الشؤون المحلية ومن قبلها إدارة الجماعات المحلية صلب وزارة الداخلية الى بلورة استراتيجية صادقت عليها الحكومة منذ جوان 2015 وتمتد على 9 سنوات (قُسمت الى 3 مراحل) في علاقة بنقل الصلاحيات من المركز الى السلط المحلية والتمويلات كذلك حيث سيتم نقل خلال الثلاث سنوات الأولى التي ستتلو الإنتخابات البلدية والجهوية 15 % من جملة الصلاحيات التي هي حاليا بيد المركز وهي في حدود 1482 صلاحية.

الموارد المالية المحلية
كل تلك الصلاحيات التي ستُنقل اليها تصبّ اساسا في دائرة الدور التنموي والإقتصادي الذي ستلعبه الجماعات المحلية بكل اصنافها والذي يستوجب تمويلات ضخمة وهو العقبة الأكبر في مسار تكريس اللامركزية وإستقلالية الجماعات المحلية فحاليا تمثل الميزانية المرصودة للجماعات المحلية قرابة 3 % من ميزانية الدولة فيما تبلغ في دولة المغرب مثلا حوالي 15 % اضافة الى ان مساهمة الجماعات المحلية في الناتج القومي الخام لا تتجاوز 1 % مما يطرح إشكالية مساهمة الدولة في تمويل الجماعات المحلية من جهة وإيجاد مصادر للتمويل الذاتي.

ووفق مشروع مجلة الجماعات المحلية سيقع نقل مداخيل الجباية الى الجماعات المحلية بالإضافة الى ان صندوق دعم اللامركزية وصرف المنح سيكون من طرف لجنة محايدة حتى لا تتدخل السلطة المركزية بصفة مباشرة في تمويل الجماعات المحلية وتنتفي استقلاليتها بذلك ولكن هذا التمويل العمومي سيخضع للتمييز الإيجابي (خاصة ان 17 بلدية تمثل مداخليها قرابة 60 % من المداخيل الجملية للبلديات في تونس) وسيكون وفق شروط على رأسها حسن التصرف في المال العمومي مع تحديد سقف لنسبة تداين الجماعات المحلية.
فالجماعات المحلية حاليا وخاصة البلديات بشكلها الحالي لا يمكن لها أن تؤدي الدور المستقبلي الذي ينتظرها خاصة بالنظر الى وضعية الوظيفة العمومية المحلية ذلك أن قرابة الـ100 بلدية ليست لها أي موارد مالية تُذكر كما لا تتجاوز نسبة التاطير في الجماعات المحلية في تونس حاليا الـ7 % مما يستوجب وفق بعض المشاركين في المائدة المستديرة التفكير في وضع قانون متعلق بالوظيفة العمومية المحليّة للوصول بها الى مستوى يمكنها من القيام بدورها الجديد كواجهة امام المواطن وهو ما عبّر عنه وزير الشؤون المحلية بقوله «ليكن الله في عون الحزب الذي سينتصر في الإنتخابات البلدية المقبلة فستكون أمامه تحديات كبيرة ولكن نحن (أي الدولة) لن نتركهم».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115