اللاعب الاستثنائي الهادي بالرخيصة الى مثواه الأخير بعد أن سكت قلب الأسد الى الأبد ذات مباراة احتفالية احتضنها ملعب الشاذلي زويتن بين الترجي واولمبيك ليون الفرنسي وضعت نقطة النهاية لمسيرة كروية قصيرة لابن الـ24 ربيعا ولكنها كانت زاخرة بالتتويجات ونال فيها محبة الشارع الرياضي التونسي بكامله.
بعد 16 سنة وتحديدا يوم 4 جانفي 2013، عاد الحزن ليخيم على سماء كرة القدم التونسية بفقدان اللاعب لسعد الورتاني او كما يلقبه أحباؤه «الزقو» اثر حادث مرور اليم وجنازة جمعت الآلاف من التونسيين، في صدفة صنعتها الاقدار وكأنها أرادت أن يكون تاريخ 4 جانفي اليوم الأسود في كرة القدم التونسية ...اليوم نحيي الذكرى 22 لرحيل الهادي بالرخيصة والسادسة لفقدان لسعد الورتاني ولكنهما يبقيان في الذاكرة مهما مرّت السنون. 4 جانفي تاريخ جمع جمهور الترجي وانصار النادي الإفريقي لإحياء ذكرى لاعبين لم يعرفا الحسابات وقدما مثالا في العطاء بلا حدود.
مسيرة قصيرة ولكنها زاخرة بالتتويجات
ألا يقال أن «من الحب ما قتل»؟ والهادي بالرخيصة الذي عشق كرة القدم الى حد الجنون فارق الحياة في رحابها ليلة السبت 4 جانفي 1997 في مباراة ودية بملعب الشاذلي زويتن التقى خلالها الترجي الرياضي باولمبيك ليون الفرنسي وبينما كانت المباراة تقترب من دقائقها الأخيرة سقط بالرخيصة على ارض الملعب بعد ضربة تماس نفذها زميله سقط بعد أن لامست الكرة صدره، في البداية كانت الاعتقادات تصب في كونها إصابة عضلية خاصة ان اللقطة لم تكن مسبوقة بأي احتكاك لكن مرت الثواني والدقائق وكأنها دهر على زملائه والإطار الفني والجمهور الذي صمت بعد أن كان صدى تشجيعه يملأ ارجاء ملعب زويتن، حالة من الحيرة والذهول شلّت الأبدان والعقول تخللها إعلان وفاة لاعب قدّم لفريقه والمنتخب دون حسابات...
ولد الهادي بالرخيصة في مليتة من جزيرة قرقنة يوم 28 جوان 1972 وبعد فترة وجيزة هاجرت أسرته إلى فرنسا قبل أن يعود في سن السادسة ويتعلم اللغة العربية بناء على رغبة عائلته التي كانت ترغب في ان يتلقى تربية عربية لكن عجزه عن التأقلم مع الأجواء في تونس حتّم عودته إلى فرنسا حيث أقام هناك إلى حدود 1988 أي الى السادسة عشرة من عمره حيث عاد إلى ارض الوطن ليكتب أول صفحات مسيرته القصيرة مع الترجي ولكنها كانت زاخرة بالتتويجات والألقاب محليا وقاريا.
انضم «بلها» الى الترجي سنة 1990 وبدأ يدرك لذة التتويجات بصفة مبكرة، على الصعيد المحلي توّج «بلها» مع فريق باب سويقة ببطولتين في موسمي (1992 - 1993) و(1993 - 1994) فضلا عن البطولة العربية سنة 1993 والكأس الأفروآسيوية سنة 1995، أما اللقب الأغلى والذي لا يمكن ان تمحى ذكرياته من الأذهان فهو دوره الكبير في تتويج فريقه بكأس إفريقيا للأندية البطلة سنة 1994 من خلال تسجيله ثنائية تاريخية في مرمى الزمالك المصري.
أوّل تونسي يتوّج بجائزة أفضل لاعب عربي
على المستوى الدولي، التحق قلب الأسد بالمنتخب الوطني سنة 1994 وكان من بين أبطال ملحمة جوهانسبورغ في نهائيات كاس أفريقيا للأمم 1996. وتحصل بالرخيصة على جائزة أفضل لاعب تونسي خلال موسم (1993 - 1994) وهو أيضا أول تونسي يتم اختياره كأفضل لاعب عربي سنة 1995....
لسعد الورتاني ودّع حديقة منير القبايلي قبل ان تختطفه يد المنون...
لا أحد يمكنه أن يقدّر مدى عشق المرحوم لسعد الورتاني للنادي الإفريقي بل علاقة الحب التي تربط «الزقو» بفريق باب الجديد يمكن اعتبارها أسطورية تجسّد العشق الحقيقي لألوان الفريق والعطاء بلا حساب من ابن مدينة عاصمة الاغالبة.وشاءت الأقدار أن يودّع المرحوم الهادي بالرخيصة الحياة على المستطيل الأخضر أما المرحوم لسعد الورتاني فقضى ساعات حياته الأخيرة في أحضان حديقة منير القبايلي معقل النادي الإفريقي قبل أن ينهي حادث مرور شنيع حياته صبيحة يوم 4 جانفي 2013 في طريق العودة الى منزله بطريق المرسى بعد انزلاق سيارته. بينما الجمهور الرياضي يحيي ذكرى وفاة الهادي بالرخيصة رقم 16 بدأ خبر وفاة ابن الشبيبة القيروانية عن سن تناهز 33 سنة يسري في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي سريان النار في الهشيم وكان من العسير تصديقه بل هناك من اعتبر الأمر ضربا من ضروب الإشاعات المغرضة لكن تأكد رحيل «الزقو» تاركا لوعة وحسرة لدى الجمهور الرياضي والكل يتذكر الجنازة الكبيرة التي انتفت فيها الألوان وتوحّد فيها الجمهور على اختلاف انتماءاته لوداع لاعب شغل مكانة هامة في قلوب الجميع.
البداية من الشبيبة القيروانية
والفقيد لسعد الورتاني أو «الزقو» من مواليد 2 ماي 1980 بمدينة القيروان كانت بدايته مع الساحرة المستديرة مع الشبيبة القيروانية حيث مرّ بجميع الأصناف قبل أن ينتقل إلى الملعب التونسي سنة 2001، في السنة ذاتها تذوق طعم التتويج مع المنتخب الاولمبي بذهبية العاب البحر المتوسط التي احتضنتها تونس كما رفع كاس تونس مع فريق باردو سنة 2003 اثر فوزه على النادي الإفريقي بهدف لصفر. بعد 4 سنوات (سنة 2004) انضم إلى النادي الإفريقي وكان أبرز صانعي عودة الإفريقي إلى منصة التتويج المحلية بعد غياب من خلال بطولة 2008 قبل أن ينتقل سنة 2009 إلى الترجي الجرجيسي ثم عاد إلى فريقه الأصلي الشبيبة القيروانية. كما تقمص زي المنتخب الوطني من 2002 الى 2007.
سنة 2013، أعلنت نقطة النهاية لحياة لاعب من طينة خاصة كان يستعد لدخول ميدان التدريب بعد مسيرة كروية تقمص فيها أزياء عدة فرق من الشبيبة القيروانية الى الملعب التونسي والنادي الإفريقي والترجي الجرجيسي، كان يأمل أن يعطي المزيد لفريق باب الجديد الذي عشقه الى حد الجنون مدربا بعد ان أعطى الكثير كلاعب لكن الموت كان أسرع. ألا يقال في أمثالنا العربية «إلي خلّف ما مات» فمالك ابن المرحوم لسعد الورتاني ورث عن أبيه حب الساحرة المستديرة وهاهو يشق خطاه الأولى في أشبال الملعب التونسي على أمل أن يكون صورة مطابقة لوالده وعطائه اللامحدود...