ظاهرة اعتزال الحكام: أسباب شخصية... أو احتجاج ضمني على منظومة فاشلة ؟

• «إدارة التحكيم مشتتة ومقطوعة المفاصل... ولا توفر للحكم ضوابط تسمح له بالدفاع عن نفسه عند الحاجة»
• «الحكام قُربان لإرضاء الأندية الكبرى... ورضوخهم زاد الوضع تعقيدا»

إذا كانت بورصة الكرة التونسية في تراجع مستمر فإن وضع التحكيم في تونس هو المرآة العاكسة لمشاكلها المتراكمة وعللها المزمنة وتراكماتها باتت في كل مرة تنبئ بقرب الانفجار ما لم نضع الإصبع على الداء ونفتح ملف التحكيم دون حسابات أو تغطية عين الشمس بالغربال خوفا على رأس فلان ونفوذ فلتان....

اعتزال الحكام بات موضة السنوات الأخيرة حتى أننا فقدنا فيها عددا من ابرز الحكام والعدد مؤهل للزيادة مع تهديد البعض برمي المنديل من حين لآخر... البداية كانت بسليم الجديدي ثم محمد بن حسانة ثم خالد القيزاني وياسين حروش وانضم مؤخرا إلى القافلة مراد بن حمزة عن سن يناهز 41 عاما. وان اختلفت الأسباب من حكم لآخر فإن التهميش والمصير المجهول للحكم في غياب نص يكفل حقوقه المادية والمعنوية يعدّان من ابرز العوامل لاختيار الانسحاب عندما يصل صاحب الصفارة إلى طريق مسدود يجد فيه نفسه بمفرده وسط غابة يحكمها الأقوى ويسير فيها الأمور على هواه.... ظاهرة اعتزال التحكيم طرحناها على أهل الاختصاص للاستنارة بآرائهم فكان ما يلي:

الحبيب ناني (رئيس سابق للإدارة الوطنية للتحكيم)
«غياب ضوابط وقوانين تحمي الحكم...»
«ما يعمق مشاكل قطاع التحكيم أننا نتستر على لب الموضوع و نهتم بالعموميات فالانسحابات المتتالية لاصحاب الصفارة تتطلب من الجامعة التونسية لكرة القدم مراجعة كاملة للأسباب فياسين حروش غادر التحكيم قبل الأوان و القيزاني قيل إن انسحابه لأسباب مهنية دون أن نتحدث عن الحكام الشبان الذين يختار البعض منهم الانسحاب في نصف الطريق. أرى أن المشكل الأساسي في حماية الحكام وغياب ضوابط ونصوص تنظم المسار التحكيمي سواء بالنسبة إلى الحكام أو المراقبين وتضبط الحقوق والواجبات فلا يخفى على أحد أن الحكم هو العنصر الوحيد في المشهد الرياضي الذي لا يجد من يدافع عنه عند الأزمات وعندما ينخرط في هذا القطاع يدرك أنه وحده من يحدد مصيره فإذا نجح يتقاسم معه الجميع النجاح وإذا فشل انفضوا من حوله وتركوه يتحمل تبعات فشله ويدفع الثمن بمفرده». ويضيف

محدثنا: «للأسف الحكم محروم من أبسط الظروف التي توفر له الاطمئنان و الراحة النفسية فلا وجود لنظام يضبط التدرّج أو المنح أو التأمين أو حتى التجهيزات ، أما بالنسبة إلى إدارة التحكيم فحدث ولا حرج فنحن أمام إدارة مشتتة ومقطوعة المفاصل ودون صلاحيات او نصوص واضحة تضبط على الأقل كيف يدافع الحكم عن نفسه عندما يكون موضع اتهام أو محاسبة وليس هناك سلم تأديبي يضبط هذه العقوبات أو مدة التجميد وفق الخطإ بل العقوبة مرتبطة بغضب «اللوبيّات» التي تمسك بزمام القطاع فإذا غضبت على حكم معين يتم وضعه في ثلاجة التجميد وللأسف فإن إدارة التحكيم تجد نفسها مجبرة على مسايرة الضغوط. لذلك فبوجود الحكم وحده في هذه الدوامة هو أمام خيارين إما الانخراط في شبكة العلاقات المشبوهة لضمان تعيينه وحمايته وإما الوقوف ضد التيار وفي هذه الحال ستتم عرقلته وينتهي به الأمر برمي المنديل في مشهد رياضي لا يعترف بتضحياته فلماذا لا نجد مثلا حكما يتم تكريمه في نهاية الموسم بسبب اجتهاده وكفاءته؟... الإصلاح يتطلب بعض الخطوات والحكم له جزء من المسؤولية حيث يجب أن يتمتع بشخصية قوية مع ضرورة استقلالية إدارة التحكيم ومراجعة تركيبة لجنة التعيينات ولجنة المراقبين بما لا يسمح لشخص واحد بالتفرد بالرأي في التعيينات فتكون التعيينات على المقاس في منظومة يعد فيها الحكم الحلقة الأضعف فمنذ تعيينه لمباراة مبينة تبدأ الحسابات لإرضاء هذا الطرف وحتى لا يعرّض نفسه لتبعات غضب أطراف أخرى ولذلك لا عجب أن يفقد يوم المباراة أكثر من 50 بالمائة من تركيزه وحضوره البدني ويقع في الأخطاء التقديرية. أختم بالقول إن التحكيم في تونس ينخر الداء أوصاله ولابد من استئصال هذه الأورام ليستعيد اعتباره ومكانته».

علالة المالكي (حكم دولي سابق)
«تأخر المستحقات ومسائل شخصية...»
اعتبر علالة المالكي الحكم الدولي السابق ورئيس لجنة التحكيم بالرابطة الوطنية لكرة القدم النسائية أن «إعلان الاعتزال طريقة ضمنية من الحكام للتعبير عن غضبهم وعدم رضاهم عن الوضع الذي يعيشونه بصفة خاصة ووضع القطاع عامة. ومن بين الأسباب الهامة التي أوصلت بعض الحكام إلى رمي المنديل التهميش على مستوى تسلم مستحقاتهم وتأخرها غير المعقول لمدة تفوق الموسمين. ورغم ذلك لا أنكر أن بعض الانسحابات حصلت لأسباب شخصية على غرار مراد بن حمزة الذي يروج أن السبب في انسحابه يتعلق باختلاف بينه وبين رابطة تونس بشأن مستقبله المهني في التعليم». وختم المالكي: «أرجو أن يساهم عقد الشراكة الذي تم إمضاؤه مؤخرا بين الجامعة التونسية لكرة القدم وشركة البروموسبور في تحسين وضع التحكيم والقضاء على بعض المشاكل خاصة منها المالية».

محمد بن حسّانة (حكم دولي سابق)
«ديكتاتورية الجريء....واستسلام الحكام للواقع المرّ»
يقول الحكم محمد بن حسّانة الذي اعتزل التحكيم سنة 2015 بعد قرار المكتب الجامعي لكرة القدم بتجميد نشاطه وسحب اسمه من القائمة الدولية: «للأسف في الفترة الأخيرة شهدنا عديد الاعتزالات لحكام متميزين هي خسارة كبيرة لمجال التحكيم على مستوى الكفاءة والنزاهة، والسبب حسب رأيي دكتاتورية رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم حيث هو صاحب القرار الوحيد في خروج الحكام وصعودهم أو إنزالهم لإدارة مباريات في أقسام سفلى وحتى إدارة التحكيم فإن وجودها صوري ويتم تغييبها عن اتخاذ القرارات لذلك يجد الحكم نفسه ضحية والأدهى من ذلك أنه لم يتسلم أجره منذ سنتين». ويضيف بن حسّانة: «لا أخفي قولا إن بعض الحكام تتم التضحية بهم لإخماد غضب الأندية الكبرى، وهكذا الأمر عندما يضع رئيس الجامعة الأندية في كفة و الحكم في أخرى من الطبيعي أن ترجح كفة الأندية. واللوم أوجهه لزملائي الحكام لأنهم راضون بوضعهم الحالي والضغط والاعتداءات التي يتعرضون لها من كل الأطراف المتداخلة في اللعبة لذلك لا عجب أن يكون الحكم رمز الفشل في غياب آفاق النجاح الافريقي والعالمي ما دام لا يجد الاعتبار في بلده... وضع

التحكيم يدمي القلب ولابد من إعادة هيكلة لكنها غير مطروحة في وجود رئيس جامعة ينفرد بالقرار. لابد من إعادة النظر في نوعية انتداب الحكام والرسكلة والتكوين ومراجعة التعيينات ومن يقوم بها....»

توفيق العجنقي (رئيس لجنة المتابعة بالإدارة الوطنية للتحكيم)
«التحكيم هواية قبل كل شيء....»
أكد رئيس لجنة المتابعة بالإدارة الوطنية للتحكيم توفيق العجنقي أن أسباب اعتزال الحكام لا يمكن حصرها بين مهنية وشخصية وغيرها... مضيفا: «دخول مجال التحكيم هو في الأخير هواية وليس مهنة، لذلك من الطبيعي أن يختار الحكم الاعتزال في صورة وجود إشكال يعيق مهنته أو مستقبله... والأمر لا يتعلق بالأمور المالية فكما سبق وذكرت الأمر لا يتعدى حدود ممارسة الهواية وبالنسبة إلى أجور الحكام فسيتسلمونها قريبا وربما الظرف الحالي الصعب اقتصاديا هو الذي حتم هذا التأخير ولو لم يكن الأمر كذلك لكان الوضع أفضل بالنسبة إلى التحكيم». ويضيف محدثنا في إجابة عن سؤال بشأن تأثر الحكام بما يتعرضون له في الميدان: «ما يتعرض له الحكام من ضغوط وهرسلة من المسؤولين واللاعبين مؤسف فالحكم عرضة للشتم والتجريح من الجمهور وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسؤولين الذين عوض أن يؤطروا اللاعبين للابتعاد عن مثل هذه التجاوزات فإنهم يتهجمون بدورهم على الحكام في حين أنه حتى في صورة وجود أخطاء فإن التعامل معها يجب أن يكون بعقلانية وأسلوب حضاري ونحن من جهتنا كلجنة متابعة نحرص على متابعة أخطاء الحكام والوقوف عليها دون تشهير بها... واختم بالقول إن إصلاح التحكيم و تطويره يتطلبان منا تشجيع الطاقات الشابة على الالتحاق به لتكبر القاعدة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115