أرشاق: رحلة «صلوات للعشق» و«الشكّ الجميل» « الإلتحام الشّعْري بالجماهير الشعبية «؟ لقاء عفوي مع الشاعر كمال الغالي (حَلقة1)

- يبدو أنه ثمة قطيعة مُوجعة في التواصل بين «الأجيال الثقافية» و«الكُتل النّضالية» في الجعرافيا المعرفيّة والتّعارفية والعاطفية للوطن...

«الذاكرة الجماعية» في تونس: ثقافة وسياسة... ذاكرة « ثرثارة ». اذ يكفي لواحد من أجمل بناتها وأولادها الغياب عن ارضها التي هي في حجم جلد الغزال حتى تُودعه دفاتر التناسي والتّجاهل والنسيان العفوي والمتقصّد ... فمن أنت أيها السيد الشاعر كمال الغالي؟

- للذين لا يعرفون كان دائما ولا زال يعنيني التذكير بكمال أحمد بديع ؟
هو شاعر تونسي, اللغة والهوى والمدى ظهر على الساحة الطلابية والنقابية أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الفالت , فترة من تاريخ تونس الوطن لم تكن سهلة على الطلبة والأدباء والشعراء ..وعموم الشعب الحالم بالعدل والحرية

- فلنقف عن تسميتك ان أنت حقا كمال أحمد بديع.. شاعر الشارع الملتزم منذ زمنك التلمذي بمدينة قصر هلال الساحلية ... ؟

- الامر بسيط وجميل... جمال الاشياء البسيطة والعميقة : ان في تسميتي بكمال أحمد بديع اعترافا عاطفيا لكل من أمي وأبي . لقد كان والدي أحمد من الآباء والرجال الاستثنائيين باحترامهم لخيارات واختيارات أولادهم وبناتهم في زمن كان يشهد اكتساح التربية المحافظة حدّ التكلّس و الإنضباطيّة حد ضيق التنفّس والاستبدادية حدّ القَرف من الحياة و التي كان يفرضها الكبار على الصغار والآباء على الأبناء والأزواج على الزوجات .. ومن المواقف التي تحتفظ بها ذاكرتي العاطفية كون والدي» أحمد «لم يكن لا نقابيا ولا ثريا وقد رفض السعى وراء ارث زوجته الراحلة فاطمة رغم أنه كان من ذوي الحاجة, اذ أعتبر أن أثمن وأعز ارث ممكن يذكّره بالغالية الراحلة فاطمة كونها انجبت له: «الهادي» و«سعاد».. لقد كان أحمد الغالي والدي يعمل حارسا في «ديوان الحبوب» ... اذ لا أطيان له ولا حقول حبوب...

- كأني قرأت لك مديحا للسيد الوالد الذي ألححتَ أكثر من مرّة و في أكثر من سياق سابق ... ألححت على «عزة نفسه» ؟

- هو فعلا كذلك . عاش أحمد الغالي عزيزا ورحل عزيزا وأنا مدينٌ له بما اكسبني من رأسمال رمزي لا يمكن الحصول عليه بسهولة أقصد : غينمة الغنائم من والدي «عِزّة النّفس», نعم عزّة النفس والذود عن الحرية والكرامة .لقد سبق أن لوّحت له في ديواني:
«صلوات للعشق» ( باريس 1989 ) بهذه الكلمات/ القصيد بعنوان ( كلمة للصّبر والصّمود):

« أنت النقيض في النقيض
أنت تغذي النقمة من الصبر
أنت تعبد الله في الخمر
أنت غني بتحديك للفقر
أنت لا تملك حبّةً
بل تحرس حبات الغير
أنت لا تعمل للتحوّل
لكنك حتمية النّصر»

- لقد احسست بتعاطفك العاطفي مع السيد الوالد حين استحضرت اسمه في اسمك فماذا عن السيدة الوالدة..؟

- ان أكبر ديْنٍ عاطفي لا يقل قيمة عن ديْني العاطفي ازاء أحمد الغالي أبي يذهب رأسا لأمي «بديعة». وان كان الحب الأمومي كما سواه لا «يُفسر» بالضرورة و«لا يُبرر» بالضرورة فيعنيني أن أدون للتاريخ بالمداد الساخن أن السيدة الوالدة « بديعة » كانت بديعة حقا, إمراة بحق . هي أمرأة أميّة, ومع ذلك, سعت كدحا لمراقبة سير دروسنا نحن الأطفال كما لو أنها عارفة حقا وحقيقة بتفاصيل تلك الدروس .وقد عملت على الانتصار على الامية القرائية بمتابعة «دروس محو الأمية» (بالمزّونة - سيدي بوزيد) وتحصلت على جائزة جهوية تسلمتها من والي صفاقس أنذاك الهادي البكوش. لقد كانت «بديعة» أم المناضلين كما كان يحلو للفنانة الأصيلة و الرائعة أن تسميها ومن أقصد غير أمال الحمروني...

- ان لم تخني الذاكرة : لقد غنّت لك السيدة الفنانة أمال الحمروني أغنية حول الأم في بداية الثمانينات من القرن الراحل ؟ فهل تستحضر كلماتها ونحن كنا منذ حين نتحدث عن السيدة بديعة «أم الشعراء» وفق تسمية السيد الشاعر طيب بوعّلاق؟

- فعلا لقد غنت الفنانة أمال الحمروني من كلماتي ومن تلحين الفنان الرهيف نبراس شمّام في اطار «مجموعة البحث الموسيقي بقابس», غنّت وأبدعت خاصة في موال:

«لا يابني
ما خَوْ في عليكَ من أن تنهار
تتكلم تُفشي الأسرار
بل خوفي أن تُدفن حيا بين الجُدران
ورفاقك مازالوا رهن التشريد
مازالوا في البحث عن درب التجديد
عن جيش يفتح آفاق الأحلام
فكيف سقوط الجُنْدِ فرادى..
لا تصحبه الآلام « ,

- هل كتبت الشعر قصد أن يـُـغنى ؟

- أنا في الاصل لم أكتب الشعر وفي ذهني الأغنية .
بل أن الأصدقاء / الرفاق من الموسيقيين هم من تولوا انتقاء بعض القصائد وبعض المقاطع من القصائد وقاموا بتلحينها وعرضها على الجمهور / المتلقي . لقد كنتُ معروفا بمسْرحَة نصوصي الشعرية أمام الجمهور الطلابي الغفير والنقابي في الجامعات والكليات ودور «الإتحاد العام التونسي للشغل» في كل الجهات .. تماما كما الأمر مع «نوادي السنيما» و«السنيمائيين الهواة». لقد غنّت وغنّى من كلماتي: «البحث الموسيقى»:
( بشرفك قليّ) , (ياأمي لا تبكي) و«أولاد المناجم» (يا استعمار), (زيتون الساحل), (بيروت). ومحمد يحر غنى لي ( باللازر والضوء) حول حرب «الخليج الأولى».

- هل كنت وحدك في الساحة ؟

- لقد كنا نمثل ما يمكن لي تسميته بالجبهة الشعرية: «أنا كمال الغالي و بلقاسم اليعقوبي ومحمد المهدي بالنصيب والتحق بالجبهة الشاعر الشاب عبد الجبار العش شاعر «الجُلّنار الجميل» وكان معنا في الساحة طبعا الصديق الشاعر آدم فتحي.

- أليس ثمة من سبقكم لما يمكن لي تسميته «الإلتحام الشعري بالجماهير الشعبية»؟

- مالا لا ... لقد سبقنا صديقي الشاعر منصف المزغني .. والتحق بالجماعة لاحقا «صاحب نشيد الايام الستة» ... أقصد محمد الصغير أولاد أحمد.

- هل تستحضر بعضا من شعر السيد المنصف المزغني أوسواه؟

- أذكر لمنصف المزغني:
« لو كان مايحبونا
فرانسيس وأمريكان ما يزورونا...»
وأغنية «لن يمروا» لعبد الجبار العش , و«البسيسة» لبلقاسم اليعقوبي و«لو الند» آلآدم...

- متى أجترحتَ الشّعر أول مرة؟

- قد كنت في زمني الابتدائي ارّكب الكلمات على لحن الكثير من الأغاني الشعبية السائدة وأدونها في كنش واتفق أن عثر عليها عندي معلمي السيد سعيد الحوري رحمه الله وسامحه فما كان منه إلا أن مزّق ذلك الكنّش النّفيس لئلا أُفرّط في دروسي.

- كن صادقا معي هل بكيتَ وقد افتك منك معلمك كنشك الشعري النفيس ومزّقه ؟
لا لم أبك . بل انتحبتُ ..طيلة بقية النهار وأضربت عن الطعام-. وما بقى موشوما في ذاكرتي المدرسية ويعاود الظهور بين الحين والآخر حتى وأنا في باريس واقعة طريفة ؟
من المفارقات أنه في آخر سنة تمزيق الكنش النفيس « كلفني سيدي ومعلمي سعيد الحوري بإلقاء قصيدة في الحفلة المدرسية لآخر السنة عنوانها «الأرض والفلاح».ولم أفهم كيف لمن حرمني من « كنشي الشّعري » النفيس أن يطلب مني القاء الشعر ...؟

- من من شعراء المغرب والمشرق بقي في ذاكرتك منذ المرحلة الابتدائية ؟
بقي في ذهني: أبو القاسم الشابي, جعفر ماجد, نورالدين صمود, أحمد شوقي، ايليا ابو ماضي، معروف الرّصافي والمتنبي في «عش عزيزا».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115