في الاحتفاء بالذكري 15 لرحيله: سمير العيادي ضحيّة مظلمة بسبب الإمضاء على عريضة !

هي ذكريات وحكايات ولحظات عاشوها مع الفنان الراحل سمير العيّادي، فأتوا لسردها أمام الملأ

في شجن وحنين ووفاء. في باقة من الشهادات الحيّة والاعترافات الصادقة، تحدّث الحاضرون عن سمير العيّادي الكاتب والشاعر والممثل والإنسان... فكأنّنا بالكلمات شحنة من الحياة في وجه الموت.

باقتراح من صديقه الدكتور علي بن العربي وتحت عنوان "سمير العيادي الصاخب في صمته"، احتفى بيت الرواية مؤخرا بالذكرى 15 لرحيل سمير العيادي ضمن سلسلة "أثر"، وذلك بالشراكة مع مسرح الأوبرا ومع جريدة "لابراس".

"حياة ثرية آمنت بالثقافة كقضية"
في "المطوية" من ولاية قابس، ولد سمير العيادي في 24 أفريل 1947 ليعيش حياة صاخبة في هدوئها وهادئة في صخبها ما بين كتابة وتمثيل وسينما ومسرح وشجاعة مواقف. تعلّم سمير العيادي من نخل المطوية عزة النفس والكبرياء وألهمته عيون مائها السخاء في العطاء والوفاء ... فكان له أصدقاء باقون على العهد رغم مرور 15 سنة على رحيله في 31 ماي 2008.
بهذه المناسبة أصدر الدكتور علي بن العربي كتابا بعنوان "سمير العيادي الشاعر والأديب ورجل المسرح الذي غادرنا على عجل"، وفيه كتب سيرة حياة مفصلة عن سمير العيادي الشاعر والقاصّ وفارس الدراما وكاتب السيناريو والمثقف المفكر والمنشط المتألق... كما حمل هذا الكتاب - الذي كتب تقديمه وزير الثقافة السابق رؤوف الباسطي- شهادات لعدد من أصدقاء سمير العيادي.
وقد قال عنه محمد رؤوف الباسطي: "لقد كان سمير العيادي ينتمي إلى جيل من أوائل أجيال الاستقلال التي فتحت أعينها على مخاض بناء الدولة الحديثة بما في ذلك المخاض من آمال وآلام وأحلام، جيل كان يكفر بالمستحيل ويرى الممكن في الأفق الأبعد قريبا، جيل كان بتنازعه شعور الاعتزاز بثقة مبكرة فيه.كانت تغريه بما يشبه الغرور وقلةُ رضى بالمتاح كانت تفجرُ في النفوس ثورات بركانية. ورفضا وصخَبًا بعضُه صامت وبعضه ضجيج، جيل حمّلوه وزر مشروع ثقافة وطنية في صيرورة المضغة تستحيل علقة لجنينا تمرّد على الرحم ولما يزل فيه، حمل أوزاره وهو يحلم بأنه «بروميتي» يُبْعَث من جديد وبأنّ «سيزيف» لينتَصِرُ ويثبتُ الصخر على القمة."
عن المنجز والمنشود، قال الكاتب والسيناريست علي اللواتي: "مضى سمير العيادي ويظل ما أنجزه في الأدب والفن وما اكتسبه من مودة إخوانه وما تركه إبداعه من صدى في نفوس الناس، شاهدا على حياة ثرية آمنت بالثقافة كقضية وقدمت إسهامات متنوعة للثقافة التونسية، لا يثنيها عن ذلك صعوبة المسلك ومحدودية الكسب والبون بين الطموح والواقع".

 

عز الدين المدني : أنا من أسميته "سمير العيّادي"
حضر أصدقاء سمير العيادي وتعذّر عن البعض الآخر مواكبة الاحتفاء بمرور 15 سنة على رحيله في مدينة الثقافة، وقد كان بين الحاضرين الكاتب القدير عزالدين المدني الذي تحدث بثقافته الموسوعية عن صلة الراحل بفن الكتابة وكيف أخذ بيده للالتحاق بنادي القصة ثم التمرس على الكتابة للمسرح. وذكر عز الدين المدني من بين ما ذكر أنه كان وراء اطلاق اسم سمير العيادي على الراحل بدلا من اسمه الحقيقي في الوثائق الرسمية "العيّادي بن خليفة بن سمير".
لم تتخلّف الفنانة الكبيرة جليلة بكّار عن الإدلاء بشهادتها الصادقة والعفوية أمام الحضور، فقالت : "تعرّفت على سمير العيادي من خلال بوّابة المسرح المدرسي، وقد رافقني في بداياتي الفنية صديقا قريبا مني وعزيزا على قلبي. وقد شجعني كثيرا في مجال الكتابة حتى أنه كان بالنسبة لي كمرجع "لسان العرب"، وكنت أهاتفه في كل الأوقات للاستشارة وللاستئناس برأيه. وقد أتيت اليوم لأرد الجميل إلى سمير العيادي الذي أمضى على عريضة الاحتجاج بسبب منع مسرحية "خمسون" للفاضل الجعايبي في الوقت الذي كان يشتغل فيه بوزارة الثقافة. وهو ما كلّفه حرمانه من المبلغ الشهري الذي كان يتقاضاه من الوزارة. والغريب أنّ الراحل لم يخبر أي أحد منا بما حدث وقد علمت شخصيا بالأمر بعد وفاته !

منحة غابت عن سمير العيّادي وهو في محنة !

في سنواته الأخيرة اشتد المرض بسمير العيادي، فلم يتحمّل قلبه داء الجسد، وألم القهر بسبب حرمانه من حقوقه المادية جرّاء قناعاه الفكرية ومواقفه السياسية .. في هذا السياق، قال صديقه المحامي الشاذلي بن يونس: "عرفت سمير في بداية الستينات وتواصلت علاقتنا وصداقتنا حتى تاريخ التحاقه بالرفيق الأعلى. وقبل رحيله ساعدته على تحرير عريضة لتقديمها للمحكمة الإدارية عندما تم تجميد المبلغ الشهري الذي كان يتقاضاه من وزارة الثقافة بصفته مستشارا ثقافيا. إلا أنّ سمير بطيبته المعهودة كان مترددا ومعوّلا على تدّخل بعض المسؤولين في الدولة. ولكن مات سمير ولم ترفع عن المظلمة وفي قلبه غصة ولوعة دون أن يعلم السبب في هذا الاضطهاد. ثم علمنا أن إمضاء سمير مع مجموعة من المثقفين على عريضة تندد بسياسة الحكومة الثقافية كانت سببا في حرمانه من أجره البسيط أو المنحة التي كانت تعبينته على محنته ..."
يصف الروائي عبد القادر الحاج نصر سمير العيادي، فيقول "ذلك الطود الشامخ، ذلك الرمز الوطني أدبا وفنا اغتاله النظام السياسي، وكم هي بارعة الأنظمة السياسية الاغتيال.. إذ عمد النظام السياسي إلى حجب راتبه عنه في السنوات الأخيرة من حياته نكالة وتشفيا وحقدا ذلك أنّ الأنظمة السياسية لا تؤمن بحرية الفكر وبحق الكاتب في الإصداع بالحقيقة".
تحدّث كثيرون عن سمير العيادي ورثاه صديقه المخرج حمادي عرافة الذي قام بعرض فيلم "البرنس الذي نسجته لي جدتي بعد وفاتها" المقتبس من قصة لسمير العيادي، في الوقت الذي امتنعت فيه مؤسسة التلفزة التونسية عن مد "بيت الرواية " بفيلم وثائقي عن مسيرة سمير العيادي، وفقا لتصريح مديرة بيت الرواية آمال مختار.
في ذكرى رحيله 15 خاطبت آمال مختار سمير العيادي قائلة:" أيها الفنان أنا أدرك بحدسي أنّ روحك لم تغادر كما فعل جسدك، إنها ما تزال هنا ترفرف فوق رؤوسنا المثقلة بالهموم مثل فراشة صعقتها ذؤابة من نار."

 

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115