ولنمط حياته ولتقاليد عيشه... ولأنّ جبال" طاسيلي ناجر" تعد من أكثر الأماكن في العالم غموضا وألغازا ودهشة فقد ضمّتها اليونسكو إلى قائمة التراث العالمي منذ عام 1982. وقد اختارت المخرجة "ليديا أورحمان" أن توّثق قصة هذا المكان الساحر والملهم من خلال فيلم وتركيب فنّي عن كهوف "طاسيلي"وغاباتها "الصخرية" ونقوشها الفنيّة...
منحت "مؤسّسة كمال الأزعر" الجمهور التونسي فرصة اكتشاف "طاسيلي" من خلال الفيلم السينمائي الجزائري "طاسيلي" للمخرجة ليديا أورحمان. وقد تواصل هذا الفيلم- المعـرض من 16 مارس إلى غاية 20 ماي2023 في المحطة الفنية "ب7ل9" تحت إشراف أمين المعرض كريم سلطان.
السينما توثق للتراث وتروّج للسياحة الثقافية
تزخر صحراء الجزائر بتراث عالمي فريد من نوعه وعلى قدر كبير من الغرابة والإعجاز حيث تحتوي هضبة "طاسيلي" على أهمية جيولوجية كبيرة باعتبار "إحدى أكبر المجّمعات الفنية الصخرية التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ في العالم. ويمكن للمرء متابعة التغييرات في الطقس وهجرة الثروة الحيوانية وتطوّر الحياة البشرية في غياهب الصحارى من خلال 15000 رسم ومنحوتة تعود إلى عام 6000 قبل الميلاد وتستمرّ حتى القرون الأولى من عصرنا. وتشكّل بانوراما التكوينات الجيولوجية مصدر اهتمام استثنائي بفضل "الغابات الصخرية " التي تتشكّل من الصلصال الرملي المتآكل".
وعلى طريقتها اختارت المخرجة ليديا أورحمان أن تصوّر "طاسيلي" في فيلم يوثق رحلة سير على الأقدام لمدة حوالي أسبوعين مع مجموعة من الفنانين والمرشدين إلى هضبة "طاليسي".
على عين المكان، توّرطت المخرجة وفريقها في الافتتان بكهوف "طاسيلي" ودقة نقوشها التي تروي تفاصيل حياة الإنسان القديم في كل وجوهها. جال فريق الفيلم في هضبة طاسيلي القاحلة والمترامية الأطراف، وعاشوا الظروف المناخية القاسية في هذه المنطقة التي ما يزال الوصول إليها والتجول فيها يخضعان لبعض القيود الإدارية. وفي النهاية جاء فيلم "طاسيلي" غنيّا بروح تجربة تأملية تستعرض صورا لكائنات قديمة ومجاري أودية وغابات اندثرت...وقد تمّ التصوير باعتماد التقنية الرقمية عالية الدقة.
هي صور ملهمة جعلت من هضبة "طاليسي" تشبه سطح القمر، وأخرى أكثر تفصيلا تم التقاطها في ضوء النهار وغسق الليل للبوح بسحر المكان، وصور راوحت بين مشاهد الرسومات الجدارية والمناظر الطبيعية مُترامية الأطراف مثل ألغاز هذه الأعجوبة التي ليس لها نهاية !
فنانون تونسيون يعزفون موسيقى فيلم "طاسيلي"
يسافر فيلم "طاسيلي" الذي تتخلّله صور تحريك رقمية بالجمهور في رحلة شيّقة ومغامرة مشوقة لاكتشاف هذا التراث العالمي على إيقاع موسيقى حماسية وآسرة أنتجها خصيصا للفيلم أربعة موسيقيين، هم : نيكولا جار، فيليسيتا، يامنغ بورتال، وسيغا بوديغا.
وبعد عرضه في أمريكا وكندا وفرنسا وإنقلترا والجزائر فقد كان عرض فيلم "طاسيلي" في تونس مختلفا وببصمة موسيقية تونسية . وقد احتضنت المحطة الفنيـة "ب7 ل9" بمنطقة البحر الأزرق بالمرسى حدثا استثنائيا يوم 12 ماي الجاري تحت عنوان "طاسيلي روكمبوسد"، وهو أداء سمعي بصري جمع بين أربعة موسيقيين تونسيين أعادوا وضع الموسيقى التصويرية لفيلم "طاسيلي" في عرض حي مع مروان بن الشيخ وزياد المدّب الحمروني وعمر علولو ونبيل ليجري... وقد قدّم كل فنان من هؤلاء الموسيقيين الأربعة الموهوبين مسارا صوتيا جديدا للفيلم ، وبذلك بالتداول على عزف الموسيقى التصويرية لأجزائه الأربعة، كل فنان على حدة.
وقد غصّت قاعة العرض بالجمهور الذي توافد على محطة "ب7 ل9" بكثافة لمواكبة هذا الحدث سيما وأن الدخول كان بصفة مجانية.
تعتبر المخرجة ليديا أورحمان (من مواليـد سـنة 1992 فـي سـعيدة ، الجزائـر) وتقيم بيـن الجزائـر وبرشـلونة مـن بيـن أكثـر الفنانـات الجزائريـة مـن جيلهـا موهبـة. وهـي فنانـة متعـددة التخصصـات : فيديـو ، صـوت ، أداء ، تنصيبـات ، نحـت ... وقد استضافتها مؤسسة كمال الأزعر على هامش عرض فيلمها "طاسيلي" في لقاءات مباشرة مع عشاق السينما وتبادل للخبرات مع الفنانين الهواة والمحترفين.
لا شك أنّ عرض فيلم "طاسيلي" في تونس كان فرصة ثمينة للتعرف عن كثب وفي تجربة غامرة على أعجوبة الطبيعة "طاسيلي ناجر" التي يدخل إليها الزائر العادي والباحث المختص للإجابة عن سؤال واحد ، فيخرج منها وفي ذهنه أكثر من سؤال !