هنا تونس: لماذا ؟

لماذا كلما نجح أحد ما في مجتمعنا التونسي، إن لم نقل في المجتمعات العربية، وتحصّل على جائزة مهمة وشاع صيته.. يقولون ويعلنون رافعين أصواتهم بكل ثقة أنّ الذي تحصّل على جائزة، إنما لعلاقاته مع أصحاب الجائزة، وإما لعلاقات أخرى له مشبوهة، وإما.. وإما..

فقط لأنه لا يستحق لا جائزة ولا تنويها ولا اعترافا.. ولا هم يحزنون، حتى أنّ هؤلاء يذهبون أحيانا إلى أنّ هذا الأديب أو ذاك إما سرق روايته جملة وتفصيلا، وإما سرق الفكرة وغلفها وقدّمها للقارئ ليفتك جائزة بأفكار غيره.. هؤلاء يتفقون في شيء واحد دائما أبدا: لا يتحدّثون عن السرقات أو العلاقات المشبوهة إلا عندما ينجح هذا أو ذاك..

طويلة هي قائمة الأدباء والشعراء العرب الذين اتهموا بالسرقات، فقد اتهم الراحل نزار قباني بسرقة أشعار الفرنسي «جاك بريفير» بعدما وّموه بشاعر الإباحية، والسطحية، وشاعر «العامة» في تقزيم لشعره..فكأنّ الشعر العربي يجب أن يكون قرآنا منزلا، والنقاد ملائكته التي تحرسه..

الشاعر الفلسطيني محمود درويش، اتهم أيضا بسرقة العديد من مآثر الأدب الإنجليزي وحتى العربي.. وأنه لا يأبه لهذه السرقات..

القائمة طويلة جدا، لعلنا نذكر صاحب «الأيام» و«دعاء الكروان» طه حسين الذي اتهم بسرقة نصوص الآخرين.. كذلك الروائي عبد الرحمن الشرقاوي اتهم بسرقة رواية»الأرض»، من رواية «فونتمارا» للأديب الإيطالي اجنازيو سيلوني..

رواية «عمارة يعقوبيان» الشهيرة لعلاء الأسواني، اتهم صاحبها بسرقة فكرتها من مسرحية «الناس اللي تحت»، علاء الأسواني اتهم في أكثر من رواية، حيث أنّهم ادعوا أنّ روايته «نادي السيارات» مسروقة وأصلها رواية «حفلة التيس» لماريو باراغاس يوسا...

ولا ننسى أنّ الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي اتهمت بسرقة رواية «ذاكرة الجسد»، بل اتهمت أنها دفعت أموالا لأحدهم كي يكتبها لها..

ربما يكون هنالك جانب من الصواب أحيانا، وربما لا يكون، ولكن لماذا كلّما ذاع صيت هذا أو ذاك إلا وبدأت هذه التهم تتهاطل هنا وهناك؟
بعدما تحصّل الدكتور شكري مبخوت على جائزة البوكر للسنة الماضية، لم يتهم بالسرقة، بل اتهم بعلاقاته المتعددة التي خولت له أن يفوز بهذه الجائزة، حتى أنّ البعض ذهب في تحليله أنّ الجائزة سياسية، وقد نالتها تونس تكريما لها لا لمبدعيها.. وأخيرا ها هي الروائية آمنة الرميلي تتهم بالسرقة الأدبية بعدما تحصلت روايتها الأخيرة «توجان» على العديد من الجوائز..

نحن لا نتحدّث عن الأشخاص، إنما نتحدّث عن المبدإ، لماذا عندما تفوز رواية ما، بجائزة وتسلط الأضواء عليها نوعا ما تُتهم كاتبتها أو كاتبها بالسرقة؟ لماذا لا تتهم قبل أن تفوز بالجائزة، لماذا لا يُتهم «المغمورون» حتى ولو كانت لديهم أطنان من المؤلفات بالسرقات- المغمورون في أوطانهم، ربما بعضهم مبدعون.. ينصفهم الزمان حتى ولو بعد حين-.. لماذا كما يقال ندفع الناجح حتى يفشل في حين تدفع المجتمعات المتحضرة الفاشل حتى ينجح؟ لماذا لا يذهبون إلى أنّ «النقد هو معلومات يمكن أن تساعدنا على النمو».. لا على الإحباط والتشويه والتقزيم..

ربما لن يرتقي المشهد الثقافي إلا إذا ارتقينا، يدفاعنا عن الفكر النيّر وبنقاشنا ونقدنا حتى اللاذع للأعمال الفنية والأدبية حتى تتولّد حركية ثقافية ترفعنا إلى فوق.. وأفكار نيرة تضيء بصيرتنا وتفتح لنا أبواب النقاش لا السباب..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115