تشارك الفنانة القديرة فاطمة سعيدان في المهرجانات الكبرى بمسرحية «عنف»، ومسرحية «بلاتو»، كما لها عمل سينمائي سيصدر قريبا بعنوان «Thala mon amour».. كما شاركت في فيلم «بنزين» لسارة عبيدي، الذي أنجز في الجنوب التونسي، وشاركت أيضا في فيلم قصير بعنوان «بلبل» لخديجة مكشّر.. لا ينكر أحد أنّ فاطمة سعيدان هي عمود من أعمدة المسرح التونسي، وجه أضاء خشبة المسرح، أقنع ولفت الانتباه وأضاف سجلا حافلا بالأعمال الفنية إلى سجل المسرح التونسي.. «المغرب» حاورت فاطمة سعيدان، التي بدت مستاءة مما آلت إليه الأوضاع في تونس اليوم وأطلقت نداء للسياسيين..
• لماذا فاطمة سعيدان لا نراها في الأعمال الدرامية؟
هذا اختيار مني نوعا ما، دائما أقول: لست مجبرة على أن أكون في المسرح والسينما والدراما، إحقاقا للحق هذه السنة لم تأتني دعوة ولكن في السنة الفارطة وصلتني دعوات للتمثيل في كل المسلسلات التي عرضت في الشاشات التونسية ولكن لم تعجبني الاقتراحات..
ما الذي لا يروق لك في الدراما التونسية؟
بين قوسين، أنا لست مغرمة بالتلفزيون، عندما تزوجت لم أشتر تلفزة، تصالحت معها عند الثورة، ولكني سرعان ما قاطعتها بعد ما رأيناه من منابر سياسية وتدني مستوى الخطاب..
على ذكر المنابر السياسية، هل أنت راضية عمّا يحصل الآن في تونس؟
عندما قامت الثورة فرحت، قلت أن تونس ستصبح سويسرا العرب، خاصة في ذلك الأسبوع الذي تلى 14 جانفي، لا تسمع في الشارع غير «تفضّل مدام»، المواطنون ينظفون في الشوارع، يقفون في الصف لشراء الخبز، يحترمون إشارات المرور.. أحسست في ذلك الوقت بذلك لأنّ التونسي الذي كنت أرى هو «عيّاش» وتقدّمي.. وهذا المناخ الذي عشت فيه، الصدمة الأولى التي عشتها عندما رأيت تونس العميقة، كنت أعتقد أنّ الحقوق التي تتمتع بها المرأة، رغم أنها منقوصة، هي مكتسب.. غير أني تفاجأت أنّ كل هذا في خطر.. صدمت في انتخابات 2011، رأيت العديد من التونسيين على حقيقتهم، رأيت الجهل بعينه، والرجعية بعينها، رأيت وجه تونس تغيّر.. أحبطت إحباطا شديدا.. قلت وقتها «لن تقوم لنا قائمة.. وما زاد في الطين بلة السياسيون الذين مسكوا بمقاليد البلاد، تحسّ وكأنّ لا أحد فيهم تعني له البلاد شيئا وأنّ تونس هي من اهتماماته.. تونس المنفتحة المتسامحة.. ثم فجعنا في الشهيد شكري بلعيد ذلك الذي الرجل التونسي التقدمي..
لا أبالغ عندما أقول أنّ تونس في سنوات الخمسين أفضل من اليوم، لأننا نعيش بالأوهام اليوم.. مادام التونسي يرمي من شباك سيارته الفضلات في الشارع، مادامت حفّظات الأطفال مزروعة في الشطواطئ التونسية، مادام التخلف قائما في تونس.. ما دمنا لم نتواضع ونتراجع عن مقولة «التونسي أذهل العالم» فلن نتغيّر، ربما بهرنا العالم «بالزبالة»، لا بدّ أن نمارس نقدا ذاتيا شرسا لأنفسنا.. على كل فرد مهما كان موقعه أن يمارس نقدا ذاتيا.. نحن في تونس لم نبهر العالم أبدا بل لعلّنا أبهرناه بالجهل والرجعية..
بحديثك عن الرجعية، هل تعتقدين أن تونس تشهد أسلمة ناعمة تدب شيئا فشيئا في مفاصل المجتمع؟
نعم هو بالضبط ذلك ولهذا أنا أخشى على الحريات في تونس، والحريات الفردية خصوصا، مادامت الحرية غير محمية كما يجب، وصراحة، فأنا أخشى عليها.. مثلا، في نقطة صغيرة من باب الحريات، عندما يأتي فنان، لا أعرف حتى اسمه ويقول أنّ المثليين أناس مرضى ويجب أن تصادر حرياتهم، فما عساني أقول لمثل هؤلاء، من يشتم المثليين هو مثلي ولا يعلم ذلك، أنا أدافع عن الحرية، والفنان يجب أن يكون حاملا لمشعل الحرية، أوّل درس في الفلسفة تعلمته هو أنّ حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية غيري..
لا بدّ من وجود إرادة سياسية ومشروع سياسي حازم.. مثلا عندما يتكلم شخص مثل هذا في المثليين والسياسيون صامتون، من يحميني أنا؟ يجب أن نبدأ بالبناء من الساس أولا.. تونس اليوم تعيش بتركة جيل بورقيبة، جيل الخمسينات.. فعندما ينقرض هذا الجيل ينقرض كل شيء..
يجب أن نبدأ العمل من رياض الأطفال مرورا بالتعليم الإبتدائي وهكذا.. وهذا ما تفطنوا إليه وكونوا....