نص الصلاة الإبراهيمية قد يفهم منه أفضلية سيدنا إبراهيم عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو ظن خاطئ ...فكيف ذلك ؟
من صيغ الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية والتي نصها كما وردت في صحيحي البخاري ومسلم «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «.
ومن خصائص الصلاة الإبراهيمية انها تكون عقب التشهد في الصلاة وقد اختَلَف العلماء حول حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ؛ فالذي عليه الجمّ الغفير والجمهور الكثير أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها . قال ابن المنذر : يُستحب ألاّ يُصلي أحدٌ صلاة إلا صلى فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن تَرَكَ ذلك تارِك فصلاته مجزية في مذهب مالك وأهل المدينة وسفيان الثوري وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم ، وهو قول جلّ أهل العلم ، وحُكي عن مالك وسفيان أنها في التشهد الأخير مستحبة وأن تاركها في التشهد مُسيء .
ومن لطائف هذه الصلاة هذا الإشكال، وهو أن قولنا»اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» يقتضي أن سيدنا إبراهيم عليه السلام -وهو المشبه به- أفضل من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم -وهو المشبه- وقد مرّ َوثبت أن أفضل خلق الله على الإطلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يجاب عن هذا الإشكال؟
والإجابة نوجزها في الرقائق التالية ..
* لأن الصلاة على محمد وعلى آله ذُكِرَتْ في مقام الطلب والدعاء ، وأما الصلاة على إبراهيم ففي مقام الخبر والقصة ، إذ قوله : « على محمد وعلى آل محمد « جملة طلبية ، وقوله : « صليت على آل إبراهيم « جملة خبرية ، والجملة الطلبية إذا بُسِطَتْ كان ذلك مناسبا ؛ لأن المطلوب يزيد بزيادة الطلب ، وينقص بنقصانه ، وأما الخبر فهو خبر عن أمْرٍ قد وَقَعَ وانقضى لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلم يمكن في زيادة اللفظ زيادة المعنى ، فكان الإيجاز فيه والاختصار أكمل وأتم وأحسن ، ولهذا جاء بلفظ : « آل إبراهيم « تارة وبلفظ : « إبراهيم» أخرى لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر ، وهو الصلاة التي وقعت وَمَضَتْ ، إذ قد عُلِمَ أن الصلاة على إبراهيم التي وقعت هي الصلاة على آل إبراهيم ، والصلاة على آل إبراهيم صلاة على إبراهيم، فكان المراد باللفظين واحدا مع الإيجاز والاختصار ، وأما في الطَّلَب فلو قيل : « صَلِّ الله على محمد « لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آل محمد ، إذ هو طَلَب ودعاء يُنشأ بهذا اللفظ ليس خبرا عن أمر قد وقع واستقرّ ، ولو قيل : « صَلِّ على آل محمد « لكان إنما يصلى عليه في العموم ، فقيل : « على محمد وعلى آل محمد « فإنه يحصل بذلك الصلاة عليه بخصوصه وبالصلاة على آله ، ثم إن قيل : إنه داخل في آله مع الاقتران كما هو داخل مع الإطلاق فقد صَلَّى عليه مرتين خصوصا وعموما . ..
* أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم، إذ كان يظن أن إبراهيم أفضل منه.
* أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك على سبيل التواضع، فإنه قد سئل من عدة من الصحابة: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فأجاب بهذا الجواب.
* أن التشبيه لأصل الصلاة، أي أن التشبيه للأصل بالأصل، لا للمقدار بالمقدار، وعلى ذلك قد يكون المقدار في المشبه به أقل، لكن المهم وقوع الأصل كما في قوله تعالى {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} القصص:77 ومعلوم أن العبد مهما أحسن، حتى وإن عبد الله سبحانه وتعالى بدرجة الإحسان، فإن ذلك لا يكافئ نعم الله وإحسانه إليه؛ فالتشبيه في الآية لا يتعلق بمقدار الإحسان؛ بل بأصله؛ فكأن معنى الآية كما وقع الإحسان من الله إليك أيها العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى، فأحسن بالصدقة وبالعبادة وغيرها من الطاعات.
* أن الكاف للتعليل؛ فالكاف في لغة العرب تأتي لمعان عدة، وقد سبق بعضها عند شرح قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الشورى:11... والأصل في الكاف أنها للتشبيه، وقد تأتي لغير ذلك، ومن ذلك أنها تأتي للتعليل؛ كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} البقرة:198 أي لما هداكم، فالكاف هنا للتعليل، فيكون المعنى: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت -أي لأنك صليت- على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
فلا تكون الكاف للتشبيه كما هو مورد الإشكال أصلاً، فيكون على هذا الوجه: (اللهم صلِّ على محمد كما صليت على إبراهيم) ليس معناه: مثلما صليت على إبراهيم، لأن الكاف إذا كانت للتشبيه فهي بمعنى مثل.