مسلسل أولاد مفيدة: إقناع الأداء مقابل غلبة الكليشيات وغياب المعالجة وسيطرة اللغة الذكورية

لا شكّ أن مسلسل «أولاد مفيدة» الذي يعرض على قناة الحوار التونسي والذي يحتل نسب مشاهدة محترمة، قد نجح في شدّ فئة من المشاهدين التونسيين، لتوفر عدّة عوامل مترابطة أدّت إلى ذلك، كأداء الممثلين الجيد، وكجودة الإخراج، وكطريقة عرض القضايا التي يلتهمها

نسيج كبير من المشاهدين، الذين يسمونهم البعض بجمهور «عندي ما نقلك»، إلا أنّ هذا لا ينفي العديد من النقائص لعلّ أبرزها سوء معالجة القضايا المطروحة وسيطرة الكليشيات واللغة الذكورية في السيناريو، دون أن ننسى سلبية أغلب الشخصيات، خاصة النساء..
عندما نتحدّث عن مسلسل أولاد مفيدة 2 من الصعب أن نصفه بالعمل الناقد للقضايا التي تمّ استعراضها، ومن الصعب أن نصفه بعمل ذو رسالة، لأنه يغيب فيه الطرح الجريء الذي يسليط الضوء على مواضيع شائكة تتمّ معالجتها، بالتالي لا يمكن أن نرى «المنبهرين» بهذا العمل على الأقل يتساءلون ويعيدون السؤال عن خلل ما في المجتمع تمّ طرحه من خلال هذا المسلسل.. فمن المعروف أنّه من طبيعة الأعمال الناجحة، بل الخالدة هي الأعمال الجريئة التي تتصادم مع جوانب من المفاهيم التقليدية، أو لنقل الرجعية، والممارسات السلبية المنتشرة في المجتمع، طرحا ومعالجة..

وصمة «ولد حرام».. حاكموه والقانون حماه
من الأمثلة التي نلتمسها في هذا المسلسل، طرح قضية المولود خارج إطار الزواج، الذي تم نعته في أكثر من مناسبة بـ«ولد لحرام»..وإن تمّ طرح هذه القضية ضمن المواضيع التي تم تناولها في العمل، إلا أننا لم نر في أي حوار ورد على أي لسان من الشخصيات خطابا متوازنا يردّ على مضمون هذه العبارة غير الأخلاقية، فالمولودون خارج إطار الزواج في تونس بالمئات إن لم نقل بالألاف.. وهذا ليس جرما لهؤلاء الأبرياء.. فوصمة «ولد حرام» تُلزم مستعملها وحده، كما أنها تجرح العديد من الناس التي ليس لها أي ذنب سوى أنها تعيش في مجتمع بعض أفراده حاقدون..ولا ننسى أنّ «ولد الحرام» كما يقولون أنصفه القانون التونسي وحماه.. هذا الطرح من شأنه أيضا أن يعمّق الكراهية ضد هؤلاء ويزيد في نبذهم واحتقارهم واستنقاصهم.. هنا لا بدّ من مراجعة مختصين اجتماعيين في طرح هذه القضايا وتعديل الحوارات وهكذا يفعل العديد من كتّاب السيناريوات المحترفين في العالم..

شخصيات سلبية
عندما نتتبع ملامح شخصيات أولاد مفيدة، نرى أن أغلبها شخصيات سلبية، أو مفعول بها.. تكاد لا توجد حتى الان شخصية متوازنة.. مثلا: الفقير إما طامع في الغني، أو يريد أن يكسب الربح السريع.. والغني بدوره يعتبر أنّ المحيطين به جميعهم طماعون..
مثال اخر، نساء المسلسل كلّهن مهتزّات، تكاد لا توجد شخصية متوازنة، إما مفعول بها تطيع هذا لمصلحته، إما ضحية مستسلمة، إما عاشقة أدى بها العشق للاستهتار ولا مبالاة بكل شيء، إما مهتزة لا موقف يمكن أن تتحمل عواقبه وتجاري حياتها بيدها.. حتى أن شخصية مفيدة التي أدت دوره الممثلة القديرة وحيدة الدريدي والتي جسّدت دور المرأة القوية المتحكمة في مجريات الأمور، والتي لا تهزمها شاردة ولا تفوتها واردة بدت خانغة ويائسة.. فالمرأة الوحيدة القوية كُسرت وطأطأت رأسها لتصبح مفعولا بها.. لا توجد صورة لشخصية إيجابية.. غير صورة «بدر» إلى حد الان الذي بدا رصينا رغم طبيعته المتهورة.. الذي بدا هادئا رغم غليانه الداخلي.. ياسين بن قمرة الذي جسّد دور «بدر» بدا مقنعا للغاية، لا لأنه شخصية ايجابية نوعا ما، إلا أنّ أداءه كان مميزا جدا ومقنعا.. على غرار كل الممثلين دون استثناء.. «شخصية بدر» في أولاد مفيدة ذكّرتنا بشخصية Ray Donovan في السلسلة الأمريكية التي تحمل اسمه، والتي يؤديها الممثل الأمريكي Liev Schreiber.. هذا الممثل الذي يبدو هادئا وقليل الكلام.. جدّي وهو قوي البنية، يحب عائلته، ويملك حلبة مصارعة يديرها أخوه المصارع المصاب بمرض «براكينسون»..(لمن يريد أن يلامس التشابه يشاهد هذه السلسة المعروفة)..

كليشيات ولغة ذكويرية
كما أنّ الكليشيات حاضرة وبقوة في هذا المسلسل، على غرار من تشتغل في دولة خليجية هي بالضرورة «مومس».. وعلى غرار من تشرب الخمر وتدخن هي منحلة، وعلى غرار من تقوم بعلاقة خارج إطار الزواج هي «فاسقة»..
الكليشيات حاضرة بقوة كحضور اللغة الذكورية، التي تشيء المرأة وتستضعفها وتقزمها وتحقرها..

قد يتساءل البعض لماذا تقبل فئة كبيرة من المشاهدين على مسلسل أولاد مفيدة، يمكن من خلال مقارنة هذا الإقبال بالاقبال الجماهيري على برامج تلفزيون الواقع التي تعرض حكايات خارقة وشديدة وغير مألوفة، حتى أن مشاهدها يقول «أنا أفضل حالا».. برامج تحقنه بأفيون الرضى لأنّ مشاكله تغدو لا شيء أمام مشاكل الاخر.. وهو نوع من الترويض والتدجين..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115