فهو يحتلّ وسطها تماما. ممّا جعل من تخطيط مدينة صفاقس مشابها تماما لتخطيط الكوفة، أولى الحواضر الإسلاميّة. منذ تشييده، كانت تحيط به أهمّ الأنهج والأسواق في المدينة، ولا تزال إلى اليوم تحافظ على قيمتها الاقتصاديّة. نذكر من الأنهج خاصّة نهج الجامع الكبير ومن الأسواق سوق الرّبع.
مع تغيّر الأحوال والحكّام في مدينة صفاقس، طرأت على الجامع الكبير تحويرات عديدة، وهذه أهمّ المحطّات الّتي مرّ بها :
بدأ بناء الجامع بالتّزامن مع بناء سور مدينة صفاقس سنة 235 هـ / 849م باستعمال الطّين والطّوب، وقد كان ذلك في فترة تولّي علي بن سالم البكري القضاء على مدينة صفاقس، وفي فترة تولّي الإمام سحنون القضاء في القيروان. وبعد حوالي 10 سنوات، أي سنة 859م، تمّ تجديده بالكلس والطّين، وقد كان ذلك في فترة حكم أبي إبراهيم أحمد بن الأغلب لإفريقيّة.
أوّل التّحسينات الّتي طرأت على الجامع منذ إنشائه تمّت في عهد الأمير الصّنهاجي أبي الفتوح المنصور في سنة 378 هـ / 988 م. وتمثّلت في بناء القبّة الّتي تعتلي الباب الرّئيسيّ والقبّة الّتي تقابلها في الجهة الجنوبيّة، وتمّ تجديد أغلب أجزاء المسجد، وتمّت تعلية المئذنة لتبلغ حوالي 25م وزخرفتها. وعندما استقلّ حمّو بن مليل البرغواطي بمدينة صفاقس عن حكم الصّنهاجيّين (1059 م - 1100 م)، أجرى بدوره تحسينات أخرى على الجامع الكبير.
ثريّا بالجامع الكبير بصفاقس من القرن 11 م إلى القرن 17 م
في هذه الفترة الطّويلة عرفت مدينة صفاقس سلسلة من الاضطرابات والحروب والصّراعات، فما كان من أصحاب النّفوذ في المدينة إلاّ أن استولوا على الأجزاء الّتي سقطت أو خربت من الجامع فحوّلوها دورا أو دكاكين أو باعوها.
سنة 1702 م، تولّى الإمام الشّيخ عبد العزيز الفراتي إمامة الجامع الكبير، فأنفق عليه من ماله ومن أحباس الجامع حتّى جدّده وأعاد له اعتباره، وصنع له منبرا جديدا. ثمّ استمرّت من بعده الإصلاحات والتّحسينات حتّى سنة 1774 م.
الاستعمار الفرنسي
ربّما كانت فترة الاحتلال الفرنسيّ أحلك فترة مرّ بها الجامع الكبير منذ تأسيسه. فقد سقطت أوّل قنبلة أطلقها الأسطول الحربيّ الفرنسيّ على صفاقس في فترة حصاره لها سنة 1881 م على مئذنة الجامع. وبعد أن نجح الجنود الفرنسيّون في أخذ المدينة، حوّلوا الجامع إلى ثكنة يبيتون فيها ويغسلون فيها ثيابهم، واستعملوا صحن الجامع كاسطبل يربطون فيه خيولهم. وفي أثناء الحرب العالميـة الثّانيـة، في سنة 1942 م، سقطت على الجامع قنبلتان أخريان. وقد تولّى المقاول محمّد الطّرابلسي والنّجّار عليّ شاكر جبر الضّرر الّذي سبّبتاه.
بعد الاستقلال
بعد استقلال تونس، طرأت على الجامع إصلاحات كبرى في مختلف أقسامه، كما تمّ هدم الدّكّة الّتي كانت مقامة بجهته الشّرقيّة لتحميه من تسرّب مياه الأمطار، إذ لم يعد لوجودها لزوم مع تواجد شبكة تصريف المياه.