كتاب الأحد: «مدينة المرايا» لـ الأزهر الزناد: الكتابة قضية والكاتب صوت بيئته ومجتمعه

«اكتب ايمانا بقضية، لا اكتب لمجرد الكتابة، لست سياسيا ليكون صوتي صادحا في المنابر ولا صحفيا لي القدرة على التصريح والحديث في الصحف والاذاعات

انا مواطن مهتم بالكتابة كلما سكنتني قضية التجأت الى الأدب رواية وقصة ودراسات علمية، فالكتابة لدي ليست متعة بقدر ما هي مسؤولية» بهذه الكلمات عبر الكاتب الازهر الزناد عن ميلاد المجموعة القصصية الجديدة «مدينة المرايا».
«مدينة المرايا» مجموعة من القصص هي كائنات سردية منفصلة جمعها الزناد في مجموعته الجديدة، لحظة انبثاق الفكرة وتفجرها تتحول الى قصة حسب تعبير الكاتب والقاص، المجموعة هي انعكاس للواقع في بعده العجائبي والتخييلي، بعض العوالم غير معهودة وأمكنة غير موجودة يدخل اليها القاص بأسلوبه العجيب وتعابيره البسيطة ليحير عقل القارئ ويحفزه على طرح السؤال، فالسؤال يتعلق بكينونة الانسان وهدف الزناد في كتاباته الدفاع عن قضايا تهمّ الانسان التونسي والعربي والكوني عبر اسلوبه متفرّد وسؤال يتطلب الكثير من الفكر للإجابة، فالكتابة عالمه السحري وكل مقومات السرد والقصة يوظفها لخدمة فكرته.
الكتابة نقد للسياسة
«مدينة المرايا» مجموعة قصصية تتكون من اثني عشرة قصة وتطرح مواضيع مختلفة تمس القارئ التونسي والعربي والكوني،فالكتابة لدى الزناد وسيلته للتعبير، للنقد وإيصال صوته الى القارئ اينما وجد، مواضيع سياسية واجتماعية وتاريخية يناقشها الزناد في مراياه المتعددة.
أولى الاقصوصات التي تنقد السياسة هي «المعلاق المقلوب» وتناقش الاقصوصة موضوع السلطة والسؤال، فالسلطة دوما تبحث عن ضحية لا تريد اجابات لاسئلتها، السلطة تبحث عمن يحمل مسؤولية تقصيرها «وقرّ الراي على ان تغطى العلامة بالقماش، وان يخبر الحاكم، اذا ما نما اليه الخبر وسأل في ذلك، بأن شقا رهيبا حدث في الجدار، وتغطيته واجبة حتى لا يراه الزائرون من الغرباء والسفراء».
فالسلطة بشرطتها ووزرائها لا يهمها السارق الحقيقي او صاحب الجريمة قدر رغبتها في اغلاق الملفات المفتوحة ايّا كان الضحية «واخبر الشيخ السجان طمعا في تمديد سجنه وتأبيده بعد ان الف المكان وطاب له فيه المقام، بانه صاحب جميع العلامات التي خطت تلك الايام، ثم راحت العلامات تتكاثر حتى غمرت جميع الجدران ..وكلما زادت العلامات،مددوا في حبس الشيخ» فالسلطة لا تريد حقائق، السلطة اليوم تريد ضحايا وكبش فداء لإغلاق كل ملفاتها حتى ينعم صاحب السلطة بالراحة.
للزناد اسلوبه الخاص في السرد، له طريقة مميزة في ربط الاحداث وتقديمها للقارئ، من عالم الانس يحمل القارئ الى عوالم الجن في اقصوصة «الجناشرة» التي سينقد فيها سكان الارض من خلال جنّي ولد في احدى المجرات، بعد اعوامه الطويلة بين بني جنسه يقرر النزول الى الارض والتنقل بين اجساد الناس، ليدخل الى جسد صاحب السلطة «حاكم البلاد رجل سياسة، ذو سلطان، يطلب الراي والمشورة من الفيلسوف وهو يحدّث نفسه بالخداع والرياء، يستزيد من الافكار من صاحبه، فيجود بها عليه بلا حساب، فيزيد حقده عليه ويقينه من ان افكاره اصل لكل تمرّد...وجده يفكر دوما في الايقاع بخصومه،هو كريم عند الانتخاب، يحرك الناس كانهم الدمى» فالحاكم في الجناشرة يدعي الاهتمام بالكتاب والعلماء لكنه في الحقيقة صاحب الراي الاوحد والفكرة الموحدة.
الكاتب صوت مجتمعه.
الكاتب صوت وطنه، الكتابة تعبير عن الوجع وطرح للواقع باسلوب مميز، الازهر الزناد كاتب متعدد، كتب الرواية فابدع في «زاما202» وكتب الدراسات الاكاديمية، ويقدم اليوم لقرائه مجموعة قصصية مسكونة بالكثير من الشجن والوجع، وجع مواطن تونسي سكنه واقعه فقرر ان يهرب منه بالكتابة، وكانها حالة تصعيد بحثا عن الراحة النفسية.
يحمل الكاتب قارئه في «الجدار» الى عوالم مرضى التوحد، ينصت بصدق الى افكارهم والمهم، تكون كلماته كما الكاميرا تنقل التفاصيل المملة والروتين الذي يعيشه مريض التوحد في علاقة مع الجدار «اسمعكم تتحادثون في لونه،تريدون تبديله،ارجوكم لا تبدّلوا لونه،فقد الفته عيناي، وانا لا انظر الا اليه منذ اتيت الى هذا الوجود، فيه مختصر للعالم» ويشر الكاتب عبر شخصية الطفلة المصابة بالتوحد الى ذكاء هؤلاء الاطفال وقدراتهم الخارقة «ترون انني اسجل جميع التفاصيل وانتم لا تسجلون؟...اضحك من سذاجة عقولكم، الجدار ملجأ ومهرب وملاذ من ادرانكم، ومن سواد افكاركم ومن وحشة عالمكم» فعالم التوحد ابيض نقيّ وطفل التوحد ذكي يحتاج الانتباه اليه لا الشفقة عليه كما تقول اقصوصة «الجدار».
الكتابة مسؤولية، الصدق في الكتابة واجب هكذا يعلق الزناد على طريقته في السرد، تختلف المدن ومراياها، يوجها كل مرة الى فكرة تؤرقه او صورة نحاول تجنبها، ومن المواضيع المطروحة في الشارع التونسي «العنصرية» وينقدها الكاتب بذكاء عبر ثنائيتي قطع الجليز في اقصوصة»ابيض واسود» «كان المدخل مبلطا بمزيج من الجليز،قطع سود وقطع بيض في تناغم عذب يمتد على كامل الرواق، قطعة بيضاء وقطعة سوداء،تتعانقان وتلمعان في ضوء النهار» ولكن الانسان الابيض غير متجانس مع الاسود، فالام ترفض وليدها لانه اسود اللون، والاب يرفض تسجيله في دفاتر الحالة المدنية بتعلة انه اسود «سارة لا تقبل الرضيع،والاب يرفض التسجيل لانه يفكر في المستقبل البعيد»، هذا الصراع بين «ابيض» و»اسود» يتقن الزناد صياغته لينتصر في النهاية الى الانسان، ايا كان لونه او عرقه.
الكتابة صوت الحالمين والمهمشين، الكتابة صوت المجتمع وصداه و»حقيبة حارقة» اقصوصة تنصت لهواجس من يرمون بانفسهم عرض البحر بحثا عن الحياة وتتناول موضوع «الحرقة» بنظرة عكسية وتركز اكثر على معاناة اهل «الحارق» وحبيبته «اقدم يا خالد،صاحب تلك الحقيبة لم يخف موجا ولا موتا، ركب البحر في الايام العاصفة» في الاقصوصة طبيب، صياد يجد حقيبة في عرض البحر، يفتحها ليتضح انها لشاب حارق منذ سنوات، ضاع جسده واخباره لكن بقيت الحقيبة ذكرى تحمل خصلة شعر من حبيبته، فالكاتب هنا يحمل قارئه الى وجع الاهل والحبيبة تاركا الم الحارق ومصيره.
و«العطش الاخضر» وتتناول الاقصوصة قضية الماء وهي من القضايا المطروحة بشدة في الصراعات المناخية، و»اللص والذئاب» وأبطال الحكاية زوجين يعيشان في الجبل وتجبرهما الظروف على تحمل السارق والذئب ممثلا في الارهابيين الذين سكنوا جبالنا لمدة طويلة،و»لقية قاتلة» يتناول فيها الكاتب قصة مساءلة التاريخ للتونسيين وآخر الاقصوصات «زهرة تدمر» وتعيد القارئ العربي الى الم تدمير تدمر التاريخية، والزناد هنا يتخيل شخصية طفلة ستزهر وتعود لتحيي المدينة المدمرة فالنساء مانحات الحياة في كتابات الازهر الزناد.
في «مدينة المرايا» تنطلق بك مركبة السرد في هذه المجموعة القصصية الفريدة، منذ الصفحة الاولى، في رحلة عجيبة تغادر فيها العالم المعهود لتجول في مدينة غريبة، تسكنها شخصيات من اغرب ما يكون، والجدران في هذه المدينة ليست عادية، هي جدران من المرايا تنعكس على صفحتها خيالات من نقاط استفهام، من حيرتنا، ومن الرعب البدئيّ الذي ياهل قلوبنا» كما جاء في مقدمة الكتاب.
مدينة المرايا المجموعة القصصية تجربة ابداعية ونقدية جديدة تضاف لمسيرة الزناد في عالم الكتابة ونصّ مقاوم اخر يولد من رحم افكار اكاديميّ ينتشي بفعل الكتابة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115