مسرح الطفل في تونس: بين مركزية مقيتة وواقع منهك يبقى مسرح الطفل مساحة أمل

مسرح الطفل تجربة ابداعية مختلفة، مجال رحب للخيال والحلم، مسرح الطفل مسؤولية بعضهم يمارسونه بكل الصدق والرغبة في التجديد واخرون

يستسهلون هذا الفن النبيل، مسرح الطفل فرصة للقاء بين الطفل والممثل او المحرّك، تجربة انسانية وفنية جد ممتعة.
مسرح الطفل فرصة للسفر الى عوالم مختلفة يقدمها افنانون مختلفون أحلامهم متباينة، في هذا العدد فتحت المغرب المجال لبعض ممارسي هذا الفن ليتحدثوا عن تجاربهم وواقع مسرح الطفل في تونس ومدى تأثيره على الطفل المتلقي:

• عايدة جابلي مخرجة وصانعة عرائس:
مسرح الطفل مسؤولية فاحترموا عقل المتفرج
عايدة جابلي، فنانة مسرحية مختصة في مسرح الطفل والعرائس، عن بدايات هذه التجربة الفنية والانسانية تقول محدثتنا «انطلقت تجربتي سنة 2012 مع شركة «علاء الدين للانتاج الفني» ادارة الاستاذ محمد نوير، اشتغلت معه في عملين من حيث التمثيل والتحريك وكل ما يتعلق بمراحل صناعة العروسة» البداية مع استاذ مختص في العرائس قدمت لي الكثير وممارسة هذه المهنة النبيلة ميدانيا شجعتني على مزيد البحث لتطوير شخصيتي المسرحية والانسانية، الى ان جاءت تجربة الانتقال الى تطاوين، ميدان بحث فني جديد ومختلف عن العاصمة وهنا ولدت تجربة «راعي الصحراء» المسرحية التي جابت كامل ربوع تونس وحققت نجاح جماهيري وفني جميل.
وعن واقع هذا الفنّ اليوم تقول محدثتنا مسرح الطفل مسؤولية، تجربة نبيلة يجب ان يخوضها ممارسها بكل صدق، لكن للأسف ليس كل من يعمل في هذا المجال يحترم المسرح والطفل، للأسف هناك الكثير ممن «يخدم كيما جا» يعتقدون انهم اكثر ذكاء من الطفل، فيستعملون موسيقى معينة خاصة ايقاعها قوي ليرقص ذاك الطفل ويستعملون الكثير من الديكور لكن في النهاية لا وجود لرسالة فنية او انسانية وبعضهم يقدمون رسائل لا اخلاقية واستفزازية، العديد ممن يمارسون هذا الفعل لا يعرفون قوانين مسرح الطفل؟ ولا أساسياته، ولا المسموح والممنوع في تقديمه للمتلقي؟ الى هؤلاء المعتمدين على التهريج، اقول احترموا ذكاء الطفل وقدرته على التحليل، احترموا المسرح لانه فعل نبيل تام يدعو الى تطهير النفس وتحفيز خيال الطفل.
وتضيف جابلي، نحن المسرحيين بأعمالنا نساهم في خلق طفل واع ومتوازن من خلال رسائل مسرحنا ونحن المسؤولين ايضا عن مزيد هشاشته لنفسية ودمغجته وضياعه، فلنحترم المسرح ولنحترم عقل الطفل المتلقي.
للمسرح تأثيره على الطفل المتلقي، ويختلف التأثير من متلق الى اخر كما تصرح الجبالي مشيرة تنوعت تجربتي من العاصمة الى الجنوب، جبت الكثير من المناطق في الجنوب التونسي، ويمكن الاقرار بالبون الشاسع بين طفل الشمال وطفل الجنوب، لطفل الشمال حظوظ اكبر في الفرجة والتعرف على المسرح، هناك مركزية موجعة والأطفال هنا اغلبهم يشاهد «العروسة» للمرة الاولى، لذلك توجهنا في «راعي الصحراء» الى التحريك المكشوف (محرك العروسة يظهر للطفل المتلقي).
للطفل ردات فعل جدّ مختلفة، بعضها تصبح طرفة مع الوقت، وعمّا علق بذاكرة الفنانة تعود عايدة جابلي بذاكرتها الى اوت 2013 في مدينة دقاش من ولاية توزر، في دار الثقافة قدمنا عرض مسرحية «سناء والغراب» امام اربعة اطفال فقط (لسوء التنسيق من الوزارة في دقاش لا يخرجون نهارا، خاصة في اوت وشهر رمضان)، اولئك الاربعة اطفال الى اليوم ظلت صورتهم عالقة بذهني، فاحدى الطفلات بعد نهاية العرض قدمت «الكاكي» لشخصية القطة، ولم تصدق انها انسان ويلبس «الماسكوت» مشهد مضحك لكنه جدّ موجع، لان تلك الطفلة في دقاش وقتها لأول مرة تشاهد عرض مسرحي عرائسي، تلك المرة الاولى في المدن الداخلية تمثل الوجع للمثل والابهار للطفل.
الى اليوم والصورة عالقة بذهني، الى الان كلما اقدم عرضا اركز مع ردات فعل الاطفال وادعوهم للصعود ليلمسوا العروسة ويتعرفوا على المحرك،فأطفال الدواخل من حقهم الفرجة، من حقهم المعرفة، من حقهم الشعور انهم جزء من هذا الوطن ومنذ مجيئي الى تطاوين احرص على المشاركة في ورشات «صناعة العروسة» في الفضاءات غير المعتادة والأبعد جغرافيا عن المدينة.
وتشير الفنانة الى تجربة انسانية ومهنية جد ممتعة تجربة «ورشة العرائس» بالذهيبة، هناك اقسى الجنوب التونسي وفي منطقة حدودية «في البداية خوّفني الكثيرين من الذهيبة لانها تعتبر نقطة سوداء، بكن الفضول والرغبة في الاكتشاف شجعاني لزيارتها لانجاز الورشة، وفي الحقيقة صدمت لسببين، الاول هو الاقبال الجماهيري الكبير وتعطش الاطفال للفرجة، والثاني شغف ابناء المنطقة ورغبتهم الحقيقية في العمل».
وتضيف جابلي ان تجربة التكوين في الذهيبة مميزة لانها كشفت مجال ابداعي جديد وجغرافيا بعيدة عن المركز يقطنها اطفال يريدون ممارسة الفن ومشاهدة العروض فالقاعة يدخلها يوميا 600 طفل للفرجة والورشة قبلت الكثير من المشاركين وتماهى الاطفال مع الدمى التي صنعوها، وما وجدته في الذهبية من شغف وتعطش للمادة الابداعية عاينته ايضا في رجيم معتوق،ففي الجنوب اطفال عطشى للفن، للممارسة الإبداعية، ينتظرون ان تلتفت اليهم الدولة لتحقق لهم بعض حقوقهم الثقافية التي يكفلها الدستور.

• شادي الماجري مخرج،ممثل:
اين حقوق الطفل؟ قبل الحديث عن مسرح الطفل
طفل لا يكبر، فنان متفرّد في علاقته مع الأطفال، اغلب اعماله تنطلق من التعامل المباشر بين الممثل والمتلقي، من «توبي الدوامة» الى «السيد حاكي» تجربة مسرحية وانسانية تجوب قرى سليانة وأريافها لتقديم الحكايات والهدايا، شادي الماجري ممثل ومخرج يقول عن البدايات «تجربتي في مسرح الطفل كتجربة طفل في الحياة، مسرح الطفل ليس اختصاصي، اختصاصي فن التمثيل، واقع الفنانين في تونس هو ما دفعني الى مسرح الطفل، الواقع الاخلاقي ايضا دفعني لمسرح الطفل، واقع الاخلاقي للممثلين شردني وجعل مسرح الطفل ملجئي، تجربتي الفنية انطلقت من مسرح الكهول بنتجربة «الصرخة» و»البيادق» لكن هناك تحدّ ذاتي في اكتشاف اغوار فنّ أصدق، ولا وجود لصدق اكثر من الطفل، لذلك عدت الى مدينتي «قعفور» وكان ملجئي صديقين هنا الكاتب علاء فرشيشي والممثل محمد سليمة، بعثت الشركة وانطلقنا في التجريب والتحدي».
مضيفا في الحقيقة تجربتي في مسرح الطفل اضافت كثيرا لشادي الانسان، مع «توبي الدوامة» اشتغلنا على الفكرة والنص وقرأنا كثيرا وجربنا قبل انجاز العمل، كنت مثل طفل يتعلم اللعب بالعروسة من جديد، وإحساس ان تكون طفلا تجاوز العشرين ممتع جدا والدافع الثاني لاختيار هذا المجال كان استاذي العظيم محمد مختار الوزير، فما قدمه ذاك الرجل لمسرح الطفل يجب ان يدرّس ويمرر في التلفاز، لانه حقا عظيم وتجربته تدرّس وتؤرخ لمسرح الطفل في تونس.
شادي الماجري فنان خبر الميدان وعرف الجمهور في اغلب الفضاءات المسرحية الكلاسيكية والمتجددة، عن واقع هذا الفن يقول: اي واقع سنتحدث عنه؟ هل نتحدث عن مسرح الطفل في غياب حقوق الطفل؟ ايّ فضاء للعب او الفرجة لطفل يشاهد للمرة الاولى عرضا مسرحيا؟ في الحقيقة واقع المسرحيين عموما يرهق الروح والجسد،وواقع المسرح الطفل اكثر ايلاما، لسببن الاول المشهد الابداعي العام وصعوبة ممارسة المسرح في تونس والثاني استهتار البعض ممن يمارس مسرح الطفل، تخيّلوا هناك من «يبيع ويشري في مسرح الطفل؟»، هناك من لا يحترم عقل الطفل ويقدم ايّ «تنشيط» ويدعي انه ينجز مسرحا للطفل والامر بعضهم ينجز مسرحية في اسبوع؟، فهل هناك وجع اكثر من الاستخفاف بضحكة الاطفال وصدقهم؟.
يختلف التلقي لدى الاطفال هكذا يجزم شادي الماجري، فهو طفل لا يكبر امام جمهوره من الاطفال «حين عدت الى قعفور، استرجعت ذكريات طفولتي وجمعية «الابتكار المسرحي» وأنجزنا «توبي» و»افان» ونحن نلعب كالاطفال، وكلما قدمنا عرضا اصدم بمركزية مقيتة، كثير من الاطفال حين نزورهم يتلقون العرض لأول مرة، الاختلاف صنعته الادارة والجغرافيا، هناك اطفال تعودوا على الفرجة والممثل مثل اطفال مهرجان نيابوليس وآخرين لا يعرفون معنى المسرح والتجربة التي قدمناها في ارياف سليانة تدل على ذلك، هذا الاختلاف يصنع الهوّة بين اطفال الوطن الواحد، شخصيا اقدم عروض مجانية للاطفال في المدارس فقط فليسهلوا التعقيدات الادارية.
بين الطفل والعروسة علاقة عجيبة هكذا يقول محدثنا مشيرا الى طرفة كانت بمثابة بارقة الامل لديه»منذ يومين كنت اقدم عرض السيد حاكي في نيابوليس، احدى الصغيرات تركت مكانها واتجهت الى الدمية «نوار»، عانقتها وبدأتتنويمها كأنها امها، صورة مضحكة ومفرحة، لان صدق الاطفال وتلقيهم للرسالة المطروحة دليل نجاحنا في مجال يرهق الروح ويتعب العقل» حسب تعبير شادي الماجري الذي ختم تصريحه بالقول «اخترت مسرح .
• خبيب العياري: ممثل وصاحب فضا «ارسطوفانيس»:
يجب ان يخضع مسرح الطفل إلى الرقابة لضمان احترامه للبيداغوجيا
فنان ينحت مسيرته الابداعية بالكثير من العمل، ترك نجاحاته في العاصمة وعاد الى «وادي الزرقاء» ليقدم الفعل المسرحي لأطفال الارياف هناك ويزرع بذور الامل في اطفال حرمتهم الجغرافيا من دار ثقافة ومركبات طفولة وفعل ابداعي يصل اليهم، يحمل وصديقه عامر المثلوثي على عاتقهم مهمة نشر المسرح وإيصاله الى الاطفال المحرومين من الفرجة، خبيب العياري الفنان المشاكس يقول عن تجربته في هذا المجال اعتبر تجربتي في مسرح الطفل ،متواضعة امان هذا العالم اللاّمحدود لكنها نموذجية، حيث مارست التكوين ،و صناعة الدمى و العرائس و السينوغرافيا و التمثيل و لم اجرب بعد الاخراج لمسرحيات الاطفال اذ تنتابني رهبة تنبع من حرص على احترام هذا العالم الحساس،عندما امثّل ضمن مسرحيات الاطفال أكون اول المستفيدين حيث استعيد طفولتي وأحاول ان احاكي تلقائية الاطفال ، وذاك الوقت الذي اقضيه في التمارين على شخصية او تقديم عرض للأطفال كفيل بأن ينسيني شقاء اليومي وارقه.
ويضيف محدثنا بخصوص واقع مسرح الطفل في تونس تنتج الساحة المسرحية التونسية كل سنة اكثر من 100 عرض مسرحي موجه للاطفال تنقسم بين مدعومة من وزارة الشؤون الثقافية و ماهو انتاج ذاتي ، و ايضا بين اعمال تنتجها هياكل محترفة و اخرى هاوية، بالنسبة لرايي الشخصي ،تقاس جودة الاعمال من خلال احترامها للآليات و الطرق البيداغوجية في التعامل مع مختلف مراحل الانتاج المسرحي من كتابة النص الى عرضه للجمهور و ايضا في ايجاد توليفة بين ماهو بيداغوجي تربوي و ما هو ترفيهي تفاعلي.
وفي تونس لا وجود لرقابة صارمة و لا لضمانات جودة في الاعمال المقدمة للاطفال حيث عاينا في عديد المناسبات ممارسة منسوبة لمسرح الطفل تبدو خطيرة و تستوجب تدخلات سريعة.
ويشير العياري في رأيي مسرح الطفل له اهمية كبرى في بناء و نحت شخصية مجتمع المستقبل لذا يجب ان يكون مدعوما بالكامل و مراقبا بصرامة من ناحية المحتوى و لا يخضع ابدا لمنطق التجارة و العرض و الطلب، فالطفل كائن حساس ومسرح الطفل مسؤولية يجب التعامل معها باحترافية وصدق.
«ارسطو فانيس» فضاء ثقافي خاص في وادي الزرقاء، نواة صغيرة للتكوين وتعليم الاطفال الفرجة وانجاز الفعل المسرحي، الفضاء بمثابة المساحة الحرة ليحلم اطفال الهامش، وعن التجربة يقول العياري انا اسست و ادير فضاء ثقافيا خاصا في منطقة مهمشة رواده يتكونون اساسا من الاطفال بنسبة تصل الى 80 % ونقدم لهم تظاهرات و ورشات تكوينية وعروض نحرص تمام الحرص على انتقائها ومدى تلائمها مع الشرائح العمرية المستهدفة و نقدم خدماتنا للاطفال بصفة مجانية بهدف تمكين المناطق المهمشة من حق الولوج الى الثقافة ، ايمانا منا ان الثقافة تغير وجه تلك المناطق فهي تجمل واقعهم و تواسي احلامهم وتجعلنا جميعا نحلم بمستقبل افضل ، نحن نساهم في بناء شخصية مواطن يتجاوز عقدة «الحقرة» الى مواطن يحلم وينفذ.
فنان احبه اطفال الارياف وتعودوا عروضه، مدافع شرس عن حقوقهم الثقافية، ينصت لأفكارهم الصغيرة ويحقق امالهم الأكبر، في مجاله الكثير من الطرائف «بالنسبة لي الطرائف عديدة ، لكن ابرزها ان والدتي تنعت جميع ابناء القرية» باولادك « فهم عادة ما يقتحمون المنزل او حتى غرفتي بحثا عني وطلبا لمزيد النشاط ومزيد التظاهرات و العروض وتلك هي طريقتهم في المطالبة بحقهم في الثقافة والترفيه».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115