100 عام من السينما التونسية: هل ينقذ حدث المائوية الذاكرة السينمائية؟

إذا كان الشعر ديوان العرب فإنّ السينما هي ذاكرة الشعوب. بين الأبيض والأسود تقف الكاميرا في حدود الخط الفاصل بين النور والعتمة لتشهد على تاريخ الصورة وتسلسل

سلمها المكاني والزمني والجمالي . وقد عرفت تونس السينما منذ 100 عام لتشكل حقلا خصبا للفن وللإبداع وسلاحا للنضال السياسي والاجتماعي و الثقافي... ومن عقد إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى تطورت السينما التونسية في مواكبة للعصر وتأقلمت مع المستجدات الفنية والتقنية. وها هي اليوم تحتفل بحدث مئويتها ( 1922 - 2022) وهي مزهوة بمنجزها وأثرها الذي انطلق مع فيلم «زُهرة» لتكبر حديقتها وتتسع لأكثر من زهرة وأكثر من لون وأكثر من عطر وأكثر من وجه....
تحت إشراف رئيسة الحكومة نجلاء بودن تحتفي وزارة الشؤون الثقافية ممثلة في الإدارة العامة للفنون الركحية والفنون السمعية البصرية والمركز الوطني للسينما والصورة ومسرح الأوبرا وإدارة الموسيقى والرقص وبيت الرواية بحدث مئوية السينما التونسية من 21 إلى 30 ديسمبر 2022 بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي. ويتواصل الاحتفاء بالسينما التونسية على امتداد سنة كاملة عبر برمجة عدد من التظاهرات موزّعة على كامل تراب الجمهورية.
«شمامة شيكلي» رائد السينما التونسية
تعود علاقة تونس بالسينما إلى عهد بعيد وتشير المراجع التاريخية إلى أن بدايات السينما في تونس ترجع إلى عام 1896 تاريخ تصوير الأخوين لوميار لمشاهد حية لأنهج تونس العاصمة. في العام التالي أقام ألبير شمامة شيكلي، رائد السينما التونسية، أول عرض سينمائي بتونس. سنة 1908 افتتحت «أمنية باتي» كأول قاعة سينما في البلاد. عام 1922 صور ألبير شمامة شيكلي فيلم «زُهْرَة»، أول فيلم قصير في تونس، تبعه سنة 1937 أول فيلم طويل بعنوان «مجنون القيروان».
لم يخلد السينمائي اليهودي التونسي ألبير شمامة شيكلي اسمه في تاريخ السينما فحسب بل اقترن اسمه بـ»جزيرة شكلي» والتي كان آخر مالك لها . وقد تم تسجيل شكلي منذ سنة 1993 ضمن المواقع التاريخية ، وهو ما جعل الدولة توليها الاهتمام اللازم لتقوم بترميم حصنها بداية من سنة 1994 وذلك بالتعاون مع الحكومة الإسبانية. وقد انتهت أشغال ترميم الجزيرة وأعمال تطهيرها وتنظيفها وكذلك أشغال الحفريات الأثرية مع بداية الألفية الجديدة وبات حصن شكلي جاهزا لاستقبال الزوار ولإقامة المهرجانات والعروض الفنية والثقافية على غرار العديد من المواقع الأثرية في تونس.
وقد فتح حصن جزيرة شكلي أبوابه مؤخرا لاستقبال ضيوف أيام قرطاج السينمائية 2022 بمناسبة مئوية السينما التونسية. واليوم تحتاج جزيرة شكلي أكثر من أي وقت مضى استثمارها استثمارا حقيقيا في السياحة الثقافية سيما وهي التي تحتفظ بذكرى رائد السينما التونسية شمامة شيكلي.
عُمار الخليفي أب السينما التونسية
هي مائة سنة مرت على ولادة السينما في تونس على يد شماشة شكلي وأكثر من خمسين سنة مرّت على إنتاج أول فيلم تونسيا لحما ودما بفضل المخرج الراحل عمّار الخليفي وفيلمه «الفجر» سنة 1966. وقد انبلج فجر السينما التونسية مع فيلم «الفجر» التي تخلصت من هيمنة الرؤية الاستعمارية لتعانق سماوات الحرية من أبواب الوطنية.
ومنذ «فجر» السينما في تونس إلى حد اليوم تراكمت أفلام وأفلام صنعت مجد الفن السابع في بلادنا واستقطبت كبار المخرجين العالميين في سنوات مضت بفضل جودة خدمات مخابر «قمرت». أما اليوم لم يتبق من «ساتباك» سوى أثر غابر وبكاء على الأطلال حيث ينام أرشيف السينما التونسية في أقبية منسية بها من الرطوبة ما يتربص بنسف تاريخ الفن السابع في بلادنا المحفوظ في «بكرات» قديمة عن بكرة أبيه!
عن ظروف تأسيس «ساتباك»، يقول المدير السابق للمركز الوطني للسينما والصورة فتحي الخراط في الكتاب الجماعي»خمسون سنة من السينما التونسية»، ما يلي :»بعد قصف سلاح الجو الفرنسي سنة 1958 لقرية سيدي يوسف، أراد الزعيم بورقيبة أن يعرض للعالم من خلال الأمم المتحدة وحشية المجزرة التي ارتكبتها فرنسا. بيد أنه لم يفلح في الحصول على الصور أو الفيلم الذي وثق لتلك المجزرة لأن تونس لم تكن تملك وسائل تصوير، أو تحميض، وطبع الأفلام. فقرر الزعيم بورقيبة عل الفور إنشاء مخابر سينمائية، وبعث الشركة التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية (ساتباك)».
وقد تم التفريط في «ساتباك» في سياق سياسة خوصصة المؤسسات حيث تمت تصفية الشركة وبيع ممتلكاتها بالمزاد العلني سنة 1992. وبمقتضى اتفاق بين وزارة الثقافة وصاحب شركة «كوينتا كومينكايشن» طارق بن عمار سنة 2002 تمّ تمكين هذا المستثمر من حق استغلال الأرض التي تقع بها «ساتباك» سابقا بالدينار الرمزي مقابل التعهد برقمنة الأفلام الموجودة في أرشيف «قمرت».
ولكن بقيت دار لقمان على حالها ولم يف طارق بن عمار بالوعد وصمتت الوزارة عن هذا التخاذل !
أيام قرطاج السينمائية المكسب التاريخي
كان من المؤسف ومن التناقض أن يأتي حدث الاحتفال بمائوية السينما التونسية وأيام قرطاج السينمائية تتراجع بخطواتها إلى الوراء وتعود للانتظام مرة كل سنتين. ويبدو أن وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي قد راجعت قرارها المتسرع لتعود الأمور إلى نصابها. وقد تأسست أيام قرطاج السينمائية الفريدة من نوعها عربيا وإفريقيا عام 1966 على يد الأب المؤسس الطاهر شريعة الذي صرّح بأن : «فكرة تكوين أيام قرطاج السينمائية خرجت عن انفعال وغضب وكانت ردّة فعل عنيفة جدّا مني»... ولما سئل في أحد الحوارات الصحفية عن أهداف هذه الأيام قال: «قررت أن أبعث مهرجانا سينمائيا تونسيا لا يشبه أي مهرجان آخر بعيدا عن كل الشوائب غير شبيه بالمهرجانات التي تروج لأفلام رديئة فتنمّقها وتسوّقها والغريب أنك تجد الآخرين يتنافسون على شرائها فأردته مهرجانا غير تجاري ينطلق في إطار تونسي ثم عربي وعندما نتجاوز مسألة اللغة يكون إفريقيا ثم عالميا ولا يكون كذلك إلاّ بالتركيز على الخصوصية التي من أجلها يأتي الناس من مختلف بلدان العالم لمتابعة هذا المهرجان. «
وبعد مرور حوالي 56 سنة على تأسيس أيام قرطاج السينمائية التي أضضاعت هي الأخرى أرشيفها وذاكرتها، واحتفاء بمئوية السينما التونسية قد يتجاوز المقام مجرد الاحتفال ليكون وقفة تأمل وتدبر في ما مضى وفيما سيأتي !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115