ولأن الإبداع حين يولد من رحم المأساة يكون أصدق وأجمل وأكبر تأثيرا صنع السجناء الفرق في أيام قرطاج المسرحية بخروجهم من السجون إلى القاعات لا كمودعين لقضاء عقوبة بل كفنانين ينسجون خيوطا من الأمل والحلم على ركح أب الفنون.
في فضاء «مدار قرطاج» حيث كانت روح صاحبته الراحلة رجاء بن عمار ترفرف في الأرجاء، كان الركح والمدار رهن إبداع السجناء ضمن قسم «مسرح الحرية» في إطار الدورة 23 من أيام قرطاج المسرحية. ومن 4 إلى 8 ديسمبر 2022 تم عرض 12 عملا مسرحيا بمعدل عرضين أو ثلاثة عروض يوميا.
انفجار للإبداع من رحم المعاناة
هي المعاناة المتعددة الأوجه التي يعيشها المودعون ابتداء من لعنة السجن مرورا بالحرمان من الحرية وصولا إلى قسوة المجتمع. فقد انفجرت كل هذه القيود والاحتياجات إلى منابع إبداع تثير الإعجاب لا من باب المجاملة بل عن استحقاق وجدارة.
ولأن الفن الرابع كان لهم علاجا للآلام والأوهام ومتنفسا للأمل والحرية، انغمس المودعون في السجون التونسية في التمرين والتدريب على خشبة المسرح حتى ينفضوا عنهم لقب «المجرم» ويلبسوا صفة «الفنان». وعلى هامش أيام قرطاج المسرحية 2022 تم تقديم 12 عرضا مسرحيا من إنتاج نوادي المسرح بالوحدات السجنية والإصلاحية، وهي: سجن المرناقية (مسرحية «ستار العيوب») و سجن برج العامري( مسرحية «حكمة مجنون») وسجن المرناقية(مسرحية «XY») وسجن قبلي ( مسرحية «خضرا») وسجن صفاقس (مسرحية «علاش هكة») وسجن برج الرومي( مسرحية «إنهيار») وسجن مرناق (مسرحية «غالية») وسجن الهوارب (مسرحية «ترهويجة») وسجن سوسة بالمسعدين (مسرحية «بالسلامة») وسجن قفصة (مسرحية «أون بان») وسجن المهدية ( مسرحية «هذا بختى») ومركز إصلاح الأطفال بسيدي الهاني (مسرحية «إنفصام»).
وعن مشاركة «مسرح السجون» في الدورة 23 لأيام قرطاج المسرحية وبداية خروج العروض من السجون إلى القاعات، أفاد طارق الفني رئيس الإدارة الفرعية لتنسيق برامج التكوين والتنشيط والتأهيل بالهيئة العامة للسجون والإصلاح في تصريح لـ«المغرب» بالقول: «هي تجربة ثرية ومهمة انطلقت منذ سنة 2017 في شراكة مع أيام قرطاج المسرحية حيث قدمنا عرضا واحدا ثم تم تعميم هذه المبادرة على كافة الوحدات السجنية والإصلاحية. ونحن نحتفي اليوم بالدورة السادسة لمسرح السجون حيث تمثلت مشاركتنا هذا العام في تقديم 12 عرضا مسرحيا احتضنها فضاء مدار قرطاج وقد توزعت بين 3 عروض نسائية و8 عروض رجالية وعرض واحد للأطفال من إبداع مركز إصلاح الأطفال بسيدي الهاني. وقد تطورت التجربة من سنة إلى أخرى بعد أن أصبحت نوادي المسرح موجودة في كل السجون التونسية.ومن مميزات الدورة الحالية هو أن بعض العروض كانت من ألفها إلى يائها من إبداع المودعين على مستوى الكتابة والإخراج والأداء على غرار عروض سجون المهدية ومرناق والمرناقية...
مسابقة لأفضل ثلاثة عروض
من أجل تشجيع السجناء على الإبداع تم تخصيص مسابقة لأفضل عروض السجون وقد أوضح طارق الفني أنه تم رصد ثلاث جوائز لأفضل العروض وتتمثل في جائزة تمنحها أيام قرطاج المسرحية وقيمتها 3 آلاف دينار إلى جانب جائزتين تسندهما الهيئة العامة للسجون والإصلاح قيمة الأولى ألفي دينار وقيمة الثانية ألف دينار . وأشار إلى أن من المقترحات في الدورات القادمة إدماج الجوائز الفردية في المسابقة على غرار جائزة أحسن تمثيل ونص وغيرها تحفيزا للمودعين على مزيد الاندماج في المجتمع عن طريق الثقافة والفنون.
ولأن الزمن في السجن هو الوحش الأكبر فإن قتله لن يكون إلا بملء الفراغ الروحي والذهني والعاطفي بممارسة الفنون . وفي هذا السياق أكد طارق الفني أنه إلى جانب المشاركة في أيام قرطاج السينمائية منذ 2015 وأيام قرطاج المسرحية منذ 2017 والبطولة الوطنية للمطالعة وغيرها من التظاهرات الثقافية الكبرى تضم كل الوحدات السجنية والإصلاحية نواد مختصة في كل الفنون على غرار السينما والمسرح والفنون التشكيلية والبراعة اليدوية والرقص والموسيقى ونوادي الأدب والمطالعة ونوادي الرياضة...
وعن مدى تميز وتفرد التجربة التونسية في الخروج بإبداعات السجناء من وراء القضبان لملاقاة الجمهور العريض أكد طارق الفني أن تونس تنفرد على مستوى عالمي بتقديم عروض السجون خارجا وعلى ركح القاعات في لقاء مباشر مع الجمهور. وهو ما يستحق الافتخار والاعتزاز بتونس بلد التقدم والحداثة على مر التاريخ.
عدد النوادي بالوحدات السجنية والإصلاحية
• 33 نادي مسرح
• 8 نوادي سمعي بصري
• 33 نادي رسم وبراعة يدوية
• 33 نادي أدب ومطالعة
في أيام قرطاج المسرحية: مسرح السجون يميّز تونس عالميا
- بقلم ليلى بورقعة
- 11:57 12/12/2022
- 1208 عدد المشاهدات
من داخل السجون تنير الفنون عتمة الزنزانات وتكسر عزلة القضبان لتفتح أبواب الحرية على مصراعيها أمام كل سجين اختار أن يهزم الضعف والوجع والحرمان بالفن...