افتتاح مهرجان فرحات يامون للمسرح: جزيرة الأحلام تراقص أحلام المسرحيين وإبداعات الحالمين

جربة تحتفل، جزيرة الاحلام تعانق كل الفنون في يقظتها وفي حلمها، وتحتضن الجزيرة العديد من الفعاليات الثقافية والفنية ويزورها العديد من المثقفين وباعثو الامل

جربة تعيش على وقع صدق المسرحيين ونضالاتهم لتقديم افكارهم الثورية والمختلفة، فالمسرح مساحة للحرية وللحياة.
ضمن فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان فرحات يامون للمسرح كان اللقاء بين الممثلين والجمهور. والمهرجان من تنظيم دار الثقافة فريد غازي ومركز الفنون الركحية والدرامية والجمعية التونسية لفنون الشارع، وهو لقاء بين صانعي الفرحة وضيوف يقبلون على الفن الرابع بشغف الاطفال، وكان اللقاء الاول مع كرنفال ومسرحية «ديكادونس» في المركز المتوسطي للموارد الجمعياتية بحومة السوق.
جربة تعيش على ايقاعات الفنون
جربة تحتفل، بالمسرح والموسيقى، جربة تحتفل بكل التلوينات الفنية المشجعة على الامل، جزيرة الأحلام تسكن زائرها بطاقة لاكتشاف كل جزئياتها، الجزيرة الصامتة الهادئة تحولت الى ساحة للسجال المسرحي والموسيقي، الجميع يشاهد العروض والكل يسابقون الوقت لاقتناص فرصة التقاط صورة مع نجمه في هذا العرض وإكمال العرض الموسيقي في الشارع الرئيسي.
وقد استفاقت ازقة المدينة العتيقة ليلا من صمتها وصنعت اقدام المترجلين المسرعة موسيقى مميزة تماهت مع موسيقى الطرق لصانع النحاس المحبّ لمهنته، ساعات من المتعة في افتتاح مهرجان فرحات يامون للمسرح، اب الفنون انفتح على بقية التلوينات الابداعية ضمن تظاهرة كلية عنوانها جربة تحتفل والجزيرة جديرة بالاحتفال بخصوصياتها الثقافية والتاريخية.
طويل هو الطريق من تونس الى جربة، بين تسع وعشر ساعات يقضيها الزائر في الحافلة، لكن تعب الرحلة ينسى بمجرد الدخول الى مدينة جميلة تبهر زائرها بكرم اهلها وهدوئها وجمال زقتها، في «حومة السوق» كان اللقاء الاول مع جربة، في مكان اجتماع الثقافات والديانات تحديدا نهج «بنزرت» سيكون اللقاء اليومي مع احتفاء المدينة بالحياة، فجربة قبلة للباحثين عن الهدوء والحالمين والمنتشين بجمال النوتات الموسيقية وصدق الاداء المسرحي.
افتتاح مهرجان فرحات يامون في دورته التاسعة والعشرين والاستثنائية هذه المرة لتزامنه مع القمة الفرنكفونية، انطلق منذ الساعة الثالثة ظهرا بكرنفال ضخم جمع كل الالوان الموسيقية والفرق التنشيطية، تتقدم الكشافة التونسية الوفد المحتفي بالحياة حاملة العلم الوطني، رافعة اياه الى اعلى ليبدو شامخ دائما، ثم مجموعة ماجورات قابس، فتيات يتقن العزف على الكلارينات والترومبات، خلفهم مجموعة الدمى العملاقة، تلك الدمى التي تشد انتباه الطفل ويبحث عن طريقة للوصول الى الاعلى، ثمة الفرقة النحاسية للجزيرة، يليها المحفل و»طبالة جربة» جزء اساسي في الهوية الموسيقية للجهة، بعدها «مجموعة غبنتن» المحافظين على موروثهم الموسيقي والتاريخي، يمشون قليلا ثم يرقصون رقصتهم التقليدية جدّ الخاصة وينتهى المشهد الاحتفالي بالفرقة الجزائرية.
الكرنفال لوحة فيسفسائية تكشف ثراء المخزون الثقافي لجربة، الوانهم المختلفة جزء من رصيد احتفالي متباين يعرفه اهل الجزيرة، جربة ارض للقاء، جمعت بين العرب والامازيغ والمالطيين، مدينة تجتمع فيها في حيز جغرافي واحد المساجد بعمارتها الفريدة والكنيسة والمعبد اليهودي، تجتمع الافكار والاديان والثقافات الصناعات اليدوية، كلّ هذال الثراء والتنوّع يوجد نبضه في كرنفال افتتاح مهرجان فرحات يامون للمسرح «المسرح يجمعنا، المسرح زادنا لنحلم ونبدع» حسب تعبير مدير الدورة السيد كمال بن تعزايت.
«ديكادونس» مسرحية ناقدة وممثل جنديّ:
موجع ان تحلم في زمن المادة، متعب هو الاحساس بثقل الامل والحلم امام سطوة ونفوذ اهل المال، ينهك الفنان نفسيا وجسديا عندما يجد نفسه اسير السوق ومتطلباته غير قادر على الكتابة الحرة والأداء المتحرر كما يريد، هكذا يضع ماهر مصدق جمهوره امام صدمة الوجع والكثير من المعاناة التي يتشاركها الفنان مع جمهوره، في مسرحية «ديكادونس» تمثيل ماهر مصدق وانتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بسليانة.
ديكادونس» هي الوجع المغلف بالابتسامة، الارهاق المطلي بالضحكة والم الجوع والبطالة القصرية الموشى بكلمات بطولية مثل الحب والنضال والصدق، بين ثنائيتي الموجود والمنشود تقفز الشخصية، حينا تغوص في الحلم وتوزع كل التلوينات الجمالية، ترقص بصدق وتنتشي بالحب، وفجاة تعود الى واقعها المرير وبطالتها وضرورة البحث عن اي مادة لانجاز اشهار لسوق «الشامية»، بين السواد والبياض تتارجح الشخصية مذكرة الحضور بواقع الفنانين في تونس.
ممثل واحد، متعدد، ممثل وحيد على الركح يتحول الى اثنين بفعل تقنية البث المباشر على الشاشة خلفه، ثم يتعدد، يرتفاع الشخصيات التي سيجسدها، ممثل يقدم اكثر من لعبة مسرحية، يتحدث الانقليزية والفرنسية والعربية ويجمعها في نصّ واحد وحلم اوسع، يقدم ماهر مصدق شخصية فنان، له اسلوبه في الحياة، له طريقته المتمردة في التعبير لكن يضطره اليومي لانجاز ومضة اشهارية «انا جيعان في كرشي» فيجلس امام الكاميرا ويعود الى باطنه ومكتسباته الثقافية والمسرحية على امل نجاز الومضة، ينتقل من مدرسة تمثيلية الى اخرى، من المسرح الكلاسيكي الى العبثي فالشعبي، من اسلوب السينما الى الدراما فالارتجال بصدد ايجاد فكرة مختلفة لا تتعرض مع مبادئه وتضمن له قوته في اتلوقت ذاته، هي تجسيد لرحلة الفنان في صراعاته اليومية مع الحلم والمادة.
«ديكادونس» مسرحية تشرّح واقع الفنان وتكشف الصراع الازلي بين الابداع والمال، مسرحية قدمها ممثل يشتغل بعقلية الجندي الذي يحترم جمهوره وفنه، ماهر مصدق في العرض كان بمثابة جندي في ساحة النزال يمتلك رصاصة وحيدة فيقرر مواصلة الحرب لا الاستسلام كذلك فعل جندي المسرحية فالممثل اصيب بوعكة صحية قبل العرض وقضى اغلب الوقت بين المشفى والادوية وقبيل العرض بساعة كان قرار الالغاء هو الابرز، لكنّه استجمع كل قواه ليصعد امام جمهور مدينته ويخوض حربه وينجح فيها بكل الصدق والانهاك البادي على ملامحه، لتسكب الساحة المسرحية جنديا جديدا يعمل بمقولة «الممن ما يسلمش، يتعب ويرجع».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115