الممثلة والمخرجة المميزة والمتميزة دليلة المفتاحي ُكرمت امس في مهرجان بغداد الدولي اعترافا بتجربتها المسرحية الثرية، امام جمهور بغداد وفي اكبر المسارح العراقية فنانة تونسية نحتت اسمها بالكثير من الحب والوجع والأحلام، في المسرح الوطني العراقي يرفع النشيد التونسي عاليا، صادحا بكرامة واحلام من يحملون الوطن بين جنبات قلوبهم والذين يعملون حتى يظل اسم تونس مرفوعا وعاليا في كل المحافل الدولية.
دليلة المفتاحي سيدة الدراما، عمود من اعمدة المسرح التونسي، ركيزة اساسية للإبداع وشمعة مضيئة دائما، دليلة المفتاحي المرأة المثابرة والطفلة الحالمة، شجاعة على الركح تبكيك وتضحكك في الوقت ذاته، تتقمص الشخصية وتتماهى معها، ممثلة رائعة وصادقة كلما مثلت انسجمت مع شخصيتها.
دليلة جزء من ذاكرة الجمهور التونسي، في خبايا الذاكرة تتربع ملكة على عرش الدراما، تسكن القلب لمشاركتها في مجموعة من المسلسلات التونسية المرتبطة بالفترة الذهبية للدراما التونسية على غرار «الدوار» و«ليام كيف الريح» و«العاصفة» و«الحصاد» و»الخطاب عالباب» و»عنبر الليل» و«يا زهرة في خيالي» و«منامة عروسية» و«اخوة وزمان» و«الريحانة»، جميع هذه المسلسلات كانت فيها المفتاحي قبسا للصدق وروحا منيرة وممثلة متميزة، دليلة من عناوين التميز في الدراما الجديدة أيضا شخصيتها وأداؤها المربك والمبهر يجعلها من نجوم العمل رغم الجدل حول المسلسلات الجديدة وقيمتها الاّ انّ الجمهور يجمع على تميزها مثل ادائها في «اولاد مفيدة» او «شورب»و»قلب الذيب» كل هذه الاعمال لاقت الكثير من النقد اما اداؤها فمشهود له وحضورها من علامات القوة في الاعمال، فالمفتاحي لها تعويذة النجاح الخاصة بها.
دليلة المفتاحي ممثلة تونسية محترفة، مسكونة بهاجس النجاح، سبيلها الاول العمل والحب لتحقيق كيانها المسرحي، حالمة دوما بالاختلاف والتميز، صنعت مسيرها بكثير من الاجتهاد، طفلة السبع سنوات اليوم من ابرز الوجوه المسرحية في تونس، من جندوبة كانت الانطلاقة تحديدا في مدرستها الابتدائية، طفلة تدرس بالسنة الثانية عمرها سبعة اعوام تقدم مسرحية باللغة الفرنسية و لم تدرس بعد لغة موليير «كتبوا لنا النص بأحرف عربية وحفظناه وقدمناه وتحصلت على الجائزة الأولى» وكانت مسرحية «الدكتور كنوك اول تجربة تمثيلية تخوضها دليلة المفتاحي.
تلك الطفلة كانت تختبئ تحت كراسي دار الثقافي وتكتم انفاسها لتشاهد تدريبات الفرقة القارة بجندوبة، تراقب حركاتهم وتنصت الى توجيهات الاستاذ المؤطر وتعيد ما تشاهده في المنزل، وفي سنّ الخامسة عشرة اقتحمت عوالم المسرح الاحترافي، طفلة الخمسة عشرة ربيعا تجرأت على المنظومة المجتمعية في السبعينات ومارست المسرح في جندوبة «في تلك الفترة من تخرج لوحدها لمرتين في الشارع تتهم بأبشع النعوت، فكيف بمن تمارس الموسيقى والمسرح؟» ولكن حفيدة الطاهر الحداد صنعت شريعتها وتحدت المجتمع وقررت ان يكتب اسم دليلة المفتاحي في تاريخ تونس بأحرف من ذهب ونجاح وشاركت الطفلة في مسرحية «رحيم» التي عرضت ضمن فعاليات اسبوع المسرح التونسي امام الزعيم الحبيب بورقيبة وتحصلت على جائزة افضل ممثلة، تتويج له مذاق العلقم، فايّ قوة سكنت تلك الطفلة التي تركت والدها مسجى وتنقلت للعاصمة لتعرض المسرحية وتتحصل على افضل اداء ثم تعود لتدفن والدها، ربما عظمة ذاك الموقف صنع للجمهور نجمة مختلفة وامرأة لا تخاف فكرة الفشل او النقد، تونسية شامخة معتدة بذاتها ونجاحها وانتمائها لوطنها، ومنذ العام 1978 انتمت مبدعتنا رسمي للفرقة القارة بجندوبة مع محمد المديوني ونور الدين الورغي وانطلقت مسيرتها الاحترافية الحقيقية في المسرح.
دليلة المفتاحي، امراة من نار، نحتت اسمها بالصدق والعمل، ممثلة مميزة ومخرجة مختلفة، تنحاز للمرأة والوطن في كل اعمالها المسرحية، تعود الى التاريخ لتكرم شخصيات تناستها المراجع الرسمية، تنبش في الذاكرة الشفوية وتنصت لهواجس النساء وتكتبها على الركح، ينعتها البعض بالمخرجة الديكتاتورة «احترم الركح، اراه فضاء مقدس هو مثل الارض، عليك صيانته والمثابرة للحفاظ عليه»، الاخراج ليس متعة او «موضة» بل مسار اخر احقق معه افكاري وأحلامي التي لم تكتمل بعد لتقدم 16عمل مسرحي من اخراجها من بينهم عملين مع المسرح الوطني الجزائري على سبيل الذكر «النار تخلف الرماد» و»شجاعة عنترة» و»دار حجر» و»حرّ الظلام» و»شهرزاد للة النساء» و»قمرة14» و»قلب الرحى»، فالمفتاحي مثابرة ومصرة على التألق اينما ولّت.
ضمن فعاليات مهرجان بغداد الدولي كرّمت سيدة من سيدات المسرح التونسي، امام جمهور عراقي وعربي رفع علم تونس عاليا، كرّمت امراة تونسية ومبدعة متميزة انتصرت لوطنها ومسرحها فكافئها بالنجاح والتميز والدخول الى تاريخ المسرح من اكبر ابوابه، فشكرا لكنّ من يساهم في رفع راية تونس في المحافل الدولية ومن يدافع عن تونس بفكره وقلمه واحلامه.