رغم كل الحواجز المادية والجغرافية، هم مرتبّون يعلمون النشء حبّ الفن والقدرة على النقد وتعلّم أبجديات الفرجة المسرحية وممارستها واحتفاء بتجربتهم وبمناسبة اليوم العالمي للمربّي قدّم مشيدو صرح «منيرفا تيار» بسبيطلة عملهم المسرحي «الحاسوب المغرور» ضمن فعاليات تظاهرة circuit théathre.
المسرحية جزء من مسار ابداعي للفنان مقداد الصالحي وبراعم «منيرفا تياتر»، هي مساحة للعب والحلم والفنّ اجمعوا فيها على الانتصار للعلم وللانسان، عمل مسرحي يتغنى بالمدرسة والمعلّم ويزرع في الطفل رسائل عن قيمة الاجتهاد والعمل، وكانت في اليوم العالمي للمربي فرصة لشكر كل الاطار التربوي في كل ربوع الجمهورية.
هيا نلعب، هيا نحلم، هيا نكتب امالنا على الركح
«الحاسوب المغرور» مسرحية من اخراج مقداد الصالحي وتمثيل براعم فنية تعلمت المسرح في ذاك الفضاء الشامخ المعاند لجبال الشعانبي وسمامة، ثلاثتهم تكوّنوا في فضاء منيرفا واحبوا المسرح وكلما شاركوا في عمل مسرحي كانوا متميزين، الممثلون هنيدة وغفران ومحمد امين الصالحي مع الممثلة زينة المساهلي ومقداد الصالحي خمستهم حملوا الطفل الى عالم الحكايات، تدور احداث المسرحية في مكتب، تحديدا فوق طاولة الدراسة، تخيّل ان بامكانك مشاركة اقلامك ومسطرتك وكتابك وحاسوبك الحوار، الى هذا العالم المغر حملوا قلوب الاطفال من التلاميذ وافكارهم ليقدموا عملا مسرحيا يزخر بالموسيقى والاغاني ذات البعد التربوي والتعليمي.
«الحاسوب المغرور» قدمت في مدرسة الاقصاب وتعود للعام 1959، مدرسة خرجت منها اجيال كثيرة منذ تاسيسها بعيد الاستقلال، امام تلاميذ متشوقين للمعرفة وللمس العرائس والبحث «منين يخرج الصوت، كتاب تكلم» كان اللقاء المسرحي في يوم احتفالي، ليبدع الممثلين في شد انتباه الجمهور لرسائل العمل ليعلموا الطفل قيمة الكتاب وضرورته في الحياة قبل الاتكال المطلق على الحاسوب والهاتف، فبين دفتي الكتاب توجد الرحلات والمغامرات الشيقة، رحلات تزّد الطفل بالخيال وتشحنه بطاقة مختلفة، في الكتب شخوص وبلدان والوان تبدو اشدّ جمالا مما يتوفر عليه الحاسوب، الكتاب يحفز ذكاء الطفل ويعلمه الاجتهاد والبحث عكس استعمال كبسة زرد في الحاسوب، هكذا يدعون التلميذ ليتصالح من القراءة والقصص الموجهة اليهم قبل الارتماء في ساحات الحواسيب وعوالمها الافتراضية.
مسرح الطفل مساحة للحلم، هي فضاء مطلق للخيال من خلال النص والبعد العجائبي في الاضاءة والموسيقى، في عروض circuit théathre تغيب الاضاءة والمؤثرات الجانبية ليكتفوا بزاد الممثل وقدراتهم التمثيلية ومدى التزامه بشخصيته والتناص معها ليقنع جمهور بعضهم يشاهد للمرة الاولى عملا مسرحيا وممثلين يتحركون امامه.
جمعتهم فكرة الهامش، اشتركوا في هاجش اثبات الذات والدفاع عن الحقوق الثقافية عبر المسرح، يشتركون في فكرة الانتماء الى فضاء جغرافي بعيد عن المركز، ليكون اللقاء مبني على الصدق وفهم الاشارات المتبادلة والوعي برغبة الطفل الكلية في ملاعبة شخصية الكتاب او المسطرة ومحاولة معرفة مخارج الصوت وهل فعلا تتحدّث، بين ابناء منيرفا تياتر وتلاميذ مدرسة الاقصاب والمدارس الريفية الاخرى هاجس مشترك عنوانه الرغبة في تحقيق الاحلام الصغيرة واكتشاف مساحة اكبر.
في المدرسة تشكّل العقول الصغيرة وأحلامها الكبرى
هنا تكتب خطوات النجاح الأولى، بين هذه القاعات الصغيرة توجد أحلام أكثر امتدادا من ضيق المكان، في المدرارس الابتدائية الريفية تولد براعم تونس الغد، في هذا المجال الريفي يكون المعلم سند التلميذ الأول نفسيا وعلميا لينجح ويكتب مسار يحفزه على معرفة مايوجد خارج شجيرات الصنوبر والأراضي الفلاحية الممتدة، بين جدران المدرسة يحلم التلميذ، يغني، يتعلم أبجديات المواطنة عبر العلم، وفي اليوم العالمي للمربي كرمّت تظاهرة circuit théathre معلمي الأجيال في مدرستي «الرويسين القديمة» و»الاقصاب».
تسعة وعشرون كليومترا من مركز الولاية سليانة إلى معتمدية سيدي بورويس طريق مكثر، مرورا بجامة ودوار عكاشة والسد الجبلي والمحيبس ووادي الجوى بشجيراته القصيرة المميزة، طريق جبلية ملتوية تزينها الأشجار الغابية الموجودة طيلة الطريق، عند الوصول الى بورويس تشدك أول جملة «ابتسم تونس أحلى».
ثم تتفرع الطريق يسارا الى «سيدي بورويس القديمة» وبعد بضعة كيلومترات في طريق غير معبدة توجد المدرسة وحيدة وشامخة في حيز ريفي ممتد ومترامي المجال، لاوجود لمنازل قريبة او غابات او اشجار وحدها المدرسة تخبر زوار المكان، ان هنا يزرعون حب الحياة والتمسك بالعلم في عقول بريئة واجساد صغيرة لازالت تتحسس الطريق الى الحياة.
في المدرسة الابتدائية «الرويسين القديمة» (1963)تزينت الجدران بكتابات عن الوطن وقيمة العلم والاجتهاد فهاهو الشابي تحوم روحه في المكان وتهمس للاطفا لان «الا انهض وسر في سبيل الحياة، فمن نام لن تنتظره الحياة» وهناك «العلم نور» واطفال يغنون للمدرسة وللمعلمين ويقومون تحية للعلم المرفرف بحبّ تونس وان قست الجغرافيا اعتبارا لبعد المسافة عن المنازل والمشي لمسافات طويلة طلبا للعلم وتجميع عدد اكبر من التلاميذ في الصندوق الخلفي «للكات كات» لتسهيل التنقل فهناك الأمل في الانسان.
ليست للاحلام حدود، ولا لكلمة مستحيل مجال للنطق،لازال الجنون يسكن القائمين على حب المسرح ليتتبعوا خطى البراعم الصغيرة ويحملون اليها مادة فنية وثقافية تشعرهم انهم جزء من هذا الوطن وليسوا مجرد ارقام في التعداد المدرسي، من سيدي بورويس بريفها الساحر وبقايا رائحة الحصاد الى «الاقصاب» طريق قعفور، مدرسة ابتدائية اخرى ستكون المحطة الثانية في الاحتفاء باليوم العالمي للمربي، أين سيلتقي التلاميذ مع عمل يدافع عن العلم وينتصر للمدرسة «مدرسة، مدرسة كم أحب المدرسة» ويغنون للمعلم تحية واحتراما وهم يزرعون فيهم الرغبة في اكتشاف مساراتهم وذواتهم «هيا هيا يا اطفال هيا نرفع العلم، نستعد للنجاح ونقاوم الكسل، نتحلى بالاخلاق والصفات الطيبة، ثم نمضي بوفاق في طريق المدرسة» كما تقول كلمات مسرحية «الحاسوب المغرور».
بين مدرستي «الاقصاب» و»الرويسين القديمة» كان الاحتفاء بالمعلم والمدرسة، كان اللقاء التلقائي بين الممثلين والمعلمين والتلاميذ احتفاء بمن يشكلون العقول الصغيرة لتكون حاملة مسؤولية الوطن في المستقبل، من المدرسة يبدا التغيير في المناطق الريفية فالمدرسة هي وجهة التلميذ وقبلته الوحيدة لينهل من العلم ويتعلّم كيف يحيا.
في «منيرفا تياتر» مجموعة من الحالمين والمناضلين يتمسكون بحق ابناء الهامش الريفي في المسرح، يقدمون ورشات في المسرح لتلاميذ الاحياء الشعبية، يحملون زادهم الابداعي الى التلاميذ في اعماق القرى والارياف من خلال تظاهرة «احبك مدرستي» بالاضافة الى عروضهم المدافعة عن الحق في الثقافة واللامركزية الابداعية وضرورة تعبيد طرقات الابداع ونشر ثقافة الحياة لاطفال ظلمتهم الجغرافيا وهمشتهم سياسات الدولة فانتصر لهم الفن والمسرح.
في اليوم العالمي للمربي احتفاء بالمسرح والطفل: على خطى مينيرفا تكتب الأحلام الطفولية المقدسة
- بقلم مفيدة خليل
- 11:48 07/10/2022
- 1430 عدد المشاهدات
يكتبون سيرتهم الفنية والانسانية بصدق الحالمين، يوزعون صكوك الأمل والنجاة عبر الفنون بإخلاص، يحلمون ويريدون للأطفال أن يواصلوا مشوار الحلم