أدباء في القلب والذاكرة زبيدة بشير شاعرة العواطف المكلومة (1938 /2011)

هي رائدة الشعر النسائي في تونس وصوتها الشعري ظل متميزا على مر الزمن فزبيدة بشير هي امرأة عصامية حفظت القرآن في صباها وثقفت نفسها بالمطالعة وبالاستماع إلى برامج الإذاعة التي كانت تنصت إليها حيث كانت لهذه المؤسسة منذ تأسيسها

في 1938 وإلى سنة 1980 تقريبا وظيفة تعليمية تثقيفية ومن وراء مصدح الإذاعة فيما بعد عرف الجمهور الشاعرة زبيدة بشير.

ولدت الشاعرة زبيدة بشير في ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1938 واسمها الكامل زبيدة بنت البشير بن محمد السوفي: وهو أصيل الجزائر وينحدر أساسا من وادي سوف المدينة التي لا تبعد عن توزر إلا 100 كلم ومن وادي سوف بالجنوب الشرقي الجزائري انتقل إلى مدينة سوق أهراس بالجزائر ومنها تحول إلى ساقية سيدي يوسف تلك المدينة التونسية الحدودية التي اشترك فيها كفاح التونسيين والجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي. وهناك استقر البشير بن محمد السوفي وتزوج من التونسية عائشة بنت عمار الشابي التي أنجبت له البنين والبنات وكانت زبيدة هي ابنتهما البكر.

ولما كان هذا الرجل مثقفا وحافظا للقرآن وللشعر الجاهلي وللمدائح والأذكار والفنون الشعبية فقد حرص على تعليم ابنته القراءة والكتابة فعلى يديه حفظت القرآن الكريم والكثير من الشعر ذلك أن المجتمع الغارق خلال الثلاثينات والأربعينات في الجهل والتخلف لم يكن يسمح بتعليم البنت في المدرسة. لذلك يمكن اعتبار الشاعرة زبيدة بشير عصامية ولكنها طوّرت معارفها من خلال الاستماع خاصة إلى البرامج الإذاعية لمختلف المحطات حيث لعبت الإذاعة آنذاك دورا مهما في نشر الوعي والثقافة في صفوف المستمعين.

وقد شاءت الصدف والظروف أن تلتحق زبيدة بشير بالإذاعة الوطنية لتعمل فيها مذيعة ومنشطة برامج مدة عشرين عاما من 1960 إلى 1980 وهناك من يعتبرها قد عملت في الإذاعة من 1959 إلى 1981 أي طيلة 22 عاما حيث كانت لها الكثير من البرامج الأدبية على غرار «مرادفات» و»لقاء الأحبة» بالإضافة إلى برنامج أسبوعي بإذاعة (صوت أمريكا) الذي كان تسجيله يتم في المركز الثقافي الأمريكي. كما شاركت زبيدة بشير في البرنامج الشهير «هواة الأدب» مع الشاعرين عبد المجيد بن جدو ومصطفى خريف وهذا الأخير رعاها منذ دخولها إلى الإذاعة وكتب مقدمة ديوانها الأول (حنين) ويبدو أنها قبل أن تعرف كشاعرة كتبت زبيدة بشير القصة ذلك أنها فازت سنة 1958 بالجائزة الأولى في مسابقة أدبية نظمتها إذاعة باريس عن قصة لها بعنوان (النغم الحزين) وقد تحولت إلى هناك لتسلم جائزتها حيث أقيم لها حفل بالمناسبة أما في العام الموالي 1959 فقد كانت الجائزة أيضا من نصيبها في مجال الشعر من خلال قصيدة لها بعنوان «الحب الضائع».

ويُقال أنها كتبت إضافة إلى الشعر والقصة، العديد من المسرحيات التي تولت فرقة الإذاعة للتمثيل تقديمها كما كانت زبيدة بشير تحضر المؤتمرات الأدبية وخاصة تلك التي كانت تقام ببغداد في العراق وقد اُدرجت مجلة الإذاعة صورا لها مع عبد الرحمان الشرقاوي ويوسف السباعي ومع الشاعر المصري الكبير أحمد رامي.

وفي رحاب الإذاعة الوطنية أمكن لزبيدة بشير أن تتعرف من قريب عن عديد الأسماء الشعرية والأدبية في تونس مثل نور الدين صمود وجعفر ماجد وعبد العزيز قاسم ومنور صمادح ونور الدين بن محمود بالإضافة إلى مصطفى الفارسي وأحمد اللغماني وفرج شوشان وغيرهم ولئن تميزت زبيدة بشير بقريحة لا تنضب فقد جاء في حوار أجري معها سنة 2010 ما يلي: «لم يساعدني على طباعة وشر ديواني الأول «حنين» سوى «هنري سمادجة» مؤسس جريدة «لابريس» الذي كان معجبا بأشعاري» ويبدو أنها لم تجد المساندة من الشعراء الرجال الذين عاصرتهم حتى أنها انسحبت فجأة وظلت معتكفة في بيت بالمنزه السادس، كان أحد أصدقائها يتولى دفع إيجاره وهو حمادي الجلازي ولم تظهر زبيدة بشير إلا سنة 2001 أي بعد عشرين عاما من العزلة والاعتكاف وكان «الكريديف» قد تولى سنة 1995 بعث جائزة أدبية تحمل اسم هذه الشاعرة وهي جائزة مازالت إلى الآن لم يقع حجبها مثل جائزة أبي القاسم الشابي التي كان يسندها احد البنوك في تونس.

هذا الظهور أنهى لغز اختفائها وكان حافزا لظهور قصائدها من جديد وصورها على صفحات الجرائد وقد تولى الكريديف طباعة ديوانها الثاني (آلاء) سنة 2002 ثم صدر ديوانها الثالث (طائر الفينيق) سنة 2011 لتصدر دار محمد علي للنشر دواوينها الثلاثة مجمعة في كتاب واحد بعنوان «الأعمال الكاملة».

عن هذه الشاعرة التونسية الرائدة والمبدعة كتبت الدكتورة عائشة عبد الرحمان (بنت الشاطئ) في جريدة الأهرام ما يلي: «لولا نبرة الحزن والأسى التي تطغى على معظم قصائدها لقلت أن زبيدة بشير هي أميرة الشعر العربي» وقال عنها أحمد العموري هي «شاعرة العاطفة والابتهال ورفعة الخصال» ويبدو أن علاقة صداقة متينة أصبحت تربطها بهذا الأخير بعد ظهورها المفاجئ في 2001 فمع أحمد العموري حضرت زبيدة بشير يومي 28 و29 ماي 2011 ملتقى أدبيا في الكاف. حيث تم تكريمها وتدشين مكتبة عمومية تحمل اسمها وكأنها كانت زيارة الوداع للجهة التي انطلقت منها.

زبيدة بشير التي قال آخرون عنها: «هي شاعرة الزمن الصعب» و»هي شاعرة المسافات البعيدة» فلقد كان في شعرها إفصاح دقيق عن كوامن النفس وعن صدق الأحاسيس والمشاعر فمجموعاتها الثلاث تزخر بجمال المعاني وحلاوة المباني وكل قصيدة من قصائدها هي صفحة من حياتها التي انتهت يوم الأحد 21 أوت 2011 حيث غيّبها الموت عن سن تناهز 73 عاما. وذلك بعد وعكة صحية مفاجئة حيث تم نقلها إلى المستشفى العسكري بتونس أين سلّمت الروح لخالقها وقد أوصت رئاسة الحكومة الانتقالية آنذاك بضرورة رعايتها وفي مقبرة سيدي يحي بتونس تمت مواراة جثمانها التراب وقد نعتها كل من وزارة المرأة ووزارة الثقافة وعمل الكريديف على إصدار مجموعتها الثالثة بعد رحيلها كما أصدر عنها كتابا توثيقيا مهما بعنوان «زبيدة بشير قمرية الخضراء».

وهكذا كانت زبيدة بشير السوفي صاحبة تجربة متميزة في الشعر وفي الحياة طيلة 73 عاما شابتها الكثير من الصعوبات والعراقيل.
إصداراتها:
• حنين (شعر) الدار التونسية للنشر 1968.
• آلاء (شعر)، نشر الكريديف تونس 2002.
• طائر الفينيق (شعر)، نشر الكريديف تونس 2012.
• الأعمال الكاملة، دار محمد علي الحامي صفاقس/ تونس 2014.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115