«البحارة» لحسام الغريبي في افتتاح «مسارات المسرح»: تتبع لسيرة المكان في الموسيقى وتوثيق للذاكرة

تتواصل المسارات، مسارات الإبداع والنحت في صخور التهميش وقلة الدعم، مسارات لتحويل الأحلام إلى حقيقة وكتابة الرؤى على الركح،

مسارات الدفاع عن المهدية وحق أبنائها في فرجة مسرحية تحترم العقل الانساني وتدافع عن قضاياه الكلية، تتواصل مسارات المسرح بالمهدية في دورة جديدة ومحاولة جدية أخرى لتأسيس فعل مسرحي في مدينة الفاطميين، ولان المسرح أب الفنون ولأن الركح مطيتهم ليدافعوا عن هويتهم الموسيقية وتراث مدينتهم كان اللقاء الأول مع عرض «البحارة».
«البحارة» رحلة موسيقية ومسرحية، حلم يسكن حسام الغريبي مخرج العمل منذ عدة اعوام، سكنته المدينة بحكاياتها واسرارها، استوطن البحر قلبه وأسرته حكايات البحارة وأغانيهم فقدم لهم رحلة «البحارة» كوميديا موسيقية تحافظ على الموروث الشفوي للجهة وتتغنى باشهر معالمها وتقدم الوانه المهدية لزوار المسارات.
الفن لتتبع حكايات المدينة
مدينة العشق والعشاق، مدينة تسحر الزائر باختلاف ألوانها، هي المهدية مدينة بحرية هادئة،من باب زويلة (السقيفة الكحلاء) الى البرج العثماني، فناظور المهدية، وصولا الى برج الراس او كاب افريقيا مرورا بالميناء القديم تشدك المدينة اليها، تجذبك الى اختلاف الوانها وحكاياتها المتصلة مع الضفة الاخرى للمتوسط، المهدية ينقلها حسام الغريبي ومجموعة عرض بحارة الى الركح، المهدية مدينة الفاطميين تنقلها اصوات ابنائها الى الجمهور، الايقاعات مطية ليتعرف رواد المسارات على الجهة، تعلن الكمنجة عن بداية الرحلة الموسيقية، تلك النوتات الرقيقة تتماهى مع قلوب عشقت المدينة واخرى تشبه صيحات الرايس قبل الانطلاق الى البحر حيث الرزق والحياة وصراع يومي مع البحر وامواجه.
المهدية مدينة البحر والحب والمسرح، هكذا يريدها ابنائها وتكتبها اصواتهم واجسادهم في عرض «البحارة» الذي يغوص في الموروث الغنائي للجهة ويعيد تقديمه الى الجمهور دون توزيع موسيقي جديد فقط ادخال لالة الكمنجة لتكون صوت الحب في العرض، فاغاني جهة المهدية لها خصوصية في المواضيع، في المهدية يتغنون بالبحر و الرموز الدينية التي اثرت في المدينة وشعبها على مدى قرون.
ترتفع الايقاعات تدريجيا، تخاطب القلوب وتحث الزائر ليعرف تاريخ المدينة، هاهي ايقاعات آلتي «الدف» و»الدربوكة» كانها اصوات المترجلين زوار المدينة العتيقة، تتماهى مع خطواتهم المستكشفة للمكان، والبحث في خصوصيات الجهة، انطلاقا من الاغاني التراثية والصوفية، هاهي الاصوات تنادي حارس المدينة «سيدي جابر» ليحمي المدينة من الاهوال، واخرى تتجدث عن «سفر الكنار» وعذابات البحارة في البحر، فالاغنية رصد لمجموعة من القصص والحكايات تقدم بايقاعات لتخفف من حدة الوجع او تهوّن الالم.
«البحارة» رحلة موسيقية ومسرحية مزجت الغناء بالمسرح والرقص، تماهت الصورة البصرية مع الكلمة المنطوقة ليعرفوا بموروث المدينة المنسي ويقدموا جزء من تراثهم الشفوي غير المدوّن الى المشهد الثقافي التونسي، جمال العروي يشارك في العرض ويخاطب «الفنارة» سائلا اياها عن المدينة وحكاياتها، عمن سكنوها ومن دفعوا الكثير ليمارسوا الفن ويزرعوا المسرح في الناشئة ثم يحالوا الى دفة النسيان، الى روح الطاهر شباح والناصر الكسراوي قرأ جمال العروي الشعر الممسرح، وعزفت الكمنجة نوتاته الموغلة في الحنين.
«بحارة» جزء من الموروث الشفوي للمهدية، بعض من التاريخ كتبه فنانين على الركح، لجمهور يكتشف المكان غنوا «ها لالا يمّا» و»مولى الغناية» و»سنوبري يا جاري» و»يا فرج يا جابر» و»بحار» و»الشيخ مطير» ليدافعوا باصواتهم والاتهم عن جزء من موروث مدينتهم الموسيقي، فالمهدية كانت ولازالت ارض للقاء والفنون وتاريخ ثقافي تركته الحضارات المتعاقبة على المكان.
«الماشطات» واغانيهنّ صدّ منيع ضد ضياع الموروث
هنّ حارسات الذاكرة، هنّ حاميات التراث من الاندثار وباعثات الحياة في «الغرزة» و»الطريزة» و»النوبة» المهدية، نساء المهدية لازلن حصنا منيعا متمسكات بتراثهنّ وحكاياتهنّ الضاربة في التاريخ كما المدينة، المراة في المهدية تحافظ على الهوية التقليدية للمدينة من خلال اللباس والحليّ والاغاني، في «البحارة» الفنانات ثلاثتهنّ باللباس التقليدي المهدوي، يلبسن «القمجة» الطويلة والقصيرة، ذاك الفستان المطرز بخيوط الفضة والذهب والموشى بالشواشات الخضراء والحمراء والبرتقالية، فوقها الفرملة السوداء او الذهبية اللون، الحرام «الفاسي» و»الفوتة» و»المريول» عناصر أساسية في اللباس المهدوي الذي تحرس النساء على حمايته من الاندثار ورغم التقدم والتجديد لازالت «العروس المهدوية» تحافظ على اللباس وخصوصيته في الزفاف، «التليلة» لازالت تزين رقبة المراة المهدوية.
لان النساء هنّ الحصن المنيع ضد النسيان وتغوّل التجديد يوجد في المهدية العديد من الفرق النسائية «الماشطات» وتعود التسمية لانهن يرافقن العروس اثناء تحضيرات الزفاف، الماشطات يغنين للحب، يغنين للتراث، وفي البحارة قدموا «يا مولات الدار» وهي اغنية تتغزل بربة البيت وسيدته صاحبة حفل الزفاف عادة، وتغنين بالموروث الصوفي الشيعي الحاضر في الاذهان والموروث «يا للاتي فاطمة» نسبة الى فاطمة الزهراء و «الي هزرقية» والاغنية من تراث مدينة الشابة غير البعيدة عن المهدية.
للرقص حضوره وتيمته اللغوية والحضارية في الموروث التونسي، فالحركة تختلف من مدينة الى أخرى، ومن الريف الى البحر تتباين الحركات والرقصات، في البحارة توجد لوحات راقصة تنقل جزء من موروث الجهة، حركاتهم هادئة وتشبه عملية جذب الشباك، اذ يحضر البحر بمقوماته في الرقصة المهدوية، ترقص النساء أيضا اثناء الجلوة فاتحات الأيادي لتصبح المرأة تشبه «تانيت» آلهة الخصب، فالنساء هنا يحافظن على موروثهنّ بالرقص والموسيقى و»الماشطات» جزء من الذاكرة الشفوية لمدينة المهدية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115