وفي الأيام الأخيرة ازدادت الأمور تعقيدا وسوءا بسبب انبعاث رائحة شبهات فساد ووقوع أحداث عنف في حرم المسرح... ولا تزال رحلة البحث عن مدير عام متواصلة !
في منتصف الثمانينيات تأسس المسرح الوطني على يد المسرحي الراحل منصف السويسي ليتداول على إدارته محمد إدريس وأنور الشعافي وفاضل الجعايبي الذي أداره لمدة 6 سنوات. وبعد مغادرته ظل المسرح دون مدير عام ما يقارب السنتين !
اعتداء وتعنيف في حرم المسرح الوطني
بعد 4 أيام فقط من مباشرة المسرحي ومدير مركز الدرامية والركحية ببن عروس معز العاشوري لمهامه على رأس مؤسسة المسرح الوطني بتكليف من وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي، تراجعت الوزيرة عن قرارها ليكون هذا التعيين أقصر تكليف عرفته الوزارة . فما الذي دفع الوزيرة إلى تغيير رأيها دون منح المدير الجديد فرصة إثبات جدارته من عدمها؟ وهل كانت الضغوط أقوى من إرادة الوزيرة وصلاحية قراراتها؟
يبدو أن الوزيرة اختارت تعيين المخرج معز العاشوري على رأس إدارة المسرح الوطني في إطار بحثها عن مدير عليم بمفاصل المؤسسة وكواليسها ونقاط ضعفها وقوتها، إلى جانب الجمع بين الممارسة المسرحية والخبرة الإدارية... بعد أيام قليلة فقط، أعلنت الوزيرة عن تراجعها عن هذا التعيين والإبقاء على تكليف إيمان صفر بتسيير إدارة المسرح الوطني إلى حين تعيين مدير عام على رأس هذه المؤسسة.
قد يكون اعتراض عدد من المسرحيين على تعيين معز العاشوري في رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية قوة ضغط على الوزيرة لتتراجع عن قرارها؟! وربما كان تدقيق معز العاشوري في ملفات المسرح الوطني وإعلام الوزيرة بوجود شبهات فساد فترة إدارة المدير السابق فاضل الجعايبي كان سببا في إقصائه واستبعاده من «الحلفاوين»؟ !
إلى حد هنا يمكن أن يختلف المسرحيون في الإجماع على كفاءة معز العاشوري في إدارة المسرح الوطني ما بين المساندة والمعارضة. كما يمكن للوزيرة أن تقوم بالتعيين ثم تتراجع عنه بجرة قلم ولكن أن يصل الأمر إلى الاعتداء اللفظي والمعنوي في مس من حرمة المسرح الوطني فالأكيد أن الأمر على غاية من الخطورة.
وقد علمت «المغرب» من مصدر موثوق وشاهد عيان على أنّ المسرحي معز العاشوري تعرض يوم الاثنين 8 أوت الجاري للتعنيف والضرب في الباب الخارجي لمقر المسرح الوطني بالحلفاوين وأمام أعين المارة من طرف عونين بالمؤسسة. وللإشارة فإنه في صباح اليوم ذاته قامت الوزيرة بزيارة ميدانية إلى قصر الحلفاوين «للاطلاع على مدى تقدم أشغال تهيئة عدد من فضاءاته وللوقوف على الوضعية الحالية لقاعات التمارين المسرحية ولمتابعة سير برامج التكوين بالمدرسة التطبيقية للحرف المسرحية».
فبأي ذنب يهان الفنان في تونس؟ ولماذا تداس كرامته بين الأقدام في تغوّل لثقافة العنف على منطق الحوار؟ وهل أصبح المسرح الوطني حقلا محيطا بالألغام ينفجر في وجه كل من ينبش في أسراره؟
ماذا في رسالة المسرحيين إلى رئيس الجمهورية؟
احتجاجا على بقاء مؤسسة المسرح الوطني دون مدير عام للسنة الثانية على التوالي، توجه عدد من المسرحيين برسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد تحت عنوان «المسرح الوطني وجه تونس». وجاء في هذه الرسالة : «أمام تجاهل نداء المسرحيين وتهميشهم بترذيل الحياة المسرحية ووضعها في مقام الاستحالة حيث تسري عمليّة تخصيب الفراغ بشكل مفزع، وأمام سياسات المماطلة والتلاعب الذي يشهده ملف تعيين مدير عام للمؤسسة المذكورة أعلاه، واللجوء إلى تكليف مشبوه في المدّة الأخيرة كحلّ ترقيعي للإيهام بالسير العادي لها، فإنّ هذا لا ينبئ إلّا بانهيارها قريبا كصرح وطني كنّا نحسبه جزءا في بناء ثقافة الجمهورية الجديدة، نطالب نحن المسرحيين التونسيين بإنقاذ المسرح الوطني التونسي عبر تعيين مدير عام من الكفاءات المسرحية حسب ما يمليه القانون الأساسي لهذه المؤسسة، ووفق معيار الكفاءة والمشروع الفكري والجمالي».
فهل وجدت رسالة مجموعة من المسرحيين صدى لدى رئاسة الجمهورية؟ وهل تدخلت الرئاسة فعلا في استبعاد معز العاشوري من إدارة المسرح الوطني ؟
فتح باب الترشح من جديد... والمسلسل يطول !
في سابقة من نوعها في تاريخ المسرح الوطني أعلنت وزارة الشؤون الثقافية في سنة 2020 عن تسمية مدير عام على أساس ملف ترشح وليس قرار تعيين مباشر.
وبعد مرور سنتين على تقديم المترشحين لملفاتهم لا يزال كرسي مدير عام المسرح الوطني شاغرا دون مبرر! فلا شك أن الشروط المطلوبة ليس مستحيلة أو تعجيزية حيث قدّم مسرحيون من أصحاب الكفاءة والخبرة ترشحاتهم لهذه الخطة على غرار منير العرقي وحمادي الوهايبي ومعز مرابط وسامي النصري وحسن المؤذن وحافظ الجديدي وشكري علية... ولا شك أن اللجنة المتكونة من وحيد السعفي وتوفيق الجبالي ومنى نورالدين ومحمد المديوني ورؤوف بن عمر تملك مؤهلات النظر في ملفات الترشح بكثير من النزاهة لاختيار الرجل المناسب في المكان المناسب.
واليوم أعلنت الوزارة من جديد عن فتح باب الترشح إلى خطة مدير عام المسرح الوطني حيث ورد في بلاغها ما يلي: «نظرا لعدم استيفاء الشروط لدى المترشحين في البلاغ السابق نشره بتاريخ 29 جوان2020 واعتبارا لما عاشه القطاع الثقافي لاحقا من أحداث ظرفية جراء انتشار فيروس كورونا وحرصا على ضمان مبدأي الشفافية وتكافؤ الفرص، تفتح وزارة الشؤون الثقافية من جديد باب الترشح لخطّة مدير عام مؤسسة المسرح الوطني...».
وبالعودة إلى شروط الترشح الثلاثة في بلاغ سنة 2020 وبلاغ سنة 2022 نجد أن المقارنة بين الاثنين لم تسفر عن فوارق كبيرة باستثناء تنصيص الشرط الأول على أن «يكون المترشح من ذوي الخبرة الميدانية والتطبيقية».
وعموما يمكن استنتاج إقصاء لنقاد المسرح وأصحاب الممارسة النظرية فقط من الترشح، وكذلك استبعاد المترشحين سابقا نظرا لعدم توفر شروط الترشح فيهم وفقا لبلاغ الوزارة.
وإن تم تحديد يوم 9 سبتمبر 2022 كآخر أجل لتقديم الترشحات، فهل يعني هذا انتظار أشهر أخرى حتى العثور على «المهدي المنتظر» للجلوس على عرش المسرح الوطني؟ وهل تتحمّل المسألة كل هذا التعقيد والتأخير؟ ومن يتحمل الخسائر والتبعات ؟ وهل من المقبول أن يتحول المسرح الوطني من منتج للإبداع إلى «مرتع» للفوضى والعنف؟
ماذا يحدث في المسرح الوطني ؟ عنف ... وشبهات فساد ؟!
- بقلم ليلى بورقعة
- 12:13 12/08/2022
- 1427 عدد المشاهدات
لم يحدث أن عرفت مؤسسة المسرح الوطني شللا كالذي يكبل مفاصلها اليوم. ولم يسبق أن غرق هذا الصرح الكبير في ركود طويل منذ حوالي سنتين من الزمن.