فما أروع أن يكرم أهل الفن في حياتهم وأمام جمهورهم دون انتظار فاجعة الموت حتى يكون التكريم «سنة واجبة»!
في مهرجان قرطاج الدولي كان للفنان التونسي نصيب من الحظوظ والظهور. وقد رفع مهرجان قرطاج الدولي شعار «الانتصار للفنان التونسي» وتمثل نسبة العروض التونسية 45 % من برمجة المهرجان. ولا شك أن تكثيف الحضور التونسي على أركاح المهرجانات الصيفية بصفة عامة محكوما بأمرين: ترشيد النفقات والتقليص من معدل خلاص الفنانين الأجانب بالعملة الصعبة من جهة، وتقديم دعم مادي ومعنوي للفنانين التونسيين بعد حوالي عامين من البطالة بسبب الكورونا.
وفي كل الأحوال يحق للفنان التونسي أن يعتلي مسارح مهرجاناته ويخطب ود الجمهور العريض حتى وإن كان الأمر في بعض السهرات مغامرة كبرى ومفاجأة غير سارة قد يعلنها شباك التذاكر !
بعيدا عن «السهرات التجارية»، قدّم الموسيقار عبد الرحمان العيادي مساء الجمعة 22 جويلية 2022 حفلا بعنوان «أنغام في الذاكرة» جمع فيه باقة من أروع الأصوات التونسية في همزة وصل بين جيل الأمس وجيل اليوم وجيل الغد. على إيقاعات «فرقة الوطن العربي» غنّت السيدة سلاف، وأعاد كل من نور الدين الباجي وسليم دمق وألفة بن رمضان وشكري عمر وأسماء بن أحمد وأحمد الرباعي وملكة الشارني الجمهور إلى سنوات من الحنين ومساحات من الشجن نسجتها أغنيات تونسية الهوية والهوى. فبالرغم من موجة الصخب واختلاط الحابل بالنابل لم تفقد الأغنية التونسية بريقها، ولم تضع الحناجر الذهبية عذوبتها في إثبات بأن أصوات الفنانين التونسيين هي أصوات «حقيقية» لا تنضب ولا تشيخ !
أمام العزف المنفرد للبشير السالمي، كانت نوتات الكمنجة جواز سفر مفتوح إلىعوالم الصفاء الذهني والانتشاء الروحي الخالص، حتى استحق هذا الملحن القدير التكريم على ركح الكهرجان الكبير منطرف وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي. وقد لحق التكريم أيضا الشاعر أحمد الزاوية والملحن محمد رضا والفنان محسن الرايس والسيدة سلاف.
بالرغم من أضواء المشاهير وهالة النجوم، استطاعت وزيرة الشؤون الثقافية أن تسرق بدورها الاهتمام ، فهي لم تكتف بالجلوس في صف الكراسي الأولى وفق ما يفرضه البرتوكول بل اعتلت هي أيضا الركح لتكريم أنس جابر ليلة افتتاح مهرجان قرطاج الدولي في بادرة غير متوقعة، أثارت الإعجاب والإشادة. ولا شك أن في تكريمها لفنانين تونسيين وهم يغنون على مسرح قرطاج العريق والشاهق في تاريخه و سمائه ما يثير الاستحسان والتشجيع.
وما أجمل الورد حين يُهدى إلى المبدع وهو يقف على مسرحه محتفيا بالحياة، لا نائما تحت اللحود في انتظار تكريم قد يأتي أو لا يأتي يتسلمه الورثة بين حسرة ودمعة.