المسرح مساحته للنقد والحرية، المسرح مساحته ورفاق الفكرة لبناء أفكار جديدة تدافع عن مدنية الدولة وحقوق الإنسان وحقوق الفنان في ظلّ غياب قوانين تحميه، المسرح بالنسبة لنزار السعيدي فضاء رحب للحياة وللأمل رغم الوجع المطروح في اغلب الاعمال، فالمسرح يحارب دولة تحاول «اخصاء» المسرح وقتله وتهميش المسرحيين، والمسرح مساحته للخلق وإعادة البناء كما هو في «تائهون dark side».
وهي المنجز الفني الجديد لنزار السعيدي الذي سيقدم لجمهور مهرجان الحمامات الدولي يوم الثلاثاء 26جويلية ضمن فعاليات الدورة السادسة والخمسين، «المغرب» التقت المخرج وكان الحوار التالي:
• كيف تقدم للجمهور العمل الجديد تائهون؟
تائهون هو مغامرة أخرى في مسار مشروع مسرحي يحاول أن يطرح الآن والهنا بفكر جدلي عبر أدوات الفرجة، يشاركني العمل في الدراماتورجيا وكتابة النص عبد الحليم المسعودي وفي التمثيل جمال ساسي، رمزي عزيز ،انتصار العيساوي،محمد شعبان، تماضر الزرلي، علي بن سعيد، الصادق الطرابلسي وإخراج فيديو مروان لبيب إضافة الى مجموعة التقنيين، تائهون هي لحظة توقف لمحاولة تفكيك التيه الذي نعيشه بين واقع متخلّف وبائس وتقدّم سريع للتكنولوجيات الجديدة.
• ايّ مسرح يقدمه نزار السعيدي؟
أحاول أن أقدم مسرحا يستدعي التفكّر ويرتبط جدليا مع متلقيه، يقطع مع ثقافة الاستهلاك والتفاهة التي ضربت جميع الاسس والقيم ، مسرح يحاول إيقاظ الفكر وفتح الحوار حول قضايا مصيرية لمستقبل المجتمع، مسرح ينطلق من الراهن المحلي كعينة بحث لإشكاليات إنسانية كبرى، مسرح يقوم بدوره الحيوي لاكساب المناعة لجسد المجتمع.
• تائهون مبحث اجتماعي وسياسي جديد؟ هل المسرح مساحتكم للبحث؟ وأي رسائل يعمل عليها السعيدي في مسرحه؟
تائهون مبحث اجتماعي سياسي ينهل من المرجعيات العالمية التي خاضت تجارب وطرحت نظريات في علاقة المسرح بالنظم المجتمعية ومجالات سلطتها لذلك لا اعتبره مبحث جديد بقدر ما هو تواصل لمنجزات المدونة التونسية والعالمية التي خاضت في هذا السياق، نعم المسرح هو مجال بحثنا على اعتبار انه مهنتنا تدريسا وابداعا والصنعة التي مكنتنا من اكتساب ادوات نبرز من خلالها رؤيتنا للعالم نقترحها على الآخر للتساؤل. فما نقدمه نعتبره وظيفتنا داخل نسيج المجتمع كبقية الوظائف الاخرى رغم الحيف ونكران دور المسرح والفن عموما. ربما لا أحبذ مصطلح رسالة ومقولة للمسرح رسالة فهي تحيلني الى الموعظة والتعالي أصلا لا اعتبر ان من دور المسرح تقديم رسائل بل دوره فتح باب الجدل والتساؤل وبناء الأفكار لا إسقاطها، لذلك اجتهد في أعمالي على تقديم اطروحة تتعدد فيها الأصوات والرؤى فلا سلطة لرأي على رأي آخر .
• العمل على تشريح هنات المجتمع ودراسة ارتفاع الجريمة كم تطلب من الوقت دراسة وتحليلا قبل وصول العمل الى الجمهور؟
تقريبا سنة ونصف بين البحث النظري والتمارين على الركح فنحن نشتغل على مبحث متحرّك لا ثابت كما ان الجريمة ليست المقصود في تائهون بل هي تعلّة لفتح نوافذ أخرى مرتبطة بها، جميع الأعمال المسرحية التي انجزناها تنطلق بحادثة فاجعة ثم نتتبع ارتداداتها منها نستخرج الشخصيات وعلاقاتها، ونحاول ان نتخير حادثة صارت في الواقع فمن بين المرجعيات التي نرتكز عليها هي تقنيات المسرح التوثيقي حتى نتمكن من صياغة المقترح الدرامي المعتمد اساسا على السّرد سمعيا ومرئيا.
• في «تائهون» تعاملت مع مجموعة من الممثلين ذوي الخبرة و دراماتورجيا لعبد الحليم المسعودي؟ كيف تقيم التجربة؟
تجربة مهمة واعتبرها مغامرة صعبة ان تشتغل مع ممثلين لهم تجارب مسرحية راسخة عند المتلقي والمبدأ ليس استغلال تلك الخبرات والتجارب لانتاج مسرحية بقدر ما هو اجتهاد وبحث مني ومنهم على التساؤل والتشكيك في المكتسب السابق واعادة صياغة مقترحات جديدة خاصة بمشروع تائهون وهو ما لاحظه أغلب الذين شاهدوا العروض الاولى للمسرحية وورد في مقالات بعض النقاد.
أما التعامل مع الناقد والكاتب عبد الحليم المسعودي الذي لم يكتفي بالدراماتورجيا فقط بل في كتابة النص ايضا وخرجت العلاقة من اطار التعامل المسرحي الى المشاركة الفكرية والمعيش اليومي فما قدم على الركح كان نتاج نقاش طويل لم يبخل فيه عبد الحليم المسعودي من زاده المعرفي الواسع حقيقة انا سعيد وفخور بهذا التعامل الذي تعلّمت منه.
من انتليجنسيا الى قصر السعادة الى تائهون، يغيب الديكور وتصبح اجساد الممثلين والاضاءة هي حمالة رسائل العمل، هل هي قطع مع المسرح الكلاسيكي وبحث عن فرجة جديدة؟
أن الاعتماد على الفضاء الفارغ (لا نقصد مفهوم بيتر بروك) تستوجبه الرؤية العامة للعمل المبنية على السرد في تعدد أساليبه، تكفل الإضاءة والمؤثرات الصوتية بتأطير مكان الأحداث، كما ان البنية الدراماتورجية المتشظية لا تتقاطع مع أحجام ديكور على الركح، أن الفضاء الفارغ معطى استفزازي لخيال المتلقي وتحفيز لذكائه فالعمل يسعى إلى مشاركة فاعلة للمتلقي ومن بينها التصور الذاتي لأمكنة تنقل الشخصيات. الممثل هو أساس الفعل من خلال جسده وطاقته وصوته حامل لفكرة المشروع في المراوحة بين السرد والتشخيص.
• العمل في اطار «فريق» هل وسيلة لنجاح العمل؟
نعم بالنسبة لي وذلك لارتباطه العضوي بالمشروع ككل، فلا يمكن تقديم مقترح جمالي مبنى على الجدل مع المتلقي دون أن نكون عايشنا ذلك أثناء الانجاز . مجموعة العمل المسرحي هم ذوات مفكرة كل يحمل رؤيته الخاصة وفي اختلافها وائتلافها اثراء المنجز، فهي مجتمع مصغر يمكن ان نقيس داخله أفكار المشروع المسرحي.
• لمن ينجز نزار السعيدي فعله المسرحي؟ لمشروعه وذاته؟ ام للجمهور؟
اعتبر الفعل المسرحي فعل تفكير في عالم مركّب ينجز للأفراد لتفكيك والفهم ثم التغيير المنشود، المسرح في سياق التفكير في علاقة الفرد بالمجموعة والمجموعة بالفرد، وما أنا كفاعل مسرحي الاّ جزء من هذا النظام قدّ يحتوي منجزي جزء من ذاتي ولكن الأغلب هو مدارات الاخرين.
• تقييمكم للمشهد المسرحي التونسي؟
المشهد المسرحي التونسي يعيش أزمة حادة جراء تنصل الدولة من مسؤوليتها الثقافية واستهتار بعض المسرحيين للفعل، المشهد غارق في المطلبية الاجتماعية وهي الفخ المنصوب لضرب الجوانب الابداعية، الجميع يعلم هوان المنظومة المسرحية وعللها وعلى رفوف الوزارة الحلول الممكنة في تغيير القوانين المنظمة وفتح فضاءات عرض متعددة وغيره من الحلول التي يطالب بها المسرحيين منذ سنوات لكن للأسف الآذان اصابها الصمم.
• ها لازلت تعتقد ان «الدولة تريد قتل المسرح؟
طبعا ما دامت نفس الممارسات إلى اليوم بل زادت توحشّا وتنكيلا فلا يمكن تفسير ما يجري طيلة هذه السنوات من محاولات اخصاء للفعل المسرحي واللعب على وتر المنح المادية لخنق المسرحيين إلا شروعا في جريمة قتل المسرح. للأسف مقابل ذلك لم يتوحّد المسرحيون وانقسموا الى فئات وطبقات وتحولت المعركة الى داخل البيت.
المسرح يقلق الدولة لكن من دورها ان ترعاه كجزء من بناء ثقافة المجتمع في مفهومها الشامل وعلى الجمهورية التي تتأسس حتى تنجح ان تضع مشروعا ثقافيا وطنيا وهو ما نراه غائبا حتى بعد 25 جويلية 2021.
• عرض «تائهون» رفي مهرجان الحمامات الدولي؟ كيف سيكون العرض؟
لا اعرف كيف سيكون العرض لأنه فعل حيّ يتأثر بزمانه ومكانه، ما أعرفهم نعمل عليه كمجموعة أننا سنقدم مقترحا في قيمة ركح مهرجان الحمامات الدولي وجمهوره. المشاركة في المهرجان إضافة للمسرحية لرمزيته التاريخية، دعوة من خلال هذا الحوار الى من فاتتهم العروض الاولى الى الحضور وفي ذلك دعم لفكرة تواجد المسرح بمهرجان الحمامات الدولي امام ما نشاهده في مهرجانات كبرى أخرى من استقطاب للتفاهة والبذاءة الذوقية.