صدرت عن «دار الكتب الوطنية»: رواية «باتوالا» والوفاء إلى أحمد الدرعي

هي واحدة من أجمل الروايات وأشهر المؤلفات التي تتحدث عن العنصرية. وقد تمّ وصف «باتوالا « بأنها من أوائل الأدب الإفريقي

 المعاصر حيث كتبها رينيه ماران عام 1921 لتثير الضجة الكبرى في باريس ولتفوز بجائزة غونكور الفرنسية في الوقت نفسه. وتبرز هذه الرواية كيف عاش السكان الأصليين للقارة الإفريقية في سلام مع الحيوان و النبات والطبيعة قبل أن يغزوها الرجل الأبيض ليتغير كل شيء !
بعد أن أهدى ورثة الفقيد أحمد الدرعي مخطوط رواية «باتوالا» إلى دار الكتب الوطنية ، لم تتأخر المديرة رجاء بن سلامة في إصدار هذه الرواية في ترجمتها إلى العربية بقلم التونسي أحمد الدرعي وتحقيق عبد الوهاب الدخلي بالتعاون مع دار نقوش عربية للنشر.
«رواية زنجيّة حقيقيّة»
عندما كتب الإفريقي «رينيه ماران» رواية «باتوالا» فإنه قد حمل بين يديه قضية الزنوج الذين يرزحون تحت الاستعمار الفرنسي وقدمها إلى العالم بأسره ليكون أول أديب من أصحاب البشرة السمراء يحصل على جائزة غونكور سنة 1931. وقد فضحت هذه الرواية الممارسات العنصرية والقمعية التي تمارسها «عاصمة الأنوار» تجاه الأفارقة والإنسانية.
بعد أن صدرت الترجمة العربية لرواية «باتوالا» بقلم سنان سليمان موسى عن منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب ، أصبح لهذه الرواية العالمية نسخة تونسية بفضل جهد الراحل أحمد الدرعي وبفضل حرص دار الكتب الوطنية على إصدارها وإخراجها إلى النور.
في تصديرها لرواية «باتوالا» تقول المديرة العامة للدار الكتب الوطنية رجاء بن سلامة:»صدف عجيبة أوصلتنا إلى هذا الكتاب الذي بين أيديكم: رجل من المارتنيك اسمه روني ماران (1987-1960)، كان موظّفا صغيرا غير منضبط بالإدارة الاستعماريّة الفرنسيّة، عمل بإفريقيا، وكتب رواية تصف قسوة «البيض» على البشر والحيوانات، وقسوة الحياة على «بتوالا»، زعيم القبيلة الذي هرم ودارت عليه الدّوائر، وتسخر بمرارة من الإرث العنصريّ الذي يعود إلى مونتسكيو نفسه : «إن الحق بجانب منتسكيو الذي يكتب في صحيفة حيث في الفكاهة الأكثر بردا يظهر بغض في خفاء (إنهم سود من الساق إلى الرأس ولهم أنوف فطس بحيث يستحيل أن يرأف بهم الإنسان).» هذه الرّواية، رغم نقدها اللاّذع لمظاهر الظّلم والجبروت في الاستعمار الفرنسيّ، في مقدّمتها وعلى لسان بطلها «بتوالا»، ورغم أنّ مؤلّفها «زنجيّ» ووصفها في عنوانها الفرعيّ بأنّها «رواية زنجيّة حقيقيّة»، تفوز بجائزة القونكور سنة 1921. لا ندري كيف وصلت الرّواية إلى أحمد الدّرعيّ (1902-1965) بتونس، فترجمها، أو بالأحرى تجشّم مصاعب ترجمتها، فهي تنتمي إلى عالم بعيد غريب، هو أدغال إفريقيا الاستوائيّة، ومعجمها الذي يسمّي الحيوانات والنّباتات والعادات والأشياء ثريّ وصعب. لا ندري متى ترجمها أحمد الدّرعيّ، لكنّه كتب مسوّدة التّرجمة على أوراق رسميّة معنونة لجريدة الفجر : « الفجر : مجلّة علميّة اجتماعيّة أخلاقيّة إدارتها بنهج انقلترا عدد 25 بتونس» . وتبيّن لنا بعد البحث أنّ «الفجر» ليست الصّحيفة التي صدرت سنة 1931، وأدارها سيمون زانة وكان صاحب امتيازها عبد السّلام فرشيو ، بل هي مجلّة الفجر ، وهي شهريّة أطلقها الحزب الحرّ الدّستوريّ سنة 1921، و»يحرّرها نخبة من علية الكتّاب» . ما علاقة الدّرعيّ بهذه المجلّة، وهل كان من محرّريها؟ للأسف لم نجد المجموعة في أرصدة المكتبة الوطنيّة لنتثبّت من الأمر. ما يمكن أن نؤكّده، في انتظار المزيد من الأبحاث المتخصّصة، هو أنّ الدّرعيّ ترجم الرّواية انطلاقا من طبعتها الأولى التي صدرت سنة 1921، وتضمّنت 12 فصلا، خلافا لطبعة سنة 1938 التي أضيف إليها فصل ثالث عشر. توفّي أحمد الدّرعيّ سنة 1965 وبقيت مسوّدة ترجمته حبيسة الأدراج أو صناديق الأرشيف. أصدر المجمع التّونسيّ للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، الأعمال الكاملة للدّرعي في مجلّدين ضخمين، خاليين من التّرجمة سنة 2017. تبرّعت أسرة الدّرعيّ بمخطوطات والدهم لدار الكتب الوطنيّة في آخر سنة 2020، فوقفنا على نصّ التّرجمة الذي أشكل علينا أمره في البداية، وانتبه الأستاذ عبد الوهّاب الدّخلي إلى حقيقته، فأوكلنا إليه مهمّة تحقيقه، فقبل المهمّة الصّعبة مشكورا. كانت المهمّة عسيرة لأنّ المترجم لم يبيّض النّصّ، وترك فراغات كان لا بدّ من ملئها، وإشكالات لا بدّ من توضيحها، تدلّ عليها في النّصّ معقّفات المتن والهامش».
تصبح الغرابة ألفة إِذا ما تأمّلنا سيرة أحمد الدّرعيّ. فقد كان مزدوج اللّسان، يراسل الصّحف الفرنسيّة ويترجم النّصوص النقابيّة، وكان مناضلا ضدّ الاستعمار، ونصيرا لفئات متنوّعة من الضّعفاء والمظلومين : العمّال، بنشاطه في جامعة عموم العملة منذ سنة 1924، والنّساء بدفاعه عنهنّ وعن صديقه الطّاهر الحدّاد، والمكفوفين، بتأسيسه جمعيّة المكفوفين التّونسيّين سنة 1956، ونشره مجلّة تهتمّ بقضاياهم، والسّود بترجمته لهذه الرّواية التي تعدّ صيحة فريدة في وجه العنصريّة الاستعماريّة. ولهذا قال الحدّاد عن الدرعي عندما قدّم نشاطه النّقابيّ : « ملآنة نفسه ببؤس البائسين وأنين المظلومين، فهو كئيب بكآبتهم ومتألّم بآلامهم...»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115