في أيام قرطاج الكوريغرافية: الرقص المعاصر والرقص الشعبي يلتقيان... ولا يختصمان !

عندما نفرح نرقص، وعندما نحزن نرقص. في لحظات النشوة نرقص كالفراشة حول الضوء، وفي لحظات الألم نرقص كالديك المذبوح !

رقص الإنسان البدائي ورقص الإنسان المعاصر كل على طريقته ولكن لغة الجسد كانت همزة الوصل بين الأسلاف والأحفاد، بين الأمس واليوم.
لأنها تحتفي بتعبيرات الجسد الراقص في كل الأزمان والأوطان، اهتمت أيام قرطاج الكوريغرافية بالرقص الشعبي انطلاقا من عرض «ودوني» لفرقة الفنون الشعبية وعرض «ربوخ» للكوريغرافي وائل مرغني .
الرقص الشعبي يتحرر من «الفولكلور»
يحضر الرقص الشعبي في تونس باعتباره ممارسة اجتماعية لا تغيب عن مختلف احتفالات العائلة التونسية. ومع إحداث الفرقة الوطنية للفنون الشعبية في السيتنيات كثيرا ما صفقّت الأيدي بحرارة لرقص سعيدة الخضراء و خيرة عبيد الله ورضا العمروسي... وبالرغم من تشريف الفرقة وعناصرها لتونس في المحافل الدولية وحصدها للتتويجات والميداليات.... فإنّ هذا الإشعاع قد انحسر اليوم. وبعد أن تم في سنة 2018، دمج الفرقة الوطنية للفنون الشعبية مع مسرح الأوبرا لمدينة الثقافة (قطب الباليه والفنون الكوريغرافية) ، فقد سعى مديرها عماد عمارة إلى تجديد دماء الفرقة دون طمس هويتها ومحو خصوصيتها...
ضمن أيام قرطاج الكوريغرافية في دورتها الرابعة، قدمت فرقة الفنون الشعبية عرض «ودوني» ولأول مرة في تاريخها تعاملت الفرقة مع الأوركستر السمفوني التونسي بقيادة راسم دمق في سياق التجديد والانفتاح على المعاصرة.وقد استمد عرض «ودوني» عنوانه من أغنية «ودوني» للفنان زياد الزواري الذي ساهم بدوره في إنجاز هذا المشروع الفني. وقد أفاد زياد الزواري بالقول: « في فترة الكورونا أعدت التوزيع الموسيقى لأغنية «ودوني» من تراث جزيرة قرقنة في ولاية صفاقس سيما وهي تتحدث عن الشوق بسبب الفراق وانقطاع سبل التواصل. وقد أعجب بها كثيرا الكوريغرافي عماد عمارة واقترح علي التعامل المشترك من أجل إنتاج عرض متكامل يحضر فيه الشعر والموسيقى والكوريغرافيا... فكان اللقاء بين المزود والكمنجة عنوان صلح وتكامل. ونحن نحتاج اليوم إلى التحليق نحو العالمية ولكن بأجنحة الهوية والخصوصية التونسية».
ويتحدث عرض «ودوني» عن قصة «شوق» ، هذه الفتاة الجريئة والفضولية التي تدعونا إلى جولة شيقة لاكتشاف تونس على ركح عرض فرجوي مستوحى من التراث الفني التقليدي التونسي بكل عناصره من رقص وموسيقى وأغاني وشعر ولباس واكسسوارات…
ومن المهم اليوم أن يخرج الفن الشعبي من جبة الفولكلور ويتحرر من كونه مجرد طقس احتفالي مناسباتي إلى فن قائم بذاته في انفتاح على تطور فنون الأداء.
الرقص الشعبي في مدارس الرقص المعاصر في الخارج، لم لا؟
هل يمكن للرقص الشعبي وللرقص المعاصر أن يخلقا سويا فرجة جديدة؟ وهل يمكن للوحات الكوريغرافيا المعاصرة أن ترقص على إيقاع خطوات الرقص الشعبي ؟ هل اللقاء بين الرقص المعاصر والرقص الشعبي ممكن؟ كيف ولماذا؟
من الاكتشافات الجميلة في الدورة الرابعة من أيام قرطاج الكوريغرافية عرض «ربوخ» للكوريغرافي وائل مرغني وأداء سلسبيل سويسي وصبري رجب وباديس حشاش .و»يستلهم العرض فكرته من التراث غير المادي المتمثل في الرقصات والأغاني المنتشرة في مختلف جهات الجمهورية. وحتى لا تندثر الذاكرة الجماعية المتجسدة في مظاهر الاحتفالات العائلية، يسعى الجسد الراقص إلى توثيق مكوّنات هذه الهوية التي تصنع الخصوصية التونسية».
لا يكتفي «ربوخ» بكونه مجرد عرض راقص بل هو مشروع بحث أكاديمي وتصور جمالي وثقافي يقترحه الفنان وائل مرغني الذي يحلم بتدريس الرقص الشعبي التونسي في مدارس أوروبا ذات يوم.
في استدعاء لذاكرة الطفولة، صمّم الفنان وائل مرغني «ربوخ» وهو الذي نشأ في المنطقة الشعبية «باب الفلة» بالعاصمة والتي كثيرا ما تتجدد فيها الاحتفالات الدينية والعائلية وتعبق من أنهجها رائحة البخور وتنتشر في أرجائها أصوات «الدربوكة».
يجمع عرض «ربوخ» بين الخيال والتاريخ في تصوّر لشكل الاحتفالات التونسية في المستقبل وكيفية إخراجها من المحلية إلى العالمية من خلال الاشتغال على الرقص المعاصر كأداة أساسية لإيصال هذه الرسالة الفنية الملتزمة. فهل من السهل تحقيق هذه المعادلة ؟ ؟ يجيب وائل مرغني، فيقول:»كثيرا ما يتابع الراقصون التونسيون إنتاجات الغرب في الرقص المعاصر ويستلهمون منها تصوراتهم الفنية. فتساءلت: لماذا لا يكون الرقص الشعبي التونسي مصدر إلهام للرقص المعاصر ؟ ولماذا لا تكون خطوات الرقص التونسي محل اقتباس لدى الغرب في المستقبل؟ وفي هذا الإطار يندرج عرض «ربوخ» الذي يمثل مشروع بحث أواصل الاشتغال عليه. في هذا العرض نحاول تقديم تصور عن شكل حفل «الحنّة» في تونس في استشراف لأسلوب الحياة عام 2030. وقد حافظنا على الروح التونسية في تقنيات الرقص مع لمسة معاصرة لا تطمس الهوية وتطمح إلى التجديد».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115