تألم لآلام ابناء شعبه، شاركهم الرهبة من الدمار وووجيعة المغادرة فاختزن قلبه كل تلك الصور لتحولها عدسة الكاميرا الى فيلم سينمائي موشى بالخوف والامل سماه «غيوم داكنة».
ايمن زيدان الممثل والمخرج السوري، حول سوريا بعد الحرب الى السينما، اصطحب تلك الصور والفواجع والياسمين المتروك ونثره امام عدسة الكاميرا فولد الوطن جميلا رغم الجراح، الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا، وهو من بطولة كل من الفنانين وائل رمضان ورامز عطالله ولينا حوارنة وحازم زيدان ولمى بدور ونور علي ومحمد زرزور ومحمد حداقي وجود سعيد، وعلاء قاسم ومازن عباس.
الكاميرا عين على الوطن واوجاعه
«غيوم داكنة» هو عنوان الفيلم منذ الاسم يحمل المخرج جمهور الفيلم الى الترميز، فللغيوم الداكنة رمزيتان الاولى الخوف والسواد فالغيوم الداكنة عادة ما تكون مصحوبة بالظلمة، ظلمة تتماهى مع ظلمة الحرب وقسوتها، تلك الحرب التي دمرت العديد من المدن دمارا كاملا، اما الرمزية الثانية فهي الامل فالغيوم الداكنة كثيرا ما ينتج عنها الكثير من المطر والمطر منذ القديم عنوان للامل والتطهيرـ تطهير الروح من آلامها وتطهير الارض من خرابها فهل تطهر الاراضي السورية ممن ساهموا في تدميرها باسم «الشرع» و»الله»، فزيدان يترك للجمهور حرية التاويل اثناء متابعة الفيلم وبعدها.
«صباح الخير يا سورية، صباح دمشقي هادئ موشى بالياسمين» هكذا تقول قارئة الاخبار في الراديو قبل تحول الكاميرا الى طريق خضراء ممتدة، طريق طويلة لا نهاية لها كأنها رحلة السوريين اثناء البحث عن مكان امن، او هي رحلة الروح في بحثها عن مستقرها الاخير تماما كشخصية الدكتور «محسن» (وائل رمضان) العائد الى مدينته ومنزله بحثا عن الموت «في كثير ناس ترجع مشان تموت مو تعيش» كما يخبر سائق سيارة الأجرة، هي ايضا رحلة ايمن زيدان المخرج والفنان في بحثه عن طريق تعيد للوطن جماله، طريق الفن والتوثيق لإبراز مقومات الامل في وطن انهكته الحرب.
بين الذهاب والعودة تكون احداث الفيلم، الذهاب او الهجرة بحثا عن حياة امنة ومستقرة اجمل في بلد لا حرب فيه الذهاب بحرا او برا مع تجار الموت ارحم للكثيرين من البقاء في مدن شبه مدمرة بالكامل وأخرى مازالت محاصرة «سأغادر الى مدن افضل، سأوفر لابني حياة اجمل من هنا» كما تقول شخصية «سعاد»، هذا الهروب من حجيم الدمار يقابله المخرج بشخصيات اخرى تقرر العودة، الدكتور محسن يعود ليموت في وطنه ويبحث عن قبر له بين رفات الاصدقاء ورفاق الطفولة، والجندي يعود بقدم مبتورة وحضن مفتوح ليعانق امل الحياة من جديد، فهل المكان سبب للموت او الحياة؟ هل خلفت الحرب الما ام ولد منها امل ايضا؟ وبين ثنائيات عديدة يرمي زيدان بجمهور فلمه الى مرمى السؤال والحيرة.
من الامل يولد الامل ايضا
تدور احداث الفيلم في قرية دمرت بالكامل، فقط بعض بيوت مازالت مفتوحة، هذه البيوت هي اشارة الى مكونات المجتمع السوري، في الفيلم مكان التصوير قرية مدمرة لا وجود لاسم يدل عليها فترك الصورة في المطلق لتنسحب على كل المدن والقرى المدمّرة، مع اشارة الى قربها من «حمص» «قرية زوجة اخيك مازالت محاصرة، وحمص لا اريد العودة اليها، سابقى هنا قريبا من بيتي» كما تقول شخصية الجد اثناء محاولة الاعمار، المكان المدمر يكون حامل الاحلام والافكار، ذاك المكان ينقل قصص من سكنوه وكأني بالمخرج يدافع عن الاراضي السورية وان خرّبت، يحاول تقديم صورة جميلة، فالمنازل المدمرة بسبب القذائف من الخارج في الداخل جميلة ونظيفة ومليئة حبا وتضحية.
توغل الكاميرا في نقل الدمار المكاني والنفسي، فالمكان في الفيلم انعكاس لمتساكنيه، المكان حزين كذلك ساكنوه، المكان يشاركهم الحطام النفسي، فالبيوت المهدمة تتماهى مع تهدم احلام وافكار مدير المدرسة الذي اصبح مجنونا بعد قتل ابنه وزوجته وتدمير المدرسة، وبجنونه تقمص شخصية قائد كتيبة تدافع عن ارضها، والبيوت الموحشة تشبه وحشة الزوجة منتظرة عودة زوجها الجندي، وحشة نفسية قاتلة تعيشها مع ابنها، ذاك الخراب هو انعكاس للخراب اليومي. خراب المكان والشخوص نقلته كاميرا ايمن زيدان المسكون بوجع الوطن كما يقول «نحن كسوريِّين أوصلنا أنفسنا إلى نقطة خسرنا فيها أنَّنا المعنيُّون بحلِّ مشاكلنا، وأصبحنا أشبه بقرابين، وفرائس صراعات دوليَّة معقدة،أعود وأؤكِّد أنَّ سوريَّة بيتنا،وأنَّ وطننا هو وجودنا، الصورة محزنة، ومخيِّبة، وبعض أبناء هذا الوطن شكَّلوا لي فاجعة حقيقيَّة حين أصرُّوا على تدميره، حجم الألم أكبر من قواميس الدنيا، وأخشى أن يكتب التاريخ أنَّنا يوماً كنَّا شركاء في تدمير وطننا دون أن نعي ذلك» وربما يحاول زيدان اعادة البريق لوطنه من خلال افلام تنقل الدمار لكنها مسكونة ببعض الامل ايضا من خلال شخصية الطفل نور وحضوره لاعبا بطائرته الورقية محلقا كما الغيوم.
عرض فيلم «غيوم داكنة» لأيمن زيدان في قاعة الطاهر شريعة: السينما فعل مقاومة للخوف والحرب وانتصار فقط للأمل
- بقلم مفيدة خليل
- 10:57 04/06/2022
- 1502 عدد المشاهدات
سكنه وطنه فحوله الى فيلم سينمائي، شغل بهموم شعبه وأحلامه وآماله فصنع منها صورا سينمائية تشد انتباه المتأمل وتدفعه الى السؤال عن الحرب والخوف،